وقوله (ثم لا يفوتك تركيبًا) أي إذا عرفت الأسباب والأةتاد، وتقرر عندك أن الجزء مركب منهما، خماسيًا كان أو سباعيًا، فلا يفوتك بعد هذا تركيبه، وكيفية العمل فيه، وسوف ترى ذلك عند تعداد الأجزاء، وفاعل (يفوتك) ضمير يعود على الجزء و(تركيبًا) منصوب على التمييز عن الجملة، وهو فاعل في الأصل على ما هو معهود في نظائره، نحو تصبب زيد عرقًا. قال:
فعولن مفاعيلن مفاعلتن وفا ... ع لاتن أصول الست فالعشر ماحوى
أصابتْ بسهميهما جوارحنا فدا ... راكوني بهمَّة كوقعيهما سوا
فما زائرتي فيهما حَجَبَتهُما ... ولايدُ طولا هنّ يعتادُها الوفا
أقول: اختار العروضيون للأجزاء الدائرة بينهم في وزن الشعر الفاء والعين واللام اقتفاءً لأهل الصرف في عادتهم وزن الأصول بهذه الحروف، فحذوا حذوهم في مطلق الوزن بها لما كان على ثلاثة أحرف مع قطع النظر عن الأصالة والزيادة، وأضافوا إلى ذلك من الحروف الزوائد سبعةً وهي الألف والياء والواو والسين والتاء والنون والميم.
ويجمع هذه الأحرف قولك (لمعت سيوفنا) . وتسمى عندهم بأحرف التقطيع. وما أحسن قول الشيخ برهان الدين القيراطى:
ومليحٍ علمَ الخليل يعانِى ... ليته لو غدا خليلَ خليعِ
رمتُ وصْلًا منه فقال لحاظِى ... ناطقاتٌ بأحرف التقطيعِ
إذا عرفت ذلك فالأجزاء الموضوعة في الأصل سالمةً من التغييرات الطارئة عشرة في التحقيق، وثمانية في اللفظ. وقسمها الناظم تبعًا لجماعة من العروضيين إلى أصول وفروع، فالأصول منها أربعة والفروع ستة.
الأصل الأول (فعولن) وهو مركب من وتد مجموع فسبب خفيف، وله فرع واحد وهو فاعلن. وكيفية تفريعه عنه أن تقدم السبب على الوتد فتقول (لن فعو) فيحدث الفرع المذكور وهو فاعلن.
فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون فاعلن مركبًا من وتد مفروق وهو (فاع) فسبب خفيف وهو (لن) فلا يكون على هذا التقدير فرعا عن هذا الأصل كما ادعوه؟ قلت (فاعلن) حيث وقع يجوز حذف ألفه زحافا، وهو المسمى عندهم بالخبن، فلزم أن يكون ثاني وتد مفروق كما توهمته لامتنع حذفه، لأن ثاني الوتد لا يزاحف.
وأجاب المحلى عن ذلك بأن (فا) خلف عن (لن) (وعلن) خلف عن (فعو)، وإنما يخلف الشيء مثله، فيلزم على هذا السياق أن يكون (فا) سببًا خفيفًا (وعلن) وتدًا مجموعًا، فصح التفريع. قلت: هذا كما تراه تكريرًا لعين الدعوى لا جواب عن إشكال المعترض فتأمله.
الأصل الثاني (مفاعيلن) وهو مركب من وتد مجموع فسببين حفيفين، ويتفرع عنه جزآن، أحدهما (مستفعلن) المجموع الوتد، وكيفية تفريعه عنه أن تقدم السببين معًا على الوتد، فتقول (عيلن مفا) فيحدث عنه هذا الفرع.
وثانيهما (فاعلاتن) المجموع الوتد أيضًا، وكيفية تفريعه عنه أن تقدم السبب الأخير على الوتد فتقول (لن مفاعى) فيحدث الفرع المذكور.
الأصل الثالث (مفاعلتن) وهو مركب من وتد مجموع فسبب (ثقيل) فسبب (خفيف)، وله فرع واحد مستعمل وهو (متفاعلن) وصفة تفريعه عنه أن تقدم السببين بحالهما على الوتد فتقول (علتن مفا) فيحدث هذا الفرع.
وله فرع آخر مهمل لم تنظم العرب عليه شيئًا، وذلك بأن تقدم السبب الخفيف خاصة فتقول (تن مفاعل) فيصير الوتد المجموع مكتنفا بسببين خفيف مقدم وثقيل مؤخر. ويعبر العروضيون عن هذا الفرع المهمل (بفاعلاتك) . وسيأتي الكلام عليه وعلى سبب إهماله إن شاء الله تعالى.
الأصل الرابع (فاع لاتن) المفروق الوتد، وهو مركب من وتد مفروق فسببين خفيفين، وكثير يفصل العين عن اللام في الكتابة إيذانا للناظر فيه من أول الأمر بأن وتده مفروق، وليحصل الفرق بينه وبين (فاعلاتن) المجموع الوتد خطا.
وله فرعان أحدهما (مفعولات)، وكيفية تفريعه عنه أن تقدم السببين الخفيفين معًا على الوتد، فتقول (لاتن فاع) فيحث هذا الفرع. وثانيهما (مستفع لن) المفروق الوتد، وكيفية تفريعه عنه أن تقدم السبب الأخير على الوتد فتقول (تن فاع لا) فيحدث هذا الفرع.
وإنما جعل الجماعة هذه الأربعة أصولًا لأن الأسباب لضعفها إنما تعتهد على الأوتاد، وما يكون معتمدًا عليه حقيق بالتقدم ليعتمد ما بعده عليه.
فكانت قضية البناء على هذا الأصل أن تكون أصول التفاعيل هي هذه الأجزاء الأربعة فقط، لأنه شيء من الأجزاء مصدرًا بوتد غيرها.
1 / 6