داعي السماء: بلال بن رباح «مؤذن الرسول»
داعي السماء: بلال بن رباح «مؤذن الرسول»
اصناف
فما قيل عن فضل أمم الشمال الأوروبية على أمم الجنوب كافة في هذه المسألة خطأ ظاهر في البحث عن حقائق الأسباب؛ لأن أمم الشمال لم تخل من نظام الرق سموا في الأخلاق أو تفردا بالصفات الإنسانية التي تدعى للشماليين في الزمن الأخير، ولكنها خلت من نظام الرق؛ لأن اقتناء الأرقاء في تلك البلاد الباردة يكلفها أكثر مما يحط عنها، فهي فضيلة الضرورات لا فضيلة الأخلاق، وهي مزية البقاع لا مزية عناصر الشمال.
وما زال الرقيق محروما من المساواة الإنسانية إلى هذا اليوم في الأمم الأوروبية والأمريكية. وكانت القوانين إلى القرن الثامن عشر تجيز قتل العبيد في المستعمرات إذا هربوا من الأسر أو أغلظوا لمواليهم في الكلام، ولم يكن على السيد الذي يقتل مولاه إرهاقا أو تعذيبا عقاب منصوص عليه.
تلك كانت حالة الرقيق جملة في القرون الأولى وفي القرون الحديثة، وقبل ظهور الأديان «الروحية»، وبعد ظهور تلك الأديان.
ومن الأسباب التي تذكر لتحسين أحوال الأرقاء ومنع الاتجار بهم في العصر الحديث: أن اقتناء العبيد كان ييسر لبعض البلاد أن تنافس البلاد التي تستخدم العمال الأحرار في الصناعة وتبذل لهم أجرا لا يطمع العبيد السود في مثله، وكان اقتناء العبيد يضير أولئك العمال الأحرار في الوقت الذي عرفوا فيه حقوقهم ونهضوا للمطالبة بها، وساعدهم على المطالبة بها أصحاب الأموال الذين لا يستفيدون من تسخير الأرقاء.
ومهما يكن الرأي في حقيقة هذه الأسباب فهي مما يدخل في التقدير عند بيان فضل الإسلام وسبقه للحضارة الحديثة إلى أرفع الآداب وأكرمها في مسألة الرق ومعاملة الأرقاء.
فلم تكن معاملة الأرقاء على الوجه الذي أمر به الإسلام مصلحة اقتصادية على فرض من هذه الفروض، بل ربما كان من المصلحة إبقاء الرق على نظامه الأول ليفرغ الأرقاء لأعمال المعيشة والسخرة، ويفرغ الأحرار لأعمال الجهاد والرئاسة.
كذلك لا يقال: إن الإسلام تهيب النظام القائم في المجتمعات القديمة كما تهيبتها الأديان الروحية فدارت حول المشكلة ولم تقابلها وجها لوجه في معظم الأحوال، ولم تأخذ بأيدي العبيد إلا بما كانت تفرضه عليهم من الطاعة وتزجيه إليهم من العزاء المنظور في الدار الآخرة.
فلا يقال: إن الإسلام قد منع رق المسلم وقصر الرق على الأسرى وأوجب لهم حسن المعاملة؛ لأنه كان دينا يؤمن بالروح، ولا توافق بين الإيمان بالروح وبين بيع الآدميين كما يباع الحيوان ... فإن الواقع أن أديانا «روحية» كثيرة قد وفقت بين الأمرين على نحو من التوفيق.
ولا يقال: إن الإسلام قد جاء بآداب الرفق بالرقيق بعد ذهاب الحاجة إلى تسخير الأرقاء وتبدل الأحوال الاقتصادية في مجتمعات المشرق والمغرب ... فإن الواقع أن هذه الحاجة ظلت قائمة في البلاد الشرقية والغربية إلى زمن يذكره الأحياء، ولا تزال قائمة حتى اليوم في بعض الأنحاء.
فإنما هو إذن فضل خالص من علل المادة ودواعي الثروة الاجتماعية، وإنما هو نصر صريح في عالم الروح يحسب للدين الإسلامي وحده بين سائر الأديان.
نامعلوم صفحہ