فأول ما غلطوا فيه أن أفسدوا على العرب لسانهم ، وغيروا عليهم لغتهم ، وقالوا : إن الصفة هي الوصف والعدة هي الوعد والزنة هي الوزن والسمة هي الوسم والعظة هي الوعظ . وقد فرق أهل اللسان بينهما . وأوجبوا الصفة للموصوف والوصف للواصف ، والعدة للموعود والوعد للواعد ، في أمثالها . واعتذروا بأن قالوا : إن النجاة قد أجازوا ذلك . قلنا لهم : مجازا لا حقيقة ، وإنما نحن في الحقائق.
والعجب منهم أنهم يأتون أمرا لم ينفعهم ولم يضر غيرهم .
وكذلك العدة هي العطية الموعودة ، والوعد فعل الواعد ، والعظة صفة الموعوظ ، والوعظ فعل الواعظ ، والسمة أثر في الوجه والواسم الفاعل والوسم فعله .
( الثانية ) : أنهم نفوا عنه السواد والبياض والألوان بأسرها ، والأحوال بجميعها ، والصنائع العلمية ، والحياء والحياة والعلم والقدرة والإرادة والرضى والسخط وأمثالها أن تكون صفات ، لكنها معان ليست بصفات ، فهربوا من الواضح المعهود إلى المشكل المردود ، فما حاجتهم في أن جعلوا لله معاني في قول من جعل الصفات السبع بمجموعها هي الألوهية ، في قول من أثبت الذات وركب فيها المعاني السبعة وأثبتها هي الألوهية ، جمعوا بين فساد اللغة وفساد الألوهية ، وخافوا أن يتوهم عليهم وحدانية الباري سبحانه ، وقالوا : إن هذه المعاني أغيار لله - عز وجل - وأغيار بينها البين .
قلنا لهم : وهل تجوز أن تكون أغيار لم تزل ؟
قالوا : إنها قديمة . فارتبكوا .
وقلنا لهم : يا سبحان الله ، فالقديم قديم ، فلابد للغيرية من العدد والشركة والتباين ، فلما نظروا إلى قولهم الفاحش تكعكعوا ، وما يغني عنهم وقد جعلوا له من عباده جزءا ، إن الإنسان لكفور مبين ، فتفرقت بنا وبهم السبل ، فحصلوا في الكثرة بعد الوحدانية ، وحصلنا في الوحدة ، من وراء هذا أن أظهروا افتقار الباري سبحانه إلى هذه المعاني التي ذكروها من العلم والقدرة والإرادة .
صفحہ 51