دلالة الشكل
دلالة الشكل: دراسة في الإستطيقا الشكلية وقراءة في كتاب الفن
اصناف
10
يؤكد بل دائما على أن التذوق الفني الصحيح ينبغي أن يقع على الشكل، وها هنا يكون العنصر «التمثيلي»
representational
سلاحا ذا حدين: فقد يكون - خاصة في التصميمات المعقدة - بمثابة مفتاح يرشدنا إلى طبيعة التصميم ويمهد السبيل لانفعالاتنا الإستطيقية، ولكنه من الجهة الأخرى يجب أن يكون مدمجا في التصميم كي لا يفسد اللوحة بوصفها عملا فنيا؛ فالحق أن التصميم الجميل المكون من أشكال واقعية معرض بدرجة كبيرة لخطر التدني الإستطيقي؛ إذ يستلفت عنصره التمثيلي نظرنا على الفور فتفوتنا دلالته الشكلية. إن علينا حيال اللوحات التي تمثل أناسا أو أشياء من الواقع «أن نعاملهم كأنهم لا يمثلون أي شيء» وأن ننظر إليهم على أنهم أنموذج من الخطوط والكتل والألوان.
يقول كلايف بل «أود ألا يتصور أحد أن «التمثيل» شيء سيئ في ذاته؛ فليس هناك ما يمنع أن يكون شكل واقعي ما، وهو منتظم في مكانه كجزء من التصميم، مضاهيا في الدلالة لشكل آخر تجريدي، ولكن إذا كان لشكل تمثيلي قيمة فبوصفه شكلا لا بوصفه تمثيلا، فالعنصر التمثيلي في العمل الفني قد يضر وقد لا يضر، ولكنه دائما خارج عن الموضوع؛ ذلك أننا لكي ندرك عملا من أعمال الفن لا نحتاج إلى أن نأتي معنا بشيء من الحياة، أو بمعرفة بأفكارها وشئونها أو بألف لانفعالاتها، فالفن ينتشلنا من عالم الدأب البشري إلى عالم الوجد الإستطيقي، ونحن في اللحظة الإستطيقية تنقطع أسبابنا بالاهتمامات البشرية، وتتوقف تطلعاتنا وذكرياتنا؛ إذ يعلو بنا الفن فوق تيار الحياة»
11 ... إن تمييز التطابق بين أشكال العمل الفني والأشكال المألوفة في الحياة لا يمكن أن يثير انفعالا إستطيقيا البتة، فليس غير «الشكل الدال» ما يقوى على ذلك، وليس ما يمنع بطبيعة الحال أن تكون الأشكال الواقعية دالة إستطيقيا وأن يخلق منها الفنان عملا رائعا. غير أن ما يعنينا منها عندئذ هو قيمتها الإستطيقية لا قيمتها المعرفية، فبإمكان العنصر المعرفي أو التمثيلي في العمل الفني أن يكون مفيدا كوسيلة إلى إدراك العلاقات الشكلية وليس بأي طريقة أخرى.
هكذا نرى أن التمثيل ليس خارجا عن الموضوع فحسب، بل هو عبء على الموضوع وخطر متربص بالشكل، وهو ضار في أغلب الأحوال، ولا يصبح مفيدا إلا إذا اقتصر دوره على أن يكون مفتاحا متروكا في العمل نفتح به - حين تعوزنا الخبرة الذوقية الكاملة - بابا خلفيا إلى عالم الشكل الدال، ولا يكون مفيدا ما لم يكن مدمجا ومستوعبا في الشكل، أما أن تستلفتنا «المشابهة» وتصرف انتباهنا عن العلاقات الشكلية فنحن بنفس الدرجة نكون قد أدرنا ظهورنا لعالم الفن وطفقنا راجعين إلى عالم الحياة. (3) الموسيقى فن الشكل الخالص
من العسير على المرء إذن أن يدخل محراب الفن الحديث دون أن يخلع عاداته الإدراكية القديمة وتوقعاته المعهودة من الفن، فتذوق الفن الحديث يستلزم تربية عادات إدراكية جديدة، وربما تكون حالة تذوق الموسيقى - فن الصورة الخالصة - مثالا واضحا لما نريد تبيانه، إن الموسيقى لا تمثل شيئا من عالم الطبيعة؛ وذلك لأن وسيطها الحسي، وهو الأنغام والإيقاعات والتوافقات، لا يتيح لها أن تحاكي شيئا من عالم الحياة، إنها عالم قائم بذاته مكتف بها، وجمال القطعة الموسيقية، كما يقول إدوارد هانسليك
E. Hanslick ، هو «جمال موسيقي» على التخصيص، أي أنه يكمن في توليفات الأصوات الموسيقية، ويستقل تماما عن جميع الأفكار الدخيلة الخارجة عن نطاق الموسيقى؛ ومن ثم يتعين أن يقع التذوق الموسيقي على الشكل وحده.
إلا أن المستمع غير المدرب يلجأ في عامة الأحوال إلى تصور قصة معينة في القطعة الموسيقية، أو تلمس انفعالات بشرية معتادة، وفي هذا يقول كلايف بل واصفا حالته الذهنية الشخصية إزاء الموسيقى: «ضجرا كنت أو محيرا فإنني أدع إحساسي بالشكل يفلت مني، وأفشل في فهم التآلفات الهارمونية فأظل أنسج بها أفكار الحياة، وأعجز عن الشعور بالانفعالات الصارمة للفن، فأظل أقرأ في الأشكال الموسيقية عواطف بشرية من رعب وغموض وحب وكراهية، وأنفق اللحظات - مستمتعا إلى حد مرض - في عالم من المشاعر الآسنة المتدنية ... إنني أدري تماما ما الذي حدث: لقد كنت أتخذ الفن سبيلا إلى انفعالات الحياة أقرأ فيه أفكار الحياة. لقد كنت أقطع جلاميد صخر بموسى حلاقة، لقد ترديت من الذرى العالية للوجد الإستطيقي إلى السفوح الحميمة للحياة البشرية الدافئة.»
نامعلوم صفحہ