دعوت برای فلسفہ
دعوة للفلسفة: كتاب مفقود لأرسطو
اصناف
10
وإذا كان من المستحيل إثبات هذا التاريخ بالدليل القاطع، فهو في رأي «ديرنج» أقرب إلى الصواب من غيره، والمهم على كل حال أن الكتاب يعطينا فكرة طيبة عن تفكير أرسطو في هذه المرحلة من حياته الخصبة الجادة، لا سيما إذا تذكرنا أنه لم يعد النظر فيه على عكس ما كان يفعل مع كتاباته التعليمية الأخرى، وأننا لا نملك كتابا آخر من كتبه يحمل نفس الدعوة التي يحملها هذا الكتاب أو يوحي بها، وأن محاورة «السياسي» التي يظن أن «يامبليخوس» قد نقل عنها أيضا قد ضاعت ولم تبق منها سوى شذرة ضئيلة لا تثبت شيئا.
لا يزال العلماء - كما قلت - مختلفين حول تفسير «البروتريبتيقوس» وترتيب أجزائه، وذلك منذ أن بدأ «ييجر» محاولاتهم المستمرة حتى اليوم، ولكنهم لا يختلفون في أصل النص الذي وردت أجزاء كبيرة منه عند «يامبليخوس» (في كتاب اختار له نفس الاسم) والمؤرخ اليوناني «ستوبايوس». وكذلك في إحدى برديات «أوكسيرنكوس » تحت رقم 666-4.
11
ولقد مضى أكثر من قرن على الفرض السابق الذكر الذي قدمه «بايووتر» مع نصوص الكتاب التي وجدها عند يامبليخوس ورجح نسبتها لأرسطو. واتصلت المناقشات حول هذا الفرض طوال هذا الزمن قبل أن يفكر أحد في نقد النص منهجيا أو يشرع في تحليل كلماته وأسلوبه ومضمون معانيه وتطابقها مع نظائرها في سائر كتبه البعيدة عن الشك، ولا نريد أن ندخل في دقائق هذه التحليلات اللغوية والنقدية المضنية للأسباب التي ذكرناها من قبل، ولكننا نكتفي بالإشارة الموجزة إلى أهم هذه المحاولات لعلها تقدم لنا لمحة عن عمق البحث العلمي الذي نكتفي في العالم العربي بالوقوف عند سطحه أو نهب زبده ورذاذه!
ربما كان الأستاذ السويدي «انجمار ديرنج» هو أهم هؤلاء الباحثين الذين عكفوا على هذا الكتاب؛ فقد نشر [ثلاثة أبحاث كبيرة]
12
عن الكتاب نفسه وعن أرسطو وعرض تفكيره وتفسيره، وقدم النص اليوناني وحلل كلماته وأسلوبه وقابله بكلمات الكتب الأرسطية المعتمدة وأسلوبها وأفكارها الأساسية كما قدم معه ترجمة ألمانية للنص المختلف عليه، والنص الذي قدمه وأعاد بناءه يضم 6400 كلمة وضع فهرسا لسبعمائة كلمة مختلفة منها ثبت له أن اثني عشرة كلمة منها فقط لا وجود لها في كتب أرسطو الأصيلة، وإن كانت من الكلمات المألوفة عند أفلاطون أو عند كتاب العصر، والأهم من هذا أنه قدم الأدلة الكافية على أن أسلوب الكتاب في أدق تفاصيله أسلوب أرسطي لا غبار عليه، وحتى المواضع التي يعمد فيها «يامبليخوس» إلى اختصار النص الأصلي أو التعبير عنه بأسلوبه إلى حد الخروج في بعض الأحيان عن أسلوب المعلم الأول وأفكاره؛ إنما تدل جميعها على أن هذا الأفلاطوني الجديد قد نقل عن أرسطو في معظم الأحوال فقرات طويلة نقلا حرفيا لا شك فيه، سواء من كتابه المذكور أو من بعض كتاباته الأخرى التي تولى نشرها بنفسه (وهي الكتب المنشورة أو غير العلمية بالمعنى الدقيق التي كان يقصد بها عامة المثقفين؛ تمييزا لهم عن الكتب «المستورة» أو الفلسفية البحتة التي كانت تدرس في اللوقيون). ولقد رجح الباحث السويدي أيضا أن هذا الاختصار والترتيب من جانب يامبليخوس لم يغره مع ذلك بتزييف النص أو خلطه بنصوص أفلاطونية أو غير أفلاطونية غريبة عليه؛ ولهذا يبقى احتمال أصالة النص أكبر من عدم احتماله؛ إذ يستحيل كما قدمنا أن يقطع في أمره على وجه اليقين،
13
كما أن المحاولات المختلفة لترتيب النص ستظل محاولات لا تختلف بعضها عن بعض إلا بقدر ما يقدم كل منها من الأدلة العلمية والنقدية، وبقدر ما تعتمد على الحجة والبرهان، وهي كلها دليل متجدد على أن العلم نفسه محاولة، وسيبقى محاولة بشرية لا يفسدها إلا الكذب والتسرع وادعاء اليقين المطلق.
نامعلوم صفحہ