144

درء القول القبيح بالتحسين والتقبيح

درء القول القبيح بالتحسين والتقبيح

تحقیق کنندہ

أيمن محمود شحادة

ناشر

الدار العربية للموسوعات بيروت

ایڈیشن نمبر

الأولى

اصناف

ويُوَضّح صحّةَ ما ذكَرناه أنّ أحدنا ليس له أن يَقتُل عبدَه بغير إِذنٍ شرعى، ولا يَقطع منه عضوًا؛ حتى قال بعضُ العلماء: "لو مَثَّل بعبدِه، مِثلَ أن جَبَّ ذَكَره، أو عضوًا غيره، أو حَرَقَ منه شيئًا بالنر، أنّه يُعتَق عليه بذلك؛ لأنّ الله سبحانه إِنما مَلَّكَه إِيّاه بشرطِ الإِحسانِ إِليه؛ فإِذا انتَفَى الإِحسانُ، انتَفَى شرطُ التمليكِ، فعاد إِلى مُلكِ الله الخالص، وهو الحرَّية". والله سبحانه له أن يُهلِك الثقَلين وسائَر العالمِ في لحظةٍ واحدةٍ، وإِن كانوا طائعين لا يَعصونه طرفةَ عينٍ. فإن ادَّعى مدعٍ أنّ ذلك قبيحٌ، فهو تقبيحٌ عقلىُّ باطل. ويوَضح ذلك أنّ كلّ صانعٍ، إِذا اتقَن صنعتَه، كالنساج للثوب، والفَخَّار للجِرار، ونحوها، له بعد ذلك أن يُهلِكها، لا اعتراض عليه في ذلك لغيره. وإِنما امتَنَع ذلك شرعًا؛ لكونه تضييع مال، لحكمةٍ قررناها غير ها هنا. وكذلك يَقبُح مِن أحدِنا أن يمكن عبدَه مِن أَمَته يزني بها، أو عبدَه مِن عبدِه يقتله. ولا خلاف أنّ الله سبحانه أَمكَن عبيدهَ مِن قتلِ بعضهم بعضًا، وزنا بعضهم ببعضٍ. إِذ لو شاء، لحال بينهم؛ لأنّه قادرٌ على ذلك. ولا نزاع أنّ هذا قبيحٌ مِن العبدِ، غيرُ قبيحٍ من اللهِ سبحانه. فإِذا جاز أن يَقبُح منّا مِثلُ ذلك، ولا يَقبُح من الله، فلِمَ لا يجوز مِثلُه في مسألة القدر؟ فهذا التقرير ها هنا كافٍ. وله مَزيد يبين فيما بعد، إِن شاء الله تعالى. وحاصل الأمرِ بيننا وبين المعتزلة أنهم هم مُستدلُون على نفي القدرِ وقُبحِ إِثباتِه بالقياس الفاسد المذكور، ليس لهم من جهةِ العقلِ سواء، وعليه مَدار شبههِم، ونحن قادِحون في قياسِهم، مانِعون لصحتّه بالفرق المذكور الذي قرّرناه بين الأصل والفرع. فيَحتاجون إِلى حجّةٍ غيره يُثبتون بها دَعواهم. ونحن مانِعون؛ والمانع مُستريحٌ. وإِنما قلنا: "إِنهم هم المستدلّون"؛ لأنّ دَعوانا نحن في إِثبات القدر على وَفق الأصل عقلًا وشرعًا. أمّا عقلًا، فلأنّه سبحانه ثَبَتَ أنّه خالق العالم وموجدُ، بالدليل العقلىّ؛ والعالمُ ما سوى اللهِ سبحانه؛ وأفعال العبادِ داخلةٌ في ذلك. ولِما قرّرناه من تمام مُلكِ اللهِ سبحانه، واقتضاءِ العقلِ تصَرُّف المالكِ كما يُريد. وأمّا شرعًا، فلِما ثَبَت في

1 / 210