دلالة الشكل
دلالة الشكل: دراسة في الإستطيقا الشكلية وقراءة في كتاب الفن
اصناف
تتمتع فرضية «الشكل الدال بوصفه الخاصية الجوهرية للعمل الفني» بمزية تفتقر إليها كثير من الفرضيات الأكثر شهرة وإثارة؛ وهي أنها تسعفنا بالفعل في تفسير أمور كثيرة، كلنا مثلا نألف لوحات تثير اهتمامنا وإعجابنا دون أن تهزنا كأعمال فينة، تحت هذه الفئة من اللوحات يندرج ما أسميه «التصوير الوصفي»
Descriptive Painting ؛ أي ذلك الصنف من التصوير الذي يستخدم فيه الشكل لا كموضوع للانفعال بل كوسيلة لنقل معلومات واقتراح عواطف، في هذا التصنيف تدخل البورتريهات
1
ذات القيمة السيكولوجية والتاريخية، وتدخل الأعمال الطوبوغرافية واللوحات التي تروي حكايات وتوحي بمواقف، وتدخل وسائل الإيضاح بجميع أنواعها. إن الفرق واضح لنا جميعا؛ فمن منا لم يتفق له يوما أن يقول إن هذه أو تلك من اللوحات هي رسم ممتاز كوسيلة إيضاح ولكنه لا قيمة له كعمل فني؟ هناك بالطبع كثير من اللوحات الوصفية التي تتحلى، فيما تتحلى به، بالشكل الدال، غير أن هناك عددا أكبر لا يتحلى بذلك. إنها تروقنا وتطرفنا وقد تحركنا بمائة طريقة متنوعة، عدا أن تحركنا إستطيقيا. إنها وفقا لفرضيتي ليست أعمالا فنية، فهي لا تمس انفعالاتنا الإستطيقية؛ ذلك لأن ما ينالنا منها ليس الشكل بل الأفكار التي يقترحها الشكل أو المعلومات التي ينقلها.
قلما حظيت لوحة بالشهرة أو النجاح الذي حظيت به لوحة فريث
Frith «محطة بدنجتون»
،
2
ومن المؤكد أنني آخر من ينفس عليها شهرتها ورواجها، ولكم تريثت إزاءها وأطلت تأملها لأحلل تفصيلاتها الفاتنة وأصوغ لكل منها ماضيا متوهما ومستقبلا مستحيلا، ولكن رغم أنه من المؤكد أن رائعة فريث أو طبعات منها قد غمرت الآلاف بآماد من المتعة المدهشة والعجيبة، فليس أقل توكيدا أنها لم تبث في خبرة أي مشاهد آنة واحدة من النشوة الإستطيقية؛ ذلك وإن اللوحة لتتضمن العديد من الانتقالات اللونية البارعة، وأنها أبعد ما تكون عن أخطاء الرسم. إن لوحة «محطة بدنجتون» ليست عملا فنيا بل وثيقة طريفة ومسلية؛ فالخطوط والألوان فيها تستخدم لكي تردد حكايات وتوعز بأفكار وتشير إلى طرائق وعادات عصر من العصور، إنها لا تستخدم لتبث انفعالا إستطيقيا؛ فالأشكال وعلاقات الأشكال لم تكن بالنسبة لفريث موضوعات انفعال، بل وسائل لاقتراح انفعالات وتوصيل أفكار. •••
أود ألا يتصور أحد أن التمثيل شيء سيئ في ذاته؛ فليس هناك ما يحول دون أن يكون شكل واقعي ما، وهو منتظم في مكانه كجزء من التصميم، مضاهيا في الدلالة لآخر تجريدي، ولكن إذا كان لشكل تمثيلي قيمة فبوصفه شكلا لا بوصفه تمثيلا، فالعنصر التمثيلي في العمل الفني قد يضر وقد لا يضر، ولكنه دائما خارج عن الموضوع؛ ذلك أننا لكي ندرك عملا من أعمال الفن لا نحتاج إلى أن نأتي معنا بشيء من الحياة، أو بمعرفة بأفكارها وشئونها أو بإلف بانفعالاتها؛ فالفن ينتشلنا من عالم الدأب البشري إلى عالم الوجد الإستطيقي، ونحن في اللحظة الإستطيقية تنقطع أسبابنا بالاهتمامات البشرية، وتتوقف تطلعاتنا وذكرياتنا؛ إذ يشيل بنا الفن فوق تيار الحياة.
نامعلوم صفحہ