دلالة الشكل
دلالة الشكل: دراسة في الإستطيقا الشكلية وقراءة في كتاب الفن
اصناف
12 (4) الحياة حياة والفن فن
مهما تكن علاقته بالحياة فالفن غير الحياة، صحيح أنه ينبثق عن الإنسان ويشطأ من تربة الحياة، إلا أنه - شأن كل كيان «انبثاقي»
emergent - مستقل عن منشئه مغاير لأصله ولا يمكن «رده» إلى عناصره الأولى، فلو كان الفن مجرد رهافة حسية إنسانية وتوقد وجداني حياتي لكانت أي فتاة مراهقة نزقة هي أشعر الناس، ولو كان الفن مجرد تأثر بالطبيعة أو بأحداث الحياة لانتفت الحياة التي نراها جميعا من أن المدرسة الأولى للفنانين هي مدرسة الفن لا مدرسة الحياة، وأن نقطة البداية في حياتهم هي التأثر بأعمال غيرهم من الفنانين العظام لا التأثر بمناظر العالم الخارجي، وهي المشاركة في عالم الفن لا المشاركة في عالم الطبيعة.
الفن فن والحياة حياة، ومن يتعامل مع الفن بمنطق الحياة أو يقيسه بمعايير الحياة يقع في مغالطة «خلط المقولات» أو ما صار يسمى «الخطأ المقولي»
category mistake ، شأنه شأن من يقول «الأعداد الحمراء» أو «الفضائل البدينة» أو «القضايا غير القابلة للأكل»! إن فعله عبث لا جدوى منه، وقوله خطل لا تجدر مناقشته، إنه، على حد تعبير بل: «يقطع جلاميد صخر بموسى حلاقة» أو «يستخدم تلسكوبا لقراءة جريدة.»
الفن عالم قائم بنفسه شأن عالم الرياضيات أو عالم الوجد الصوفي، «إن عالم الرياضيات المستغرق في دراساته يعرف حالة شبيهة إن لم تكن مطابقة، فهو يشعر إزاء تأملاته بانفعال لا ينجم عن أي علاقة مدركة بينها وبين حياة البشر، بل ينبع، غير بشري أو فوق بشري - من قلب عالم مجرد.» والإدراك الفني الصحيح يتجه إلى الأثر الفني باعتباره «ذاتا» أخرى ينعتها ب «أنت» لا ب «هو»! إن العمل الفني كيان فردي وذات فاعلة مسيطرة، فهو أشبه بما يسميه سارتر «موجودا لذاته»
pour soi
وليس مجرد «موجود في ذاته»
en soi
شأن غيره من الجمادات والعجماوات؛ ومن ثم فمن الخطأ الفادح أن نحاول فهم الموضوع الإستطيقي بإدخاله في إطاراتنا الذهنية المعتادة؛ فالعمل الفني هو من نفسه بمثابة عالمه الخاص، ولا سبيل إلى فهمه إلا على أرضه، وبلوائحه وشروطه، «ومن شاء أن يحس دلالة الفن فعليه أن يتضع أمامه، أما الذين يرون أن الأهمية الرئيسية للفن والفلسفة هي في علاقتهما بالسلوك أو النفع العملي، أولئك الذين لا يستطيعون أن يقدروا الأشياء كغايات في ذاتها، أو كسبيل مباشر إلى الانفعال على أية حال، فما يكون لهم أن يظفروا من أي شيء بخير ما يمكن أن يمنحه، وأيا ما كان عالم التأمل الإستطيقي فهو ليس عالم المشاغل والأهواء البشرية، إنه عالم لا تسمع فيه لغو الوجود المادي وصخبه، أو تسمعه كمجرد صدق لتوافق آخر أكثر جوهرية.»
نامعلوم صفحہ