دلالة الشكل
دلالة الشكل: دراسة في الإستطيقا الشكلية وقراءة في كتاب الفن
اصناف
لقد تعرض مفهوم الشكل حقا لابتذال كثير وسوء فهم فادح، والتصقت به دلالات سلبية ليست منه وليس منها، وتقول عليه المتقولون وكأنه نقيض المضمون لا جسده، أو كأنه ضد التجديد لا شرطه وحاديه وروحه الحارس.
ليس لمفهوم الشكل الدال علاقة بالصراع الأزلي بين الجموح والعقل، بين التلقائية والنظام، بين الجانب الديونيزي والجانب الأبولوني في الفن؛ ففي ذلك خلط بين الشكل الخارجي الآلي والشكل الداخلي العضوي، فليتمرد من شاء على القوالب المستهلكة، وليجدد ما شاء له تدفقه واندفاعه؛ فكل تجديد يحمل في ثناياه شكله الخاص، ولن يتسنى لأحد أن يتمرد على الأشكال القديمة إلا بأشكال جديدة، ولن يكون له أن يجدد في الشكل إلا بالشكل.
إن الشكل بحاجة إلى إعادة فهم ورد اعتبار، وليس أقدر على رد اعتباره من أن نبين أن الشكل حقيقة واقعة عتيدة كلية الوجود، فالخلق نفسه شكل، والوجود ذاته هو بزوغ الشكل من العماء
chaos
وخروج النظام من الفوضى، والرمز شكل، والرموز، كما بين كاسيرر، هي موطن الذهن الإنساني وبيئته الطبيعية وعالمه الذي لا عالم غيره سوى الذهان والتناثر، فالصحة العقلية شكل، والحياة الصالحة، كما أكد فيكتور فرانكل، هي في النهاية حياة اتخذت معنى واعتصمت بالشكل. (4) هل نمضي قدما ونقول: إن العلم شكل؟
يقول توماس كون
T. Kuhn
في «بنية الثورات العلمية»: «شيء يشبه البرادايم
paradigm (النموذج الشارح) هو متطلب أساسي حتى في الإدراك الحسي ذاته، فما يراه الشخص لا يتوقف فحسب على ما ينظر إليه لتوه، بل يتوقف أيضا على خبرته البصرية التصورية السابقة وما علمته أن يراه»، فنحن لا نرى في واقع الأمر موضوعات محددة من مثل البشر والحيوانات والموائد والكراسي، فكل ما يقدمه البصر في حالة رؤية كلب مثلا هو بقعة سمراء تتحرك وتطوف في مجالنا البصري، ما تمدنا به الحواس هو إحساسات خالصة (بقع ملونة، أصوات ... إلخ) يقال لها أحيانا «المعطيات الحسية»
sense data (sense) ، ونحن من هذه المعطيات الحسية «نستدل»
نامعلوم صفحہ