دلائل الإعجاز
دلائل الإعجاز
ایڈیٹر
محمود محمد شاكر أبو فهر
ناشر
مطبعة المدني بالقاهرة
ایڈیشن نمبر
الثالثة ١٤١٣هـ
اشاعت کا سال
١٩٩٢م
پبلشر کا مقام
دار المدني بجدة
لا يُعطَفَ، وهو أنَّ قوله: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾، حكاية عنهم أنهم قالوا، وليس يخبر من الله تعالى وقولُه تعالى: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾، خبرٌ منَ الله تعالى أنه يجازيهم على كُفْرِهم واستهزائِهم. وإذا كان كذلك، كانَ العطفُ مُمتنعًا، لاستحالةِ أن يكونَ الذي هو خَبَرٌ منَ الله تعالى، معطوفًا على ما هو حكاية عنهم، ولإيجاب ذلك أنْ يخرجَ من كونِه خبرًا مِنَ الله تعالى، إلى كونِه حكاية عنهم، وإلى أنْ يكونوا قد شَهِدوا على أنفسهِم بأنَّهم مؤاخدون، وأن الله تعالى معاقبهم عليه١.
وليس كذلك الحالُ في قولهِ تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾، و﴿مَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّه﴾، لأن الأوَّلَ من الكلامَيْنِ فيهما كالثاني، في أنه خَبَرٌ مِنَ الله تعالى ولَيْسَ بحكايةٍ. وهذا هُوَ العِّلةُ في قولِه تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: ١١، ١٢] إنما جاء ﴿إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ﴾ مُستأنفًا مُفتتحًا "بأَلا"، لأنَّه خبرٌ من الله تعالى بأنهم كذلك والذي قبله من قوله: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾، حكاية عنهم. فلو عطف لَلَزِم عليه مثلُ الذي قدَّمتُ ذكرَه منَ الدخولِ في الحكايةِ، ولصارَ خبرًا مِنَ اليهودِ ووصفًا مِنْهم لأنفسهم بأنه مُفْسِدون، ولصار كأنه قِيلَ: قالوا: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾، وقالوا إنهم المفسِدون، وذلك ما لا يُشَكُّ في فسادِه.
وكذلك قولهُ تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٣] ولو
١ في المطبوعة: و"من": "يعاقبهم عليه".
1 / 232