[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل القرآن كلاما قيما، لا يحوم حوله عوج، وجعله كتابا محكما بنظم معجز ناطق بالبينات والحجج، والصلوة على رسوله المصطفى لقمع الضلال ورفع الهدى، محمد وآله وصحبه، مصابيح الدجى.
أما بعد:
فإن كتاب الله المجيد هو منبع الأصول الدينية ومجمع الأحكام الشرعية، هو المختص بوصف الفصاحة والبلاغة من بين سائر الكتب السماوية لانتهائه إلى حد الإعجاز وغاية الإيجاز، لا سبيل لأحد إلى درك ما فيه من الأسرار والمعاني إلا بتأييد إلهي أو بامداد نبوي.
وقد صنف كثير من العلماء الأعلام وأنصار ملة الإسلام تفاسير تكشف عن أسراره وتشرق عن أنواره بعبارات رائقة وتركيبات شائقة، ولكن كان الإطلاع لبعض طلاب العجم والعرب من أهل الفضل والأدب على تلك الأسرار والأنوار صعبا منها لدقة مسالكها وغموض مسابكها من الكشف الشافي والبيان الوافي، فالتجأت إلى الله الوهاب، ملهم الصواب مع قلة البضاعة وقصور الباع في هذه الصناعة أن أنتخب من تلك التفاسير تفسيرا مختصرا، قريبا من التناول، بعيدا من التفاضل، شافيا في كشف حقائقه، وافيا لدرك دقائقه تيسيرا لكل طالب فهيم أن يكون ذا حظ من علم القرآن العظيم، إذ به انتظام صلاح العباد واغتنام الفلاح في المعاد، من تحلى به فقد فاز بالقدح المعلى، ومن تخلى عنه يحشر يوم القيامة أعمى، متوكلا على واهب العقل السليم والهادي إلى الصراط المستقيم.
وسميته «عيون التفاسير للفضلاء السماسير»، فان تر فيه شيئا من الخلل والفتور فانسبه «1» إلى العجز والقصور، وإن تعثر على ما تقر به عينك فاعرفه من فيضان نور رب العالمين أو الإمداد من جناب «2» سيد المرسلين.
صفحہ 19
مقدمة
يذكر فيها أشياء يحتاج المفسر إليها،
منها معرفة الإنزال والتنزيل، وكيفية النزول، قيل: للمحققين في الإنزال قولان:
الأول: أن مجموع القرآن أنزل من اللوح المحفوظ إلى ملك السماء الدنيا وهو العقل الفعال دفعة واحد.
والثاني: أنه أنزل من اللوح إلى العقل دفعة واحدة مقدار ما ينزل في سنة واحدة بحسب المصالح، فعلى القول الأول يكون الإنزال من العقل الأول إلى قلبه عليه السلام في عشرين سنة أو ثلاث وعشرين على الاختلاف، وعلى الثاني يكون الإنزال من اللوح إلى قلبه عليه السلام في عشرين سنة أو ثلاث وعشرين «1».
والتنزيل ظهور القرآن بحسب الاحتياج بواسطة جبرائيل على قلب النبي عليه السلام، وفيه طريقان:
أحدهما: أن النبي عليه السلام كان ينخلع من الصورة البشرية إلى الصورة الملكية، ويأخذه من جبرائيل بحسب المصالح، وهو الأصعب، وثانيهما: أن الملك كان ينخلع من صورته إلى صورة البشر حتى يأخذه الرسول صلى الله عليه وسلم منه عليه السلام، ففي التنزيل تدريج دون الإنزال.
واختلفوا في كيفية النزول، فبعضهم قال: إنه ظهور القرآن «2» على قلب الرسول من غير انتقال، من قولهم:
أنزل على فلان سرور ونزل بفلان غم إذا ظهر، وقال بعضهم: إن الله أفهم كلامه جبرائيل في السماء وهو متعال عن المكان، فتمثل فيه ثم جاء جبرائيل من السماء إلى الأرض، وعلم النبي عليه السلام قراءته، فلا انتقال في كلامه تعالى أصلا.
ومنها معرفة التفسير والتأويل، والفرق بينهما، قالوا: التفسير في الأصل هو الكشف والإظهار، وحده:
توضيح معنى الآية وشأنها وقصتها والسبب الذي نزلت فيه بلفظ يدل عليه دلالة ظاهرة، والتأويل في الأصل:
الترجيع، وحده: صرف الآية من معناه الظاهر إلى معنى يحتمله إذا كان المحتمل الذي يراه موافقا بالكتاب والسنة، مثالهما ما يقال في قوله تعالى «يخرج الحي من الميت» «3»، إن أراد منه إخراج الطير من البيضة كان تفسيرا، وإن أراد إخراج المؤمن من الكافر أو العالم من الجاهل كان تأويلا، والأول يحتاج إلى السماع من الثقات لتعلقه بالرواية لئلا يقع في ورطة الهلاك لقول النبي عليه السلام «من فسر القرآن برأيه فقد كفر» «4»، وفي رواية، «من فسر القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ» «5»، فيحمل الأول على من فسره ولم يصب، لقول أبي بكر رضي الله عنه حين سئل عن معنى «الأب» في قوله تعالى «وفاكهة وأبا» «6» لا أدري ما الأب، فقيل له: قل من
صفحہ 21
ذات نفسك، فقال: «أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في القرآن بما لا أعلم» «1».
فالسماع شرط على من يفسره ولو كان واقفا على أحوال التنزيل ووجوه اللغة والإعراب، والثاني لا يحتاج إلى السماع بعد أن وقف على أحوال التنزيل ووجوهه لغة وإعرابا وطرق استعمال الألفاظ على المعاني المرادة حقيقة ومجازا وصراحة وكناية، ووفقه الله بنور البصيرة لأن يقف على أسرار القرآن وكيفية استنباط المعاني المكنونة تحت كلماته المصونة لتعلقه بالدراية لقول النبي عليه السلام لابن عباس رضي الله عنه: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» «2»، ولقول علي رضي الله عنه: «لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب» «3»، أشار به إلى كثرة معاني القرآن وأسراره، لا يطلع عليها إلا من وفقه الله بنور البصيرة الخاصة، قال أبو الليث رحمه الله في تفسيره: «إذا لم يعلم الرجل وجوه اللغة وأحوال التنزيل فتعلم التفسير وتكلف حفظه فلا بأس بأن يفسره كما سمع ويكون ذلك على سبيل الحكاية» «4»، ففيه إشارة إلى جواز نقل المسموع من التفسير إلى الغير من غير تبديل المعنى.
ومنها معرفة الناسخ والمنسوخ لما روي عن السلف: أن من تكلم في شيء من علم التنزيل ولم يعلم الناسخ من المنسوخ كان ناقصا، وقد روي المنع عن علي رضي الله عنه حين دخل في المسجد ورأى رجلا يفسر القرآن والناس حوله، فقال له: «أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، فقال: هلكت وأهلكت، لا تفسر بعد» «5»، ولأن النسخ بيان منتهى الحكم، والحكم قد يختلف بتبدل مصالح الخلق على اختلاف الأزمنة، فجاز ذلك.
ومنها معرفة المكي والمدني لجواز اختلاف الحكم باختلاف التاريخ والنسبة إلى مكة أو المدينة، وتحققها باعتبار إقامة النبي عليه السلام باحديهما سواء نزلت الآية فيها أو في الخارج عنها، حيث كان صلى الله عليه وسلم قريبا منها أو بعيدا، وقيل: باعتبار البلد وقربه «6».
ومنها معرفة نظم التركيب والترتيب بالأصول المعتبرة في فن البلاغة والفصاحة، فان من تصدى لتفسير القرآن وقد عري عنها احتجت عنه مستودعات حقائقه ومسترات دقائقه، وبالله أستعين على إتمام ما نويته، وأستعيذ من الزلق فيما نحوته، وأسأله أن يلهمني ما أراد من كتابه العزيز، ويهديني إلى تحقيقه من البارز والكنيز، أنه خير مسؤول وأكرم مأمول.
صفحہ 22
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفاتحة
[سورة الفاتحة (1): آية 1]
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
سميت بها، لأن القرآن افتتح بها لكونها أول سورة نزلت بكمالها على أكثر الأقوال، وهي لم تنزل على من قبل هذه الأمة من الأمم، وسميت مثاني أيضا، لأنها نزلت مرتين أو لأنها تثنى في الصلوة، والصحيح أنها مكية، نزلت على النبي عليه السلام بحراء لأجل صلوة علمه جبريل عليه السلام إياها بشرائطها ليعبد الله تعالى بها.
واختلفوا في البسملة، منهم من قال: إنها ليست بآية من الفاتحة ولا من غيرها، وإنما كتبت للفصل والتبرك بالابتداء بها، وعليه أبو حنيفة رضي الله عنه ومن تابعه، ولذا لا يجهر بها في الصلوة عندهم، ومنهم من قال:
إنها آية من الفاتحة ومن كل سورة، وعليه الشافعي رضي الله عنه وأصحابه، ولذا يجهرون بها في الصلوة الجهرية «1»، روي عن ابن عباس رضي الله: «من تركها فقد ترك مائة وأربع آية من كتاب الله» «2».
والباء فيها يتعلق بفعل مقدر بعدها لاهتمام ذكر الله تعالى بالابتداء ردا للكفار عن إرادة الاهتمام بذكر أسماء أصنامهم، حيث كانوا يقولون: باسم اللات، باسم العزى، وأما تقديم الفعل في «اقرأ باسم ربك» «3» فلأن الاهتمام فيه الأمر بالقرآءة.
ومعنى (بسم الله) بسم الإله الذي تحير الناظرون في عظمته وجلالته، من أله إذا تحير من الولاهة أو من أله إذا عبد من الألوهة، والحق أنه ليس بمشتق، بل اسم غير صفة، علم للذات القديم المستجمع لجميع الصفات الحميدة، وإلا لكان كليا تعالى عنه، ولأنه لو كان صفة لم يبق للصفات موصوف تجري هي عليه وهو مما لا بد منه لفظا أو تقديرا لئلا يلزم الخروج عن استعمال العرب، ولا يفخم لامه إذا كان ما قبله مكسورا للثقل.
(الرحمن) أي الذي يرحم كافة الخلق بايصال الرزق والنفع إليهم في الدنيا، من الرحمة، وهي في الأصل التعطف، واستعملت للأنعام مجازا هنا، وقال ابن الحاجب: «الرحمن مجاز لا حقيقة له» «4».
(الرحيم) [1] أي الذي يرحم المؤمنين خاصة يوم القيامة بترك عقوبة من يستحقها وإيصال الثواب لهم في الجنة، وإنما ترك رعابة الترقي من الأدنى إلى الأعلى تعظيما لله تعالى بالوصف الأبلغ وتتميما بالوصف الألطف.
صفحہ 23
والفرق بينهما أن الرحمن عام معنى وخاص لفظا، لا يطلق على غيره تعالى، والرحيم خاص معنى وعام لفظا، يطلق على غيره ويسمى به.
[سورة الفاتحة (1): آية 2]
الحمد لله رب العالمين (2)
(الحمد) أي جميع المحامد والأثنية (لله) معبود الخلق بالحق عينية كانت أو عرضية، فاللام فيه للاستغراق عند أهل السنة، والحملة مبتدأ وخبر، محلها نصب، مفعول أمر مقدر من القول لتعليم عباده «1» كيف يحمدونه؟
تقديره: قولوا «الحمد لله»، ولذا لم يقل «الحمد لي»، وفيه معنى الشكور والمدح، لكن الحمد أعم من الشكر، لأن الحمد يقال في مقابلة النعمة وغيرها، والشكر لا يقال إلا في مقابلة النعمة، وهو بالقلب واللسان والجوارح، والحمد باللسان وحده، قيل: «الحمد رأس الشكر» «2»، لأن عمل اللسان أوضح دلالة على الثناء بخلاف عمل القلب لخفائه، وبخلاف عمل الجوارح لاحتمال فيه، والمدح أعم من الحمد لاقتضاء الحمد صدق الحامد في المحمود، والمدح لا يقتضي صدق المادح في الممدوح، فكل حمد مدح، وليس كل مدح حمد.
(رب العالمين) [2] أي مربي جميع الخلق ومالكهم، وال «رب» مصدر بمعنى الفاعل، يستعمل للسيد، إذا دخل فيه لام التعريف اختص بالله، وإضافته تعم، يقال: رب العرش ورب الدار، وكذا تنكيره، والعالم كالخاتم اسم ما سوى الله من الجواهر والأعراض، وإنما سمي به لأنه يعلم به الخالق القديم، وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه، وجمع بجمع العقلاء تغليبا لهم على غير العقلاء، لأن كل شيء دال على وحدانية الله، فكأنه عالم يتعلم منه ذلك ويستدل.
[سورة الفاتحة (1): آية 3]
الرحمن الرحيم (3)
(الرحمن الرحيم) [3] صفة بعد صفة، كررهما لتأكيد رحمته على خلقه وبيان سبقها على غضبه.
[سورة الفاتحة (1): آية 4]
مالك يوم الدين (4)
(مالك يوم الدين) [4] صفة أخرى لبيان جبورته واختصاص الحكم به ثمه، أي حاكم يوم الحساب والجزاء، يعني لا ينازعه أحد في ملكه وحكمه كالمتنازعين في الملك والحكم في الدنيا، وقريء «ملك» «3» بمعنى المالك، قيل: الملك من الملك بالضم عام من جهة المعنى، وفيه معنى التسلط، والمالك من الملك بالكسر خاص «4»، وفيه معنى الاستحقاق، فكل مالك ملك وليس كل ملك مالكا - وإضافة اسم الفاعل إلى الظرف اتساع، وهو جعل المفعول فيه بمنزلة المفعول به، كقولهم: يا سارق الليل، والمعنى على الظرفية، أي مالك الأمر كله في يوم الدين، وهي إضافة حقيقية بمعنى الاستمرار، فجاز وقوعه صفة للمعرفة، وخص ذكر «يوم الدين» مع أنه مالك يومه وغيره ليدل على أنه لا مالك لأحد في ذلك اليوم، والمراد منه الوقت المطلق من النهار والليل، وهو يوم اللغوي لا يوم العرفي وهو مدة من طلوع الشمس إلى غروبها ولا الشرعي وهو من طلوع الفجر الثاني إلى غروبها، إذ لا شمس يوم الدين.
[سورة الفاتحة (1): آية 5]
إياك نعبد وإياك نستعين (5)
(إياك نعبد) أي نخصك بالتوحيد والعبادة، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب ليكون تفرقة بين حالتي
صفحہ 24
الحامد، وهما المدح للغائب بسبب استحقاقه كل الحمد، والحكاية عن نفسه ببيان أحواله على وجه التذلل والخضوع بين يدي الغائب بالخطاب إليه مبالغة في استحصال مقصوده منه.
(وإياك نستعين) [5] أي ونخصك بطلب المعونة منك على جميع أمورنا، وتكرير «إياك» لنفي احتمال، ونستعين بغيرك، وقدمت العبادة على الاستعانة، لأن الوسيلة تقدم على الطلب، وإنما قرنت بها جمعا بين ما يتقرب به إلى الله وبين ما يطلب للحاجة.
[سورة الفاتحة (1): آية 6]
اهدنا الصراط المستقيم (6)
قوله (اهدنا الصراط المستقيم) [6] استئناف، كأنه قيل: كيف أعينكم، فقالوا: اهدنا، أي ثبتنا على صراطك الموصل إلى المطلوب، وهو الطريق الواضح الذي لا عوج فيه، وهو الإسلام أو القرآن وما فيه من الأدب والأحكام، وقيل: «أمتنا على الهداية» «1»، لأنهم كانوا مهتدين.
[سورة الفاتحة (1): آية 7]
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين (7)
وتبدل من الصراط (صراط الذين أنعمت عليهم) أي طريق أحبائك الذين اصطفيتهم بالإيمان ومننت عليهم بعبادتك على «2» الاستقامة والمشاهدة، وهي العبارة عن الإحسان في الحديث «3» وهم الأنبياء والأولياء.
قرئ في ال «صراط» «4» بالسين وبالصاد الخالصة وباشمام الصاد الزاي.
(غير المغضوب عليهم) مجرور بكونه نعتا ل «الذين أنعمت» أو بدل منه وإنما جاز الوصف به هنا، لأن المضاف إليه ضد المنعم عليهم، فلم يبق في «غير» إبهام يأبى عن ذلك، أي صراط غير الذين غضب عليهم باللعنة والخذلان، فتركوا الإسلام، وغضب «5» الله إرادة الانتقام من العصاة والكفار، وهم اليهود لقوله تعالى «من لعنه الله وغضب عليه» «6»، قيل: «عليهم» بعد «أنعمت» مفعوله، وبعد «المغضوب» فاعله - «7»
(ولا الضالين) [7] أي وصراط غير الذين ضلوا عن طريق الهدى بمتابعة الهوى، وهم النصارى لقوله تعالى «ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا «8»» «9»، قيل: «لا» فيه بمعنى الغير أو في «غير» معنى النفي، فلذا جاز العطف مع «لا» مع انتفاء شرطه هنا، وهو أن يكون في المعطوف عليه لا مثلها - «10»
قوله (آمين) بالمد والقصر مع التخفيف «11»، اسم فعل مبني على الفتح، لأنه صوت بمعنى استجب «12» أو افعل يا رب مرويا عن النبي عليه السلام «13»، وروي أيضا أنه قال: «لقنني جبريل آمين عند فراغي من قراءة فاتحة الكتاب» وقال: «إنه كالختم على الكتاب» «14»، أي كالطابع على الصحيفة يمنع من اطلاع أحد على ما فيه،
صفحہ 25
وهو ليس من الفاتحة ولا من القرآن، لأنه لم يكتب في مصحف الإمام «1»، ولم ينقل أحد من السلف أنه قرآن، ومن اعتقد بذلك فقد أخطأ وارتد بافتاء الخلف، ولذا يقرأ مفصولا عن الفاتحة، ونقل عن أبي حنيفة رحمه الله ومن تابعه أنه يخفى بعد قراءة الفاتحة، وعن الشافعي رحمه الله وأصحابه أنه يجهر به الإمام والمأموم لما روي عن وائل بن حجر: أن النبي عليه السلام كان إذا قرأ «ولا الضالين» قال آمين ورفع صوته بها «2»، فقراءته بعد الفاتحة سنة بالإجماع للخبر، وروي حذيفة بن اليمان أن النبي عليه السلام قال: «إن القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتما مقضيا، فيقرأ صبي من صبيانهم في الكتاب «الحمد لله رب العالمين» فيسمعه الله تعالى فيرفع عنهم بذلك العذاب أربعين سنة» «3».
صفحہ 26
سورة البقرة
مدنية، قيل يجوز أن يقال: «قرأت البقرة وسورة البقرة» لورود العبارتين في الأحاديث «1»، وقيل: إطلاق البقرة إذا ضم إليها ما لم يشكل به كالإنزال والقراءة دون المس والنظر «2».
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة البقرة (2): آية 1]
بسم الله الرحمن الرحيم
الم (1)
(الم) [1] قيل: هو سر بين الله ورسوله لا يعلم إلا بنور النبوة «3»، وقيل: من المكتوم الذي لا يفسر وفائدته الإيمان به «4»، وقيل: إنه قسم، أقسم الله به أن القرآن هو الكتاب الذي أنزل من عنده على محمد رسوله بجبرائيل «5»، يعني ليس من تلقاء نفسه، وقيل: كل حرف من الحروف المقطعة في أوائل السور مفتاح اسم من أسمائه الحسنى، فمعنى «الم» الله اللطيف المجيد أنزل عليك الكتاب الموعود في التورية والإنجيل «6».
وهي آية عند الكوفية بالعلم التوقيفي، وكذا سائر الفواتح خلافا للبصرية، وهي أسماء حقيقة، حروف مجازا، لأنه حكي عن الخليل أنه قال لأصحابه: كيف تلفظون بالكاف في لك «7» والباء في ضرب؟ فقالوا:
كاف، با، فقال: قلتم بالاسم لا بالحرف، وأنا أقول كه، به «8»، فدل ذلك على اسميتها، وإنما لم تعرب لعدم العامل فيها، ولا محل من الإعراب عند من لم يجعلها أسماء للسورة كالجملة المبتدأة، وعند غيره يجوز الرفع إما على الابتداء أو على الخبرية، والنصب على حذف حرف الجر وإعمال فعل القسم فيها، والجر لصحة القسم بها باضمار حرف الجر، وتقديره فيها كما قيل في قولهم الله لأفعلن بالنصب والجر على اللغتين «9»، وسكونها وقف وليس ببناء، وإلا لكان ككيف وأين، كأنه قال: أقسم بهذه السورة «10».
[سورة البقرة (2): آية 2]
ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين (2)
(ذلك) أي هذا (الكتاب) أي الكامل الذي وعدته بانزاله، وانما أشار بذلك إلى ما ليس ببعيد، لإن الكتاب من حيث كونه موعودا، قيل: يجوز أن يكون «الم» مبتدأ عند من جعله اسما و«ذلك» «11» مبتدأ ثانيا، و«الكتاب» خبره، والجملة خبر المبتدا الأول وأن يكون «الم» خبر «12» مبتدأ محذوف، أي هذه الم، و«ذلك» «13» خبرا ثانيا، و«الكتاب» صفته، وأن يكون «الم» جملة بمعنى هذه الم ويكون «14» «ذلك» مبتدأ،
صفحہ 27
خبره «الكتاب»، وهو صفته والخبر (لا ريب فيه) أي لا شك في «1» أنه من عند الله، وهو خبر في معنى النهي «2»، أي لا ترتابوا أو لا شك عند أهل العقل والإيمان به، والشك: هو التردد بين النقيضين لا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشاك، لم يقدم الظرف على الريب لئلا يذهب الفهم إلى أن كتابا آخر فيه الريب لا فيه.
قوله (هدى) خبر مبتدأ محذوف، أي هو هدي، أي رشد وبيان، والمراد ما يهتدى به أو متبدأ خبره محذوف، أي فيه هدى أو حال من «الكتاب»، والعامل فيها ما في اسم الإشارة من معنى الفعل، يعني أشير أو أنبه إليه هاديا (للمتقين) [2] أي للضالين الصائرين إلى التقي بعد الضلال، فاختصر الكلام اعتبارا للتسمية بما يؤول إليه، ولو قال للضالين لدخل فيهم الفريق الباقون على الضلالة وهم المطبوع على قلوبهم، وليس الكتاب هدى لهم، وقيل: خص المتقون بالذكر لأنهم هم المنتفعون بالهدى «3»، والتقوى: صيانة النفس عما تستحق به العقوبة من فعل أو ترك، قيل: لا يدخل في التقوى اجتناب الصغائر إذا تاب عن الكبائر، لأنها مكفرة عن مجتنب الكبائر «4»، وقيل يدخل فيه لقوله عليه السلام: «لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس» «5».
[سورة البقرة (2): آية 3]
الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3)
ثم وصف المتقين على طريق الكشف والبيان بقوله (الذين يؤمنون بالغيب) أي يصدقون في حال الغيبة بخبر البعث والجنة والنار وغير ذلك من أخبار النبي عليه السلام، فيكون «الغيب» مصدرا، والباء متعلقا بمحذوف، محله نصب على الحال، أي يؤمنون ملتبسين بالخفاء والغيبة كالتباسهم بالحضور لا كالمنافقين، وقيل: الغيب فيعل «6»، خفف كالميت، وهو الخفي عن العيون، لا يعلمه ابتداء إلا اللطيف الخبير، وقيل: الغيب بمعنى الغائب «7»، والباء صلة الإيمان، وهو الله أو القرآن، يعني يقرون بأن الله إله واحد لا شريك له أو بأن القرآن حق نازل من عند الله، والإيمان التصديق بالقلب لغة، وفي الشرع هو الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان على ما هو الحق، والتصديق بالعمل وهو المنقول من السلف، والإسلام هو الخضوع والانقياد بما أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم، فكل إيمان إسلام دون العكس، قيل: من شهد وعمل ولم يعتقد فهو منافق، ومن شهد ولم يعمل واعتقد فهو فاسق، ومن أخل بالشهادة فهو كافر «8».
(ويقيمون الصلاة) أي يؤتونها «9» بحقوقها، من أقام الأمر إذا أتي به مع إعطاء حقوقه، والصلوة بمعنى الدعاء لغة، وفي الشرع: أفعال مخصوصة كالطهارة وستر العورة واستقبال القبلة ورعاية الوقت، وأركان معلومة كتكبيرة الافتتاح والقيام والقراءة والركوع والسجود والقعدة الأخيرة «10» وغير ذلك مع «11» النية، والمراد الصلوات الخمس أو أعم منها، قيل: إن العبد إذا صلى صلوة تقبل منه خلق الله منها ملكا يقوم ويصلي لله تعالى إلى يوم القيامة وثوابه لصاحب الصلوة «12»، والمراد من إقامتها تعديل أركانها وحفظها من أن يقع زيغ في فرائضها وسننها وآدابها.
(ومما رزقناهم) أي مما أعطيناهم من الرزق، وهو اسم ما ينتفع به ذو حيوة من الخلق، وإسناده إلى نفسه تعالى إيذان بأن يكون حلالا صرفا، وأدخل فيه «من» للتبعيض دفعا للإسراف والتبذير المنهي عنهما
صفحہ 28
(ينفقون) [3] أي يخرجون عن أيديهم في سبيل الله، والإنفاق: هو الإخراج عن اليد، وهو يتناول صدقة الفريضة والتطوع، قيل: نزلت هذه الآيات فيمن آمن من العرب - «1»
[سورة البقرة (2): آية 4]
والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون (4)
ونزل فيمن آمن من أهل الكتاب اليهود والنصارى «2» (والذين يؤمنون بما أنزل إليك) أي بالقرآن كله، وفيه تغليب للموجود على ما لم يوجد بعد من الآيات (وما أنزل من قبلك) أي ويؤمنون بالذي أنزل قبلك من التورية والإنجيل وسائر الكتب المنزلة على الأنبياء (وبالآخرة هم يوقنون) [4] أي وبالدار الآخرة من دار الدنيا، هم يعلمون بغير شك، فلا يغفلون عنها ولا يعملون بما يعاتبون أو يعاقبون عليه، وفي تقديم الآخرة وبناء «يوقنون» على «هم» تعريض لليهود والنصارى حيث قالوا: «لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى»، وقالوا: «لن تمسنا النار إلا أياما معدودات»، فانهم أثبتوا أمر الآخرة على خلاف حقيقته، لأن قولهم ليس بصادر عن إيقان، فدل التقديم على التخصيص بأن إيقان من آمن بما أنزل إليك وبما أنزل من قبلك مقصور على الآخرة الحقيقية لا يتجاوز إلى ما أثبته الكفار بالإقرار من أهل الكتاب، والإيقان علم بلا شك بعد أن لم يكن، ولذا لا يطلق على علم الله يقين.
[سورة البقرة (2): آية 5]
أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون (5)
(أولئك) أي أهل هذه الصفة (على هدى) أي على بصيرة ورشد (من ربهم) في الدنيا، يعني بين لهم طريق الفلاح قبل الموت (وأولئك هم المفلحون) [5] أي الفائزون بالجنة والناجون من النار يوم القيامة، وتكرير «أولئك» للدلالة على أن كل واحد من الحكمين مستبد في تميزهم به عن غيرهم، فكيف بهما، وتوسط العطف بينهما تنبيه على تغايرهما في الحقيقة، وفائدة الفصل بين المبتدأ والخبر الدلالة على أن ما بعده خبر لا صفة، وأن المسند ثابت للمسند إليه دون غيره.
[سورة البقرة (2): آية 6]
إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (6)
ثم ابتدأ بقصة الكفار بعد قصة المؤمنين بترك العطف للتباين الكلي بينهما فقال (إن الذين كفروا) أي ستروا الحق وجحدوه وهو القرآن ونبوة محمد عليه السلام (سواء عليهم) أي مستو لديهم (أأنذرتهم أم لم تنذرهم) أي الإنذار وعدم الإنذار، والهمزة فيه لمجرد الاستواء لا للاستفهام، وهذا المعنى صير الفعل في تقدير الاسم، فوقع مبتدأ و «سواء» خبره مقدما عليه، والجملة خبر «إن»، قرئ «3» بهمزتين محققتين وبتسهيل الثانية فقط، وبتسهيلهما مع إدخال ألف بينهما وبابدالها ألفا، المعنى: خوفتهم أم لم تخوفهم (لا يؤمنون) [6] جملة مؤكدة لخبر «إن»، أي لا يصدقون بك وبما جئت به من القرآن، قيل: «هم المصرون على الكفر مثل كعب بن الأشرف وحي بن أخطب وأبي ياسر بن أخطب من رؤساء اليهود» «4»، وقيل: هم مشركو العرب «5»، فعلى هذا عام مخصوص باسلام من أسلم ومن لم يسلم إلى انتهاء الدنيا.
صفحہ 29
[سورة البقرة (2): آية 7]
ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم (7)
(ختم الله) أي طبع الله بضرب الخاتم (على قلوبهم) وقفلها بخذلانه «1» لئلا ينفذ الحق فيها من قبل إعراضهم عنه في الظاهر واستكبارهم عن قبوله مجازاة لكفرهم، والقلب: قطعة لحم مشكل بالشكل الصنوبري معلق بالوتين مقلوبا، وإسناد الختم إلى الله للتنبيه على أن إباءهم عن قبول الحق كالشيء الخلقي غير العرضي (وعلى سمعهم) أي على مواضع سمعهم، فهم لا يسمعون الحق ولا ينتفعون به، وإنما وحد السمع مع أنه مضاف إلى ضمير الجمع لأنه مصدر أو لأمن اللبس كما في قوله كلوا في بعض بطنكم «2»، أي بطونكم، إذ البطن لا يشترك فيه، وكرر «على» للدلالة على شددة الختم في الموضعين (وعلى أبصارهم غشاوة) برفع التاء مبتدأ وخبر، والبصر: نور العين، يبصر به الشيئ «3»، أي استقر على أبصارهم غطاء أي غطاء، يعني غير ما يتعارفه الناس وهو غطاء التعامى عن آيات الله تعالى، فلا يبصرون الهدى بالنظر والاستدلال (ولهم عذاب عظيم) [7] أي لهم من بين الآلام نوع عظيم دائم في الآخرة، لا يعلم كنهه إلا الله، وال «عذاب»: هو العقاب الذي يرتدع به الجاني عن العود إلى الجناية، وال «عظيم»: ضد الحقير كما أن الكبير ضد الصغير، ويستعملان في الجواهر والأعراض.
[سورة البقرة (2): الآيات 8 الى 9]
ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين (8) يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون (9)
قوله (ومن الناس) إلى ثلاث عشرة آية، عطف على قصة الكافرين، نزل: في شأن المنافقين من اليهود كعبد الله بن سلول وأصحابه «4»، فانهم يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام ليسلموا من المؤمنين، ف «من» للتبعيض، أي منهم (من يقول) أي ناس يقرون «5» باللسان (آمنا) أي صدقنا (بالله وباليوم الآخر) أي الوقت الدائم الذي هو آخر الأوقات المنقضية، والمراد به البعث، واختص الإيمان بالله واليوم الآخر بالذكر لأنهم أوهموا فيه أنهم أحاطوا الإيمان بأوله وآخره، أي المبدأ والمعاد، فوجب أن يكون مؤمنين جزما بالإيمانين، ولذلك كرروا الباء في دعويهم على وجه الصحة والاستحكام، والواو للحال في (وما هم) أي ليسوا (بمؤمنين) [8] أي بمصدقين بالله لقولهم: عزير بن الله، ولا بمصدقين «6» بالبعث، لأنهم اعتقدوا «7» على خلاف صفته لقولهم: إن الآخرة لا أكل فيها ولا شرب ولا نكاح ونعيمها ينقطع، وفي الحكم عليهم بأنهم ليسوا بمؤمنين نفى ما ادعوه على سبيل البت والقطع، لأنه نفى أصل الإيمان منهم بادخال الباء في خبرها، ولذا لم يقل: وما هم من المؤمنين، فان الأول أبلغ من الثاني، و«من» موصوفة إن كانت اللام في الناس للجنس، وموصولة إن كانت للعهد، لأن الكافر عام شامل للفريقين المصرين في الكفر وغير المصرين، ثم خص بقوله «ختم الله»، وخص هنا بقرينة أخرى بالمنافقين، وهي توحد وتجمع نظرا إلى اللفظ والمعنى، فلذا قال: «يقول وما هم»، والباء زائدة لتأكيد النفي كما في خبر ليس، المعنى: أن بعض الناس يدعون الإيمان وهم كاذبون في دعويهم ذلك، وبين ذلك بقوله (يخادعون الله) أي يخالفون الله أو نبي الله، وذكر الله تحسين (والذين آمنوا) أي يخالفون «8» المخلصين في إيمانهم باظهار الإيمان باللسان وستر الكفر في القلب، وأصل الخدع الستر، ولذا يقال للمخزن مخدع، والمفاعلة هنا من واحد، وإنما عدل إليها «9» لقوة الداعي إلى نفس الفعل كعاقبت اللص (وما يخدعون) بالألف المفاعلة من
صفحہ 30
واحد وبغير الألف «1»، أي وما يضرون بالخداع (إلا أنفسهم) لأن وباله راجع إليهم لافتضاحهم في الدنيا بنزول القرآن لإظهار نفاقهم وبمعاقبتهم في الآخرة (وما يشعرون [9]) أي ولا يعلمون أن وبال الخداع يرجع إليهم.
[سورة البقرة (2): آية 10]
في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون (10)
(في قلوبهم مرض) أي شك وشر مضمر وهو يمرض ويوهن أفئدتهم وهنا يؤدي إلى هلاكهم، لأن النفاق يهلك صاحبه (فزادهم الله مرضا) بامالة الزاء وبغيرها «2»، أي أمدهم الله بمرض آخر على مرضهم، لأن كل آية نزلت عليهم كفروا بها وازدادوا شكا ونفاقا، وهذا معنى الخبر، ويحمل أن يكون دعاء على وجه التعليم منه تعالى لجواز الدعاء على المصرين على الكفر والنفاق، لأنهم أهل الذم والطرد إلى الدرك الأسفل (ولهم عذاب أليم) أي وجيع يصل ألمه إلى قلوبهم (بما كانوا يكذبون) [10] بتخفيف الذال وبشديده «3»، أي بكذبهم في قلوبهم آمنا أو بتكذيبهم محمدا ونسبتهم إلى الكذب إياه في دعوى النبوة والإخبار بالقرآن.
[سورة البقرة (2): آية 11]
وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون (11)
(وإذا قيل لهم) حكاية حال المكذبين، قرئ «4» بضم القاف وبكسرها فيه وفي أمثاله في القرآن كغيض وحيل وسيق، أي قال المؤمنون للمنافقين: (لا تفسدوا في الأرض) أي لا تسعوا فيها بالفساد، وهو خروج الشيء عن الاعتدال والانتفاع، ونقيضه الصلاح، يعني لا تعملوا المعاصي باضمار النفاق وصد الناس عن الإيمان، وإسناد «قيل» إلى «لا تفسدوا» إسناد إلى لفظه على تأويل، وإذا قيل لهم هذا القول (قالوا) كذبا منهم (إنما نحن مصلحون) [11] أي نحن لا نفسد والصلاح خالص لنا.
[سورة البقرة (2): آية 12]
ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون (12)
(ألا إنهم هم المفسدون) في الأرض بانكار الحق وصد الناس عن دين محمد عليه السلام، و«ألا» كلمة تنبيه للمؤمنين على نفاقهم، وتكرير «هم» لتأكيد ثبوت الفساد فيهم (ولكن لا يشعرون [12]) أنهم أصحاب الفساد أو أنهم يعذبون غدا بنفاقهم، وذكر الشعور بازاء الفساد أوفق، لأنه كالمحسوس عادة.
[سورة البقرة (2): آية 13]
وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون (13)
(وإذا قيل لهم) أي لهؤلاء المنافقين، وهم اليهود المؤمنون بلسانهم (آمنوا كما آمن الناس) أي كعبد الله بن سلام وأصحابه أو المراد جميع المؤمنين، لأن الناس هم في الحقيقة والباقي كالبهائم لعدم تمييزهم الإيمان عن الكفر (قالوا) أي المنافقون بالإنكار (أنؤمن كما آمن السفهاء) أي الجهال الخفيف العقول، قال تعالى (ألا إنهم هم السفهاء) أي الجهال الخرقي، لا غير بتركهم التصديق في السر الموجب للسعادة الأبدية (ولكن لا يعلمون) [13] أنهم الجهال، وذكر العلم في مقالة السفه أنسب طباقا، لأنه في معنى الجهل.
[سورة البقرة (2): الآيات 14 الى 15]
وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن (14) الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون (15)
صفحہ 31
ونزل في شأن المنافقين والمؤمنين «1» (وإذا لقوا) أي استقبلوا (الذين آمنوا) بالحق (قالوا) كذبا (آمنا) كايمانكم في حدوثه ظاهرا (وإذا خلوا) أي مضوا (إلى شياطينهم) أي أصحابهم من المشركين والمنافقين، من شطن إذا بعد لبعده من رحمة الله (قالوا إنا معكم) أي على دينكم وثباته (إنما نحن مستهزؤن) [14] أي ساخرون بمحمد وأصحابه، والاستهزاء: التجهيل والسخرية، يعني نحن نسخر بهم باظهارنا الإيمان، وهو تأكيد لقولهم «إنا معكم»، فرد الله عليهم مستأنفا بقوله (الله يستهزئ بهم) أي يجازيهم جزاء استهزائهم بتجديده دائما يوم القيامة بأن يعذبهم بالنار، وبأن يفتح لهم بابا من الجنة وهم في جهنم، فيساقون منها إلى ذلك الباب، فاذا وصلوا إليه سد الباب عنهم وردوا إلى جهنم والمؤمنون على الأرائك في الجنة ينظرون إليهم ويضحكون، ويفعل بهم ذلك مرة بعد مرة (ويمدهم) أي ويزيدهم بالإمهال، فهو من المدد لا من المد في العمر لقراءة البعض «ويمدهم» من الإمداد (في طغيانهم) أي في تجاوزهم الحد في الكفر والضلالة (يعمهون) [15] حال، أي يتحيرون ويترددون في ضلالتهم عقوبة لهم في الدنيا.
[سورة البقرة (2): آية 16]
أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين (16)
(أولئك الذين اشتروا) أي اختاروا «2» (الضلالة) أي الكفر والعدول عن الحق (بالهدى) أي بدل الإيمان «3» والسلوك في الطريق المستقيم، جعل الهدى كأنه في أيديهم لتمكنهم منه، وهو الاستعداد به فبميلهم إلى الضلالة، عطلوه وتركوه، والباء تصحب المتروك في باب المعارضة، ومنها الاشتراء «4» (فما ربحت تجارتهم) أي إذا اشتروا به ذلك فما ربحوا في تجارتهم، والربح: الزيادة على رأس المال، وهو صنعة التاجر، وإنما أسند إلى التجارة بالمجاز المرشح لاشتراء الضلالة بالهدى المستعمل في الاختيار «5» على وجه التشبيه بجامع الاستبدال «6» لتتميم الكلام وتزيينه (وما كانوا مهتدين) [16] أي مصيبين في تجارتهم لعدم علمهم بطرقها أو وما كانوا ناجين من الضلالة.
[سورة البقرة (2): آية 17]
مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون (17)
ثم عقب صفة المنافقين بضرب المثل من أوجه ثلاثة تتميما للبيان، لأن المثل يصير الغائب كالمحسوس فقال مبتدأ بالوجه الأول (مثلهم) أي شبههم في إيمانهم، وهو قول سائر في عرف القرم، يعرف به معنى شيء «7» فيه غرابة (كمثل الذي) أي الذين من باب وضع واحد الموصول موضع الجمع منه تخفيفا لكونه مستطالا بصلته كقوله «وخضتم كالذي خاضوا» «8»، والقرينة ما قبله وما بعده، أي كشبه من (استوقد) أي أوقد في مفازة في ليلة مظلمة (نارا) عظيمة خوفا من السباع وغيرها، وهي جوهر لطيف محرق، والنور ضوءها وضوء كل نير (فلما أضاءت) أي أنارت (ما حوله) مفعول «أضاءت»، أي ما حول المستوقد من الأماكن والأشياء، و «حول» نصب على الظرف، وأصله الدوران (ذهب الله بنورهم) أي أزال نورهم بالكلية، وذكر ال «نور» أبلغ من ذكر الضوء، لأن فيه دلالة على الزيادة، ولا يلزم من ذهابها ذهاب النور رأسا، وهو جواب «لما» «9» أو جوابه محذوف، أي طفئت ناره، و «ذهب» كلام مستأنف، كأنه قيل: ما حولكم، فقال أخذ الله نورهم (وتركهم في ظلمات لا يبصرون) [17] أي طرحهم في ظلمة متزائدة، يتكاثف بعضها فوق بعض، لا يبصرون ما حولهم، والظلمة عدم النور فيما شأنه أن يستنير، ومعنى ذلك: أن المنافقين تكلموا بكلمة الشهادة مراءة
صفحہ 32
للمؤمنين، فأمنوا بها على أنفسهم «1» وعيالهم ومالهم، ومشوا في ضوءها حتى إذا بلغوا إلى آخر العمر، كل لسانهم عنها وبقوا في ظلمة كفرهم أبد الأبد، وقيل: نزلت الآية في شأن المشركين الذين تمكنوا في حوالي المدينة «2»، فانهم إذا حاربوا أعداءهم كانوا يستنصورن باسم محمد قبل بعثته مقرين بنبوته، ويقولون بحق نبيك محمد أن تنصرنا، فلما بعث النبي عليه السلام وقدم المدينة حسدوه وكذبوه فخمدت نارهم وبقوا في ظلمات الكفر.
[سورة البقرة (2): آية 18]
صم بكم عمي فهم لا يرجعون (18)
ثم استأنف بالوجه الثاني بقوله (صم) أي هم متصامون عن سماع الحق وقبوله (بكم) أي خرس عن قول الحق بالإخلاص (عمي) أي فاقدوا الأبصار عن النظر الموصل إلى العبرة التي تؤديهم إلى الهدى، يعني أن الله خلق هذه المشاعر الثلاثة: السمع واللسان والبصر لينتفعوا بها، فاذا لم ينتفعوا مع سلامتها بها جعلوا كأنما انعدمت مشاعرهم (فهم لا يرجعون) [18] عن ضلالتهم إلى الهدى.
[سورة البقرة (2): آية 19]
أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين (19)
ثم ذكر الوجه الثالث الذي هو أغلظ من الأولين بادخال «أو» للتخيير فيه بقوله (أو كصيب) أي إن شئت شبههم بالمستوقد أو بأصحاب الصيب وهو ما نزل من علو إلى سفل، والمراد المطر، ويقال للسحاب صيب أيضا، وهو معطوف على خبر المبتدأ، أعني كمثل، تقديره: أو مثلهم كمثل أصحاب صيب ينزل (من السماء) أي من السحاب، وفائدة ذكر «من السماء» إيذان بأن السحاب من السحاب يأخذ ماءه، لا كزعم من قال إنه يأخذه من البحر «3» (فيه) أي في الصيب أو في السحاب (ظلمات) رفعه بالظرف على الاتفاق لاعتماده على موصوف، جمع ظلمة، أقله ثلاثة، فحملت على ثلاث ظلمات، فان عاد الضمير في «فيه» إلى المطر فظلماته تكاثفه وتتابعه والأخرى ظل الغمام كأنه في المطر باعتبار المجاورة، وإن عاد إلى السحاب فظلماته سواده وظلمة تطبيقه والأخرى ظلمة الليل بانضمامها إليهما، والجملة من «فيه ظلمات» في محل الجر صفة ل «صيب» (ورعد) أي وفيه صوت قاصف يسمع من السحاب (وبرق) أي نار خاطفة تخرج من السحاب، وقيل:
الرعد ملك يسوق السحاب، والبرق لمعان يظهر من سوط الملك من النار يزجر به السحاب ليمطر «4» وهو من الصواعق، ولم يجمع الرعد والبرق كظلمات، لأنه روعي أصلهما «5» وهو المصدر، وإن أريد منهما العينيان، والضمير الفاعل «6» يرجع إلى أصحاب الصيب مع كونه مضافا محذوفا، أقيم مقامه الصيب في قوله (يجعلون أصابعهم) أي الأنامل منها، وفي ذكر ال «أصابع» من المبالغة ما ليس في ذكر الأنامل، وهي أنهم يدخلون من شدة الحيرة أصابعهم كله (في آذانهم من الصواعق) أي من أجل خوفهم «7»، جمع صاعقة، وهي قطعة نار مهلكة، ينزلها الله تعالى على ما «8» يشاء لتحرقه، من الصعق، وهو الإهلاك «9»، قيل: كل عذاب مهلك صاعقة «10»، روي كان النبي عليه السلام يقول إذا سمع الرعد وصواعقه: «اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك» «11»، المعنى: أنهم يدخلون الأنامل في آذانهم إدخالا شديدا للاحتراز عن سمع الصواعق (حذر الموت) مفعول له، أي لأجل مخافة الهلاك، والموت عبارة عن فساد البنية من الحيوان (والله
صفحہ 33
محيط) أي محدق بالعلم والقدرة (بالكافرين [19]) أي بأعمالهم الخبيثة، لا يفوت أحد منهم وقت التعذيب ثمه، والإحاطة: إدراك الشيء من جميع جوانبه.
[سورة البقرة (2): آية 20]
يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير (20)
ثم استأنف ببنان تهويل حال البرق، كأنه قيل: كيف ما لهم مع البرق، فقال (يكاد) أي يقرب (البرق يخطف) أي يسلب سرعة (أبصارهم) أي نورها «1» من شدة ضوء البرق، وجملة «يخطف» في محل نصب خبر «يكاد»، وشرط خبر كاد أن يكون فعلا مضارعا بلا أن للاستقبال، لأنه موضوع لمقاربة وقوع الفعل المتأول باسم الفاعل، ولذا لم يقل: أن يخطف (كلما أضاء) أي أنار البرق الطريق في الليلة المظلمة (لهم مشوا) أي ساروا (فيه) أي في ضوءه (وإذا أظلم) أي ذهب ضوءه فصار الطريق مظلما (عليهم قاموا) أي وقفوا متحيرين في مكانهم، قيل: استعمل «كلما» مع الإضاءة و «إذا» مع الإظلام، لأن تكرير الفعل منهم في الإضاءة مطلوب، وفي الإظلام ليس بمطلوب لهم «2»، المعنى: أن المنافقين شبهوا في نفاقهم وضلالتهم عن الهدى بمن كان في ليلة مظلمة في مفازة، فنزل مطر من السماء، وفيه ظلمات ورعد وبرق، لا يمكن المشي فيها، ويجعل أصابعه في أذانه من هول الرعد، ويختلس البرق ببصره من شدة ضوءه، فكلما أضاء الطريق عند ذلك يمشي فيه، وإذا أظلم عليه بقي متحيرا في مكانه، لأن المنافقين إذا تكلموا بكلمة الشهادة ليستأنسوا المؤمنين ويمضون معهم آمنين من السيف والسبي مع كتمان الكفر في قلوبهم، وكلما أظهر لهم علامة من علامات نبوة محمد عليه السلام مالوا إليه مدة، وإذا أصاب المسلمين محنة كمحنة يوم أحد ثبتوا على كفرهم وإذا قرئ «3» القرآن عليهم «4» يتصاممون عن استماع آياته المنذرة والمبشرة مخافة أن ينزل عليهم شيء يكشف سرهم ويظهر حالهم أو مخافة ميل القلب إلى الإيمان لكونه عندهم كفرا، فالمطر القرآن، لأنه ينزل من السماء لإصلاح الناس وحيوة قلوبهم كالمطر ينزل من السماء لإصلاح الأرض وحيوة النبات، والظلمات ذكر الشرك والنفاق، وشبهاتهم في القرآن، والرعد هو الوعيد والإنذار للعصاة، والبرق ما ظهر فيه من علامات نبوته والبشارة بالجنة وما فيها من الوعد «5»، والصواعق التكاليف الشاقة والأخبار الداقة فيه، فهذه الأمثال الثلثة للمنافقين الذين كانوا في المدينة لإيضاح الحجة عليهم.
قوله (ولو شاء الله) مفعوله محذوف، أي لو أراد أن يذهب الأسماع التي في الرأس والأبصار التي في العين كما ذهب بسمع قلوبهم وأبصارها (لذهب بسمعهم وأبصارهم) عقوبة لهم، لأنه لا يعجز عن ذلك (إن الله على كل شيء) أي على كل موجود بالإمكان (قدير [20]) أي فاعل له على قدر ما تقتضيه «6» حكمته، لا ناقصا ولا زائدا، وهو صفة مخصوصة به تعالى، ومثله المقتدر، ومعنى القدرة أن يوقع الفاعل الفعل على مقدار قوته وما يتميز عن العاجز، فخرج المستحيل عند ذكر القادر على الأشياء كلها، والشيء يرادف الموجود واجبا أو غيره، ولا يطلق على المعدوم إلا بالتجوز كقوله تعالى «إن زلزلة الساعة شيء عظيم» «7»، لأنه قدر كالموجود لصدق الوعد به.
[سورة البقرة (2): آية 21]
يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون (21)
قوله (يا أيها الناس) الآية مسوق لإثبات التوحيد وتحقيق نبوة محمد عليه السلام اللذين أصل الإيمان، قيل:
صفحہ 34
هو خطاب لأهل مكة، و«يا أيها الذين آمنوا» * خطاب لأهل المدينة حيث جاءا في القرآن «1»، وهو مقرل قول مقدر، أي قل يا كفار مكة (اعبدوا) أي وحدوا أو أطيعوا (ربكم) أي سيدكم ومربيكم بترزيقكم (الذي خلقكم) أي اخترعكم ولم تكونوا شيئا (و) خلق (الذين من قبلكم) من الأمم وفي الوصف به إيماء إلى سبب وجوب عبادته تعالى (لعلكم تتقون) [21] أي لكي يحصل رجاء منكم أن تتقوا عصيانه فتنجوا بسبب التقوى من العقاب، وخص المخاطبون بالذكر تغليبا لهم على الغائبين.
[سورة البقرة (2): آية 22]
الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون (22)
ثم أشار إلى إحسانه إلى عباده ووجوب شكره عليهم بقوله (الذي) أي هو الذي (جعل لكم الأرض فراشا) أي بساطا يستقر عليه للاستراحة والعبادة عليها بعد خلقهم أحياء «2» قادرين الموجب لأداء حق الشكر له (والسماء بناء) أي وجعلها عليكم سقفا مرتفعا كالقبة والظلة على هذا المستقر، قيل: «السماء الدنيا ملتزقة أطرافها على الأرض» «3» (وأنزل من السماء ماء) أي مطرا ينحدر منها على السحاب، ومنه على الأرض ولا يأخذه من البحر وهو رد لزعم من زعم أنه يأخذه من البحر «4» (فأخرج به) أي أنبت بالمطر، والباء للسببية (من الثمرات) أي من أنواعها وألوان النبات، و«من» للبيان (رزقا) أي طعاما وعلفا (لكم) ولدوابكم، وهو مفعول «أخرج»، المعنى: أن الله تعالى أنعم عليكم بذلك كله لتعرفوه بالخالقية والرازقية فتوحدوه (فلا تجعلوا لله أندادا) أي أمثالا تعبدونهم كعبادة الله تعالى، يعني لا تقولوا له شركاء تعبد معه، والند: المثل المخالف، أي في الأفعال والأحكام، وهو نهي من اعتقادهم أن لهم آلهة مثله قادرة على مخالفته، والفاء عطفت «لا تجعلوا» على «اعبدوا»، أي يأمركم بالعبادة، فلا تشركوا به شيئا (وأنتم تعلمون) [22] العقل والتمييز، أنه واحد، لا شريك له في خلق هذه الأشياء الشاهدة بالوحدانية، وإن آلهتكم لا تقدر على نحو ما هو قادر عليه، فحقه أن تعرفوا أنعامه عليكم بها، وتعتبروا بالنظر الصحيح الموصل إلى التوحيد، فتقابلوها بالشكر لا بالشرك.
[سورة البقرة (2): آية 23]
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين (23)
ثم عطف ما يدل على ثبوت المعجزة الدالة على نبوة محمد عليه السلام على ما دل على ثبوت التوحيد فقال (وإن كنتم في ريب) أي في شك (مما نزلنا) أي من الذي نزلناه من القرآن على سبيل التدريج (على عبدنا) أي محمد على السلام بأنه ليس من الله (فأتوا) أي جيؤوا (بسورة من مثله) أي من مثل القرآن، يعني على صفته في البيان الغريب وحسن النظم وعلوه أو من مثل محمد عليه السلام، يعني من بشر يشبهه عربيا أميا لم يقرأ الكتاب ولم يتعلم من أحد، وليس القصد به إلى مثل ونظير له في الوجود «5»، وإنما هو تمثيل - «6»
والسورة: قطعة من القرآن معلومة الأول والآخر، أقلها ثلاث آيات، من أسأرت في الإناء إذا زدت فيه شيئا من ماء أو طعام أو السورة: المنزلة الرفيعة لارتفاع قارئها في الدنيا والآخرة، مأخوذ «7» من سور المدينة لارتفاعه على البناء.
قيل: إذا «8» قرأ الرجل عن ظهر القلب طائفة من كتاب الله لها فاتحة وخاتمة كسورة يعظم عنده ما «9» حفظه،
صفحہ 35
وبه يغتبط «1» عند الناس، ومنه ما روي عن أنس رضي الله عنه: «كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جد فينا» «2» أي عظم في أعيننا، ولذا كانت القراءة في الصلوة أفضل بسورة تامة.
(وادعوا شهداءكم) استعينوا بآلهتكم الحاضرة القائمة أو بناس يشهدون لكم كشعرائكم وعرفائكم (من دون الله) أي من غير أوليائه، ومعنى «دون» أدنى مكان وأخفض من الشىء، ومنه الدون بمعنى الحقير، ويستعمل بمعنى التجاوز، ويستعار لتفاوت الأحوال والتغاير بين الشيئين، ومحل «من دون الله» نصب على الحال، أي متجاوزة من دون الله (إن كنتم صادقين) [23] أن محمدا اختلق القرآن من تلقاء نفسه، وهو شرط، جوابه محذوف، وهو فافعلوا ذلك، يدل عليه قوله (فإن لم تفعلوا) أي فان لم تفعلوا ما أمرتم به فيما مضى لعجزكم عن المعارضة، وجازم الفعل «لم» لقربه وتوغله في الجزم دون إن، وإنما أورد إن التي للشك مع أن عجزكم ظاهر، لأن اتيانهم به قبل التأمل كان كالمشكوك فيه لديهم على فصاحتهم وبلاغتهم، وإنما عبر الاتيان مع ما يتعلق به بالفعل طلبا للاختصار.
[سورة البقرة (2): الآيات 24 الى 25]
فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين (24) وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون (25)
ثم نفى الفعل بالتأكيد بقوله (ولن تفعلوا) في المستقبل، يعني لن تطيقوا عليه أبدا لظهور إعجاز القرآن بينكم، فانه معجزة النبي «3» عليه السلام، و«4» «لن» فيه لتأكيد النفي في المستقبل، والواو للابتداء، ولا محل له من الإعراب لعدم وقوعه موقع المفرد لكونه اعتراضا بين الشرط وجوابه، وهو قوله (فاتقوا) أي احذروا بالتوحيد لعجزكم عن الاتيان بمثله وجحدكم بغير حجة (النار التي وقودها) أي حطبها، وهو ما يوقد به النار (الناس) أي العصاة (والحجارة) أي حجارة الكبريت، والمراد أن أكثر وقودها الناس والحجارة، وقيل: الحجارة أصنامهم التي نحتوها واتخذوها أربابا يعبدونهم من دون الله «5»، وقيل: يكون مع كل إنسان من الكفار حجر معلق في عنقه إذا طفئت به النار رسب به الحجر إلى قعر جهنم «6»، قيل: إنما جعل حطبها من حجارة الكبريت لسرعة وقوعها وبطوء خمودها وشدة حرها ولصوقها بالبدن وقبح رائحتها «7»، وإنما عرفت «النار» هنا ونكرت في سورة التحريم «8»، لأن الآية فيها نزلت بمكة، فعرفوا منها نارا موصوفة بهذه الصفة، ثم نزلت هذه بالمدينة، فأشار بها إلى ما عرفوه أولا (أعدت للكافرين) [24] بالقرآن ومحمد عليه السلام، وهذا لا يدل على اختصاصهم بها، قيل: في هذه الآية دليلان على ثبوت النبوة، أحدهما: كون المتحدى به وهو القرآن معجزا، والثاني:
الإخبار بأنهم لن يفعلوا ذلك وهو غيب لا يعلمه إلا الله «9»، وذلك أن النبي عليه السلام عارضهم باتيان سورة من مثل القرآن، فعجزوا حتى بذلوا أموالهم ودماءهم دون ذلك وكونهم من الفصاحة والبلاغة بحيث لا يخفى لأحد من العقلاء، فظهر أن القرآن معجز في نفسه بنظمه ومعناه، وهم ما عارضوه بشيء، فعلم أنهم ما أتوا بمثله وإلا لتواتر بين الناس لتوفر الدواعي على نقله، وحيث لم ينقل علم عدم اتيانهم به، وكان الإخبار عنه إخبارا بالغيب فيكون معجزة للنبي عليه السلام، فثبت عندهم صدقه، لكنهم لزموا العناد، ولم ينقادوا، فاستوجبوا العقاب بالنار، ولذا قيل لهم «فاتقوا النار»، أي احذروا سخطي، وهذا من باب الكناية التي هي شعبة من شعب البلاغة، ومن عادة الكتاب العزيز أن يذكر الترغيب مع الترهيب، فلذلك قال (وبشر) عطفا
صفحہ 36
على قوله «فاتقوا»، وقيل على «قل» المقدر قبل «يا أيها الناس»، أي فرح يا محمد بخبر البشارة، ويجوز أن يكون المخاطب كل أحد لا واحد بعينه (الذين آمنوا) أي قلوبهم (وعملوا) الأعمال (الصالحات) التي صدرت عنهم لله تعالى على حسب الحال من مواجب التكليف (أن لهم جنات) أي بساتين كثيرة (تجري من تحتها) أي من تحت أشجارها وغرفها (الأنهار) أي المياه التي فيها المعلومة عند المخاطب، ويجوز أن يكون عوضا عن المضاف إليه، أي أنهارها، روي: «أن أنهار الجنة تجري من غير أخدود» «1»، وهو الشق من الأرض بالاستطالة، قيل: أنزه الجنات منظرا ما كانت أشجارها مظللة وأنهارها في خلالها مطردة «2».
(كلما رزقوا) أي متى ما أطعموا (منها) أي من الجنة، «من» فيه لابتداء الغاية (من ثمرة) أي ثمرة بزيادة «من» أو هي للبيان أو للابتداء المقيد بعد المطلق (رزقا) أي طعاما (قالوا هذا الذي رزقنا) أي أطعمناه (من قبل) أي قبل هذه الثمرة، لأن لون الثمار في الجنة مشتبه وطعمه مختلف، فاذا أطعموا ثمرة أول النهار فأكلوا منها، ثم أطعموا ثمرة أخرى في آخر النهار ظنوها الأولى (وأتوا به) أي جيؤا بذلك الرزق (متشابها) في اللون والجودة، فاذا أكلوا وجدوا طعمه غير ذلك أجود وألذ، يعني لا يكون فيها ردي، وهذه الجملة معترضة للتقرير، روي: «أنه ليس في الجنة شيء يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء» «3» (ولهم فيها) أي في الجنة (أزواج) أي نساء وحور (مطهرة) أي مهذبة من كل قذر وعيب، وقيل: من حيض وبول وخلط ونحو ذلك في أبدانهم ومن حسد وحقد ونظر إلى الغير في قلوبه «4»، وفي لفظ «مطهرة» فخامة دون طاهرة، ولم يجمع للاختصار (وهم فيها خالدون) [25] أي دائمون أحياء، لا يموتون ولا يخرجون منها، روي: أن أهل الجنة جرد مرد محكلون لا يفني شبابهم ولا يبلي ثيابهم «5».
[سورة البقرة (2): آية 26]
إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ما ذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين (26)
ثم بين شبهة من شبههم في حق القرآن وجوابها بقوله (إن الله لا يستحيي) أي لا يمتنع بالحياء كاستحياء البشر من (أن يضرب) أي يذكر للحق (مثلا ما) أي شبها حقا، ف «ما» «6» زائدة للتأكيد «7» و(بعوضة) مفعول ثان ل «يضرب»، لأنه في معنى يجعل، وهو البق الصغير، والأول «مثلا»، قيل: نزل حين قالت اليهود ما أراد الله بذكر الأشياء الخسيسة في القرآن كالذباب والعنكبوت والبعوضة «8»، فان ضرب المثل بنحوها مما يستحيي منه ردا عليهم على سبيل المقابلة في قوله «أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات» «9»، يعني أنه لا يستحيي أن يصف للحق وبيانه شبها ما بذكر البعوضة (فما فوقها) أي فبذكر الذي هو أزيد منها كالذباب والعنكبوت أو فما دونها في الصغر، قيل: إنه من الأضداد «10»، وهو دابة يسترها السكون ويظهرها التحرك، يعني لا تلوح «11» للبصر الحاد إلا بتحركها، قيل: سر ذكر المثل بالبعوضة تعريض للإنسان، لأنها إذا جاعت عاشت فاذا شبعت ماتت، وكذلك الإنسان إذا استغنى فانه يطغي «12».
قوله (فأما) الفاء فيه لإظهار التفاوت بين حالتي المؤمنين والكافرين في ضرب المثل، و«أما» حرف، فيه معنى الشرط، وضع لإعطاء فضل توكيد النسبة وتفصيلها بعد ذكر المجمل أو على استئناف الكلام، ويقع
صفحہ 37
الاسم بعده مبتدأ، ويلزم خبره الفاء كقولك أما زيد فذاهب، تريد أنه بصدد الذهاب لا محالة بخلاف زيد ذاهب، ومعناه: مهما يكن من شيء فزيد ذاهب، نص عليه سيبويه في كتابه «1»، أي أما (الذين آمنوا) بالقرآن ومحمد عليه السلام (فيعلمون أنه) أي المثل بالبعوضة والذباب (الحق) أي الثابت الذي لا يسوغ إنكاره (من ربهم) أي كائنا منه تعالى، فيؤمنون به، وفي ذكر «أما» في هذه الجملة إخماد عظيم لهم واعتداد بعلمهم أنه الحق، وفي ذكرها في (وأما الذين كفروا) بهما، وهم اليهود والمشركون (فيقولون ما ذا) تعريض لعنادهم الحق، ورمي لهم بالكلمة الحمقاء، أي ما الذي، ف «ذا» اسم موصول، و«ما» اسم استفهام مرفوع المحل مبتدأ، خبره «ذا» مع صلته أو «ذا» مع «ما» مركبة جعلتا اسما واحدا منصوب المحل في حكم «ما» وحده، أي أي شيء (أراد الله بهذا) أي بالمثل الخسيس (مثلا) نصب على التمييز أو على الحال، أي ممثلا كقوله تعالى «هذه ناقة الله لكم آية» «2»، والإرادة: القصد والطلب من غير كراهة، وهي معنى يوجب للحي حالا يقع منه الفعل على وجه دون وجه، فأجابهم الله تعالى بقوله (يضل) أي يخذل (به) أي بالمثل (كثيرا) من الكفار بتكذيبهم به، يعني لا يوفقهم الهدي فيزدادون ضلالا (ويهدي) أي يوفق (به) أي بالمثل (كثيرا) من المؤمنين لتصديقهم به، فيزدادون هداية ووصفهم بالكثرة مع وصفهم بالقلة في قوله «وقليل من عبادي الشكور» «3»، لأن المهتدين كثير في الحقيقة وإن قلوا في الصورة لكونهم «4» على الحق وكون أولئك على الباطل (وما يضل به) أي لا «5» يخذل بالمثل وتكذيبه (إلا الفاسقين) [26] أي الكافرين بالله الخارجين عن أمره، وقد جاء استعمال اسم الفاسق على الكافر والمسلم بارتكاب الكبيرة.
[سورة البقرة (2): آية 27]
الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون (27)
(الذين ينقضون) أي ينكثون (عهد الله) أي الذين «6» عهد إليهم يوم الميثاق بقوله «أ لست بربكم» «7» إن يؤمنوا بمحمد وما جاء به، والعهد الأمر والوصية، يعني الذي أخذه من بني آدم من ظهورهم ثم نقضوه (من بعد ميثاقه) أي تأكيده وتغليظه (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) وهو قطعهم الأرحام وموالاة المؤمنين (ويفسدون في الأرض) بعمل المعاصي والصد عن سبيل الله (أولئك هم الخاسرون) [27] أي المغبونون بالعقوبة في الآخرة مكان المثوبة في الجنة، قيل: «ليس من مؤمن ولا من كافر إلا وله منزل وأهل وخدم في الجنة، فان أطاعه تعالى أتى أهله وخدمه ومنزله في الجنة، وإن عصاه ورثه الله المؤمنين فقد غبن عن أهله وخدمه ومنزله» «8».
[سورة البقرة (2): آية 28]
كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون (28)
ثم استفهم بالخطاب تعجيبا من كفرهم وتوبيخا لهم بعد قيام البرهان على وجوب الإيمان، وهو تنقلهم من العدم إلى الوجود ثم إلى الموت ثم إلى الحيوة يوم القيامة ثم إلى النار، أي إلى الجنة فقال (كيف تكفرون) أي تجحدون (بالله) أي بوحدانيته، ومعكم ما يصرفكم عن الكفر إلى الإيمان، ومحل «كيف» نصب على الحال، أي أمعاندين تكفرون، و«9» قيل: «كيف» ههنا يفيد إنكار حال الكفر، ولا يلزم من ذلك إنكار ذات الكفر، أجيب بأن حال الكفر لازم لذات «10» الكفر في الوجود، فاذا نفي اللازم ينتفي الملزوم، وهذا أبلغ وأقوى،
صفحہ 38
لأنه دعوى الشيء ببينة «1»، والواو في (وكنتم أمواتا) للحال، أي والحال أنكم عالمون بأنكم كنتم نطفا بلا روح في أصلاب آبائكم، وقد يطلق لعادم الحيوة ميت كقوله «بلدة ميتا» «2»، ولما كان الاحياء عقيب الموت بغير تراخ أورد الفاء في (فأحياكم) في أرحام أمهاتكم ثم في دنياكم، وهذا إلزام لهم بالبعث (ثم يميتكم) عند انقضاء آجالكم (ثم يحييكم) للبعث يوم القيامة (ثم إليه) أي إلى الله (ترجعون) [28] في الآخرة، يعني تصيرون إلى إرادته ومشيته تعالى، فتجزون بأعمالكم لا أنه في جهة فترجعون إليها لكونه مستحيلا عليه، وعلم «3» ذلك حاصل لكم بالدلائل الموصلة إليه، فما أعجب كفركم مع علمكم بحالكم هذه، وإنما أورد «ثم» في المواضع «4» الثلثة لتصور التراخي فيها.
[سورة البقرة (2): آية 29]
هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم (29)
فلما سمعوا البعث وقالوا «5» من يستطيع أن يحيينا بعد الموت؟ نزل قوله «6» (هو الذي خلق لكم) أي قدر لأجلكم وانتفاعكم دينا ودنيا (ما في الأرض) أي الذي فيها من الأشياء (جميعا) نصب على الحال من الموصول الثاني، وهذا حجة لمن استدل على أن الأصل في الأشياء الإباحة إلى أن يمنع الشارع ما يمنع منها، وقيل: اللام للتعريف لا للتخصيص «7»، فالمعنى: أن الله تعالى خلق لكم الأرض وما فيها لتعملوا لمعاشكم ومعادكم، وتستدلوا بها على صانعكم وتوحيده.
(ثم استوى) أي قصد بمشيته بعد خلق الأرض من غير قصد خلق شيء آخر، وقيل: صعد أمره، وهو قوله «كن» «8» فكان «9» (إلى السماء) أي خلقها، وهي جمع سموات جمع سمأة «10» تكسيرا، ولذا جعل الضمير العائد إليها في (فسواهن) جمعا ليحصل المطابقة بينهما لفظا، أي خلقهن مستويات من غير خلل فيهن أو السماء مفرد، والضمير فيه مبهم فسر بقوله (سبع سماوات) نصب تمييز، نحو ربه رجلا، وقيل: معناه صيرهن «11»، ف «سبع» مفعول ثان ل «سوى»، و «ثم» فيه لتفخيم شأن منزلة السماء، وتفصيله على شأن الأرض لا للتراخي في الوقت، ولا يناقضه قوله تعالى «والأرض بعد ذلك دحاها» «12»، لأن الدحو البسط، وهو متأخر عن خلق جرم الأرض الذي تقدم «13» على خلق السماء، روي: «خلق الله الأرض في موضع بيت المقدس كهيئة الفهر، عليها دخان ملتزق بها، ثم أصعد الدخان، وخلق منه السموات وأمسك الفهر في موضعها ثم بسط منها الأرض» «14»، وقيل: إن «15» الأرض كانت حشفة تحت الكعبة «16»، أي أكمة، فلما خلق السماء بسط الأرض بعد خلقها (وهو بكل شيء عليم) [29] أي محيط بكل خلق مجملا ومفصلا، وال «عليم» هو الذي كمل علمه، ويجيء بمعنى المعلم.
[سورة البقرة (2): آية 30]
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون (30)
صفحہ 39