68

درجات سِت

الدرجات الست وأسرار الشبكات: علم لعصر متشابك

اصناف

اقترح باستور-ساتوراس وأليساندرو فيسبيناني تفسيرا تضمن بوضوح سمات لشبكة البريد الإلكتروني، ثم توصلا من خلاله إلى افتراض لكيفية انتشار الفيروسات؛ فمن خلال الاعتماد على نموذج الشبكات عديمة المعيار لباراباسي وألبرت كتمثيل لبنية شبكات البريد الإلكتروني - وهو الافتراض الذي دعمه (وإن لم يكن على نحو حاسم) بعد عام تقرير لفريق ألماني من الفيزيائيين - أوضح عالما الفيزياء أنه عند انتشار الفيروسات في الشبكات عديمة المعيار، لا تعكس الفيروسات السلوك الحدي ذاته الذي تعكسه في النموذج القياسي، بدلا من ذلك - كما هو واضح في الشكل

6-10 - يزيد حجم مجموعة الأفراد المصابين بالعدوى باستمرار من الصفر مع زيادة قدرة المرض على العدوى. وفي شبكات البريد الإلكتروني عديمة المعيار، لا يكون لدى معظم نقاط التلاقي سوى بعض الروابط فحسب؛ بمعنى أن معظم الناس يرسلون رسائل بريد إلكتروني لعدد قليل من الآخرين بصورة منتظمة، لكن عددا صغيرا فحسب من مستخدمي البريد الإلكتروني لديهم قوائم عناوين بريد إلكتروني ضخمة تحوي ألف اسم أو أكثر، ولديهم من الاجتهاد الواضح ما يجعلهم على اتصال بكل هؤلاء! إنها هذه الأقلية التي افترض باستور-ساتوراس وفيسبيناني أنها مسئولة بصورة أو أخرى عن استمرارية الفيروسات على المدى الطويل؛ إذ لا نحتاج سوى إصابة أحدهم فحسب بالفيروس بين الحين والآخر كي تستمر هذه العدوى في الانتشار بمستويات قابلة للقياس بين مجموعة الأفراد ككل.

شكل 6-10: مقارنة لمنحنيات العدوى في الشبكات العشوائية العادية والشبكات عديمة المعيار. لا تظهر الشبكات عديمة المعيار أي نقطة حرجة يبدأ عندها الوباء في الظهور على نحو مفاجئ.

بناء عليه، من الواضح أنه حتى أكثر خصائص شبكات العالم الحقيقي بساطة، مثل التكتل المحلي وتوزيعات الدرجات عديمة المعيار، يمكن أن يكون لها تبعات هامة تتعلق بانتشار المرض، والأهم بالظروف الحاكمة للأوبئة؛ لذلك، تعد دراسة نماذج الأمراض مجالا فرعيا مهما في علم الشبكات الجديد ؛ ففي عالم مصاب فيه عدة ملايين من البشر بفيروس نقص المناعة، وحيث يتنوع الانتشار، حتى داخل أفريقيا، ما بين أقل من 2 بالمائة وأكثر من ثلث سكان الدولة، يكون فهم انتشار الأمراض المعدية في الشبكات أمرا بالغ الأهمية. لا يزال هناك الكثير لفعله، لكن هناك بعض التوجيهات الواعدة بالفعل في المؤلفات التي تتناول موضوع الشبكات، وفي حين يظل النموذج

SIR

مركزيا في هذا الصدد، بدأ علماء الفيزياء، كعادتهم، في تناول المشكلة بأسلوبهم الخاص، وقد قدموا لدراسة الأوبئة مجموعة من التقنيات التي تندرج تحت المسمى العام «نظرية التخلل». (5) نماذج التخلل للأمراض

تاريخيا، تعود نظرية التخلل إلى الحرب العالمية الثانية، عندما استخدمها بول فلوري ومعاونه والتر ستوكماير لوصف عملية «تهلم» البوليمرات. من سبق له سلق البيض سيكون على معرفة ببعض مظاهر تهلم البوليمر؛ فعند تسخين البيضة، تتصل البوليمرات الموجودة فيها وتتحد بعضها مع بعض، كل زوج على حدة، وبعد ذلك، في إحدى النقاط الحرجة، يتعرض الزلال لتحول مفاجئ قد يبدو تلقائيا يعرف باسم «التهلم»، وهو التحول الذي يتحد فيه عدد ضخم من البوليمرات المتفرعة فجأة معا في تكتل واحد متماسك يشمل البيضة بأكملها. بالنظر للبيضة كإفطار، قبل التهلم كانت البيضة سائلة، وبعد التهلم صارت مادة صلبة. تمثل النجاح الأول لنظرية التخلل في تفسير فلوري وستوكماير لكيفية حدوث هذا التحول بشكل آني تقريبا، وليس ببطء وعلى نحو متراكم كما قد يتوقع البعض. مع أن نظرية التخلل قد وضعت في الأساس للإجابة عن تساؤلات في مجال الكيمياء العضوية، فقد اتضح بعد ذلك أنها وسيلة نافعة للتفكير في كل صور المشكلات، بدءا من أحجام حرائق الغابات، مرورا بإنتاجية حقول البترول الموجودة تحت الأرض، وصولا إلى قابلية المواد المركبة لتوصيل الكهرباء، وحديثا استخدمت أيضا هذه النظرية للتفكير في انتشار الأمراض.

في نهاية عام 1998، وبعد وصولي إلى معهد سانتا في بفترة ليست طويلة، بدأت في التحدث مع مارك بشأن العمل المتعلق بانتشار الأمراض الذي أجريته مع ستيف في العام السابق، تمكنت أنا وستيف، بالاعتماد على نموذج

SIR

بسيط، من الوصول إلى بعض النتائج بشأن اعتماد حد الوباء على كثافة الطرق المختصرة، لكننا لم نتمكن من فهم كيف تعمل الآلية بالضبط، أو كيف يختلف تأثير الطرق المختصرة العشوائية باختلاف كثافة الشبكة، ومنذ ذلك الحين علمت نفسي بعض أساسيات نظرية التخلل، التي بدت وسيلة طبيعية لطرح الكثير من الأسئلة ذاتها، وكان من الواضح أن مارك هو الشخص الذي يمكن طرح الأسئلة عليه؛ لكونه خبيرا في الفيزياء الإحصائية. وما عرفته سريعا عن طبيعة مارك أنه ما إن تثر مسألة ما اهتمامه حتى يتوصل إلى نتائج بعد فترة قصيرة للغاية.

نامعلوم صفحہ