وإنما سمي التغيير الأول عصبًا بالصاد المهملة، لأن حركة الحرف اعتصبت منه فمنع أن يتحرك. وكل شيء عصبته فمنعته الحركة فهو معصوب.
وسمي التغيير الثاني قبضًا لانقباض الصوت بالجزء الذي يدخله وذلك لأنه يدخل (فعولن ومفاعلين) ليس إلا، فإذا حذفت النون من الأول والياء من الثاني انقبض الصوت عن الغنة التي كانت موجودة مع النون، وعن اللين الذي كان موجودًا مع الياء، وفيه نظر.
وسمي التغيير الثالث عقلًا أخذًا له من العقل، ومعناه المنع، ومنه عقلت البعير، لأنه إذا عقل منع من الذهاب. ولما كان مفاعلتن تحذف منه اللام فيمتنع إذ ذاك حذف نونه حذرًا من اجتماع أربعة أحرف متحركة إذ كان الجزء الواقع بعده مفتوحًا بوتد مجموع. ويحتمل أن يكون سمي بذلك لأنه لما حذفت لامه منع منها ومن حركتها فأشبه البعير الذي عُقلت يده فمنع الحركة.
وقوله (وكف سقوط السابع الساكن) معناه ظاهرٌ، وإنما اشترط في السابع أن يكون ساكنًا لأنه كان متحركًا لكان ثالث وتدِ، إذ لاشيء من الأجزاء السباعية آخره حرفٌ متحرك غير (مفعولات)، وتاؤه ثالث وتدِ مفروق، فلا مدخل للزحاف فيها، لأنه يدخل ثواني الأسباب.
سمي كفا أخذًا له من كفة القميص وهو ما يكف من ذيله، فكأن الجزء لما حذف آخره شبه بالثوب إذا كف طرفه. وقوله (انقضى) أي الزحاف المنفرد، فهو محتمل لضمير يعود على ما تقدم.
الزحاف المزدوج
قال:
وطيك بعد الخبن خبل وبعد أن ... تقدم إضمار هو الخزل يا فتى
وكفك بعد الخبن شكل وبعد أن ... جرى العصب نقص كل ذا الباب مجتوى
أقول: إذا اجتمع في الجزء الخبن والطي، كما إذا حذفت سين مستفعلن المجموع الوتد بالخبن، وفأوه بالطي، فصار متعلن سمي بذلك خبلًا، والجزء مخبول. أخذ ذلك من الخبال، وهو الفساد والاختلال. ويقال يدٌ مخبولة إذا كانت مختلة معتلة، فكلأن الجزء لما ذهب ثانيه ورابعه شبه بالذي اعتلت يداه.
وإذا اجتمع في الجزء الطي والإضمار، وذلك لا يكون إلا في (متفاعلن) فتسكن تاؤه بالإضمار وتحذف ألفه بالطي فيصير (متفعلن) فهذا هو المسمى بالخزل. يقال بالخاء المعجمة، وبالجيم، ومعناه القطع. ومنه سنام مخزول إذا قطع لما يصيبه من الدبر، فكأن الجزء لما تكرر عليه الإعلال شبه بالسنام الذي أصابه الدبر ثم قطع فاجتمع عليه إعلالان.
واجتماع الخبن والكف شكلٌ، مثل (فاعلاتن) المجموع الوتد تحذف ألفه بالخبن، ونونه بالكف فيصير (فعلات) . والشكل مصدر من قولك شكلت الدابة وغيرها بالشكال أشكلها شكلًا إذا قيدتها، وشكلت الكتاب كذلك، فكأن الجزء لما حذف أخره وما يلي أوله شبه بالدابة التي شكلت يدها ورجلها لأن الجزء يمتنع بذلك من إنطلاق الصوت وامتداده كما تمتنع الدابة بالشكل من امتداد قوائمها في عدوها.
واجتماع الكف والعصب نقصٌ، وذلك لا يكون إلا في (مفاعلتن) فتسكن لامه بالعصب، وتحذف نونه بالكف، فيصير مفاعلت، ويسمى الجزء منقوصًا لما نقص منه بالحذف والتسكين.
وقوله (كل ذا الباب مجتوى) يعني أن جميع ما ذكره في هذا الباب من الزحافات المزدوجة قبيح مستكره، وهو المراد بقوله (مجتوى) من قولك: اجتويت الموضع، إذا كرهت المقام به، ومنه حديث العرنيين (فاجيووا المدينة) .
ولا يلزم من كون جميع أنواع ها الباب قبيحةً أن يكون كل ما في الباب السابق حسنًا، بل الأمر في ذلك مختلفًا، فتارةً يكون حسنًا وتارة يكون صالحًا، وتارةً يكون قبيحًا. فالحسن ما كثر استعماله وتساوى عند ذوي الطبع السليم نقصان النظم به وكماله، كقبض (فعولن) في الطويل. والقبيح ما قل استعماله، وشق على الطباع السليمة احتماله، كالكف في الطويل. والصالح ما توسط بين الحالين ولم يلتحق بأحد النوعين، كالقبض في سباعي الطويل، إلى أنه إذا أكثر منه التحق بقسم القبيح، فينبغي للشاعر أن يستعمل من ذلك ما طاب ذوقه وعذب سوقه، ولا يسامح نفسه فيعتمد الزحاف المستكره إتكالًا على جوازه، فيأتي نظمه ناقص الطلاوة قليل الحلاوة، وإن كان معناه في الغاية التي تستجاب. اللهم إلا أن يستعمل من ذلك ما قل وخف عند الحاجة والاضطرار.
1 / 26