أقول: قد علمت معنى القطع والحذف فيما سبق، فإذا اجتمعا سمي اجتماعهما بترًا. وفي عبارة الناظم مسامحة لأن مقتضاها أن القطع نفسه إذا دخل في الجزء المحذوف يسمى بترًا، وليس كذلك، بل الاسم إنما هو لهما مجتمعين، أو لاجتماعهما، ويدخلان بحرين رمز لهما بالسين والباء من «بسبسب» . والباء الأولى ظرفية. والسين الثانية والباء الأخيرة لغو، ولا لبس يقع بإلغائهما لأنهما تكرير لما قبلهما. فالسين رمز للبحر الخامس عشر وهو المتقارب، والباء رمز للبحر الثاني وهو المديد، فإذا دخل البتر في «فعولن» بالمتقارب حذف سببه الخفيف وهو «لن»، وحذفت الواو من «فعو» وسكنت عينه فيصير «فع» وإذا دخل البتر في «فاعلاتن» بالمديد حذف سببه الخفيف وهو «تن»، وحذف ألف وتده وسكنت لامه فيصير فاعل. والبتر بفتح التاء وإسكانها بمعنى القطع أيضًا وهو أبلغ من الحذف، ومنه ذبل أبتر وقوله «وقيل المديد اختص باسميه في الدعا» هذا إشارة إلى مذهب الزجّاج، وذلك أنه ذهب إلى أن الجزء الذي دخله الحذف والقطع لا يسمى أبتر إلا في المتقارب وحده لأن «فعولن» فيه يصير إلى «فع» فيبقى منه أقله، وأما في المديد فيصير «فاعلاتن» إلى «فاعل» فيبقى منه أكثره، فلا ينبغي أن يسمى أبتر، بل يقال فيه «محذوفٌ مقطوع» وهذا هو مراد الناظم بقوله: «وقيل المديد اختص باسميه في الدعا»، أي أنه يدعا في المديد وحده باسمي التغيير الذي اشتمل البتر على مسماه وهما الحذف والقطع.
قال الزجاج: وإنما يسمى بالأبتر في المتقارب، وغلط في ذلك قطربًا، ورد بإنكار وجه الخصوصية، وبتسمية الخليل له بذلك حيث قال: وما يسقط من «فعولن» حتى يصير «فع» ومن «فاعلاتن» حتى يصير «فعلن» فهو أبتر. قيل: وإنما وهم الزجاج أن الخليل كتب تحت هذا الضرب في هذا البحر: محذوفٌ وقطوع، وكتب في المتقارب أبتر، فلهذا توهم الاختصاص.
قال:
وسلْ ودا أخرمْ للضرورة صدرها ... ووضع فعولن ثلمه ثرمه بدا
أقول: الخرم عند الخليل ﵀ حذف أول الوتد المجموع في أول البيت. وبعضهم ينقل عنه أنه يجوزه في أول انصف الثاني على قلة. وبعضهم ينقل فيه المنع عنه ويقول أن غيره هو الذي يجوز الخرم فيه. وبعضهم ينقل المنع في خرم أول العجز مطلقةً عن الخليل وغيره. وأجاز السهيلي خرم السبب الثقيل، وتابعه ابن واصل على ذلك زاعمًا أنه التحقيق. واحتج السهيلي بما جاء عنهم من خرم «متفاعلن» في الكامل وأوله سبب ثقيل قال:
تناكلوا عن بطن مكة إنها ... كانت قديمًا لايرام حريمها
فقوله «تناكلوا» وزنه «مفاعلن»، وقد كان «متفاعلن» فحذف الحرف الأول منه. وربما جاء في المنسرح قال الشداخ:
قاتل القوم يا خزاع ولا ... يدخلكم في قتالهم فشل
فقوله «قاتلل» وزنه «فاعلن»، وأصله «مستفعلن» فخبن وخرم. وربما جاء في منهوك الرجز من قول حارثة بن بدر:
كرنبو أو دولبو ... أو حيث شئتم فاذهبوا
فقوله «كرنبو» وزنه «فاعلن»، وأصله أيضًا «مستفعلن» فخبن وخرم. قال السهيلي: وإذا كانوا يحذفون السبب الثقيل بجملته فحذف جزء منه أسهل. وأنشد شاهدًا على ذلك قول الشاعر:
هامةٌ تدعو صدىً ... بين المشقّر واليمامة
1 / 35