داعي السماء: بلال بن رباح «مؤذن الرسول»
داعي السماء: بلال بن رباح «مؤذن الرسول»
اصناف
ومثلها متكرر يشاهد بين أبناء الأقاليم الإنجليزية أو الفرنسية أو الإيطالية أو الألمانية، وحيثما تعددت الجماعات في صقع واحد ولو من أرومة واحدة.
وقد تتجاوز العناصر ألوف السنين ولا تتجاوز المنافسة بينها حدود المفاخرة اللسانية والمنافرة الكلامية، ولكنها تتجاوز المفاخرة العنصرية إلى العداء العنصري كلما اندفعت إلى التنازع بينها على مغنم واحد لا يتأتى لإحداها بغير القضاء على الأخرى أو إذلالها، ويستحكم العداء بينها على الزمن إذا تداولت بينها الذحول والغارات فلا يهمها المغنم يومئذ كما يهمها الثأر والانتقام.
والعرب قد عاشت في جزيرتها بمأمن من سطوة جيرانها إلا في أطراف الجزيرة، حيث لا يبلغ النزاع بينهم وبين أولئك الجيران مبلغ الإبادة والاستئصال.
وعاشوا ثمة وهم يحسون مكان جيرانهم ويحس جيرانهم مكانهم، فوجدت بينهم أسباب المفاخرة ولم توجد بينهم أسباب العداء اللدود.
وأملى التاريخ على العرب وجه المفاخرة إملاء لا اختيار لهم فيه.
فقد كان جيرانهم الفرس والروم والأحباش أصحاب ثروة ودولة ومعاش ومتاع، وكانوا يعيرون جيرانهم العرب شظف العيش وسوء الطعام والكساء، وكان العرب لا يجهلون حظ هاتيك الدول من الجاه والترف وغزارة الأمواه والأزواد، فإذا فاخروهم تركوا المفاخرة بطعام أمتع من طعامهم وكساء أنفس من كسائهم وحطام أوفر من حطامهم، ورجعوا إلى فخرهم الذي يملكونه ولا يهابون المقالة فيه، وهو فخر الفصاحة وعراقة الأحساب والأعراض.
فهؤلاء كلهم عند العرب أعاجم!
وهؤلاء كلهم عند العرب أخلاط لا حساب عندها للحسب العريق.
وقد رضوا عن أنفسهم بهذا الفخر واستطاعوا المقالة فيه، ولم ينشب بينهم وبين مفاخريهم من العناصر الأخرى قتال طويل يبيدون فيه أو يبادون، فوقفوا بالمفاخرة دون اللدد في الخصومة الدموية، ونقلت عنهم وعن مفاخريهم أحاديث مستطرفات في هذا الصدد هي أقرب إلى مساجلات الأدباء في موقف الدعابة منها إلى المنازعات التي تسفك فيها الدماء.
إن فخر الروم والفرس ببياض الألوان قال العرب: تلك وجوه مقشرة!
نامعلوم صفحہ