عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق
عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق
اصناف
قال ممثل يوسف عليه السلام: ما بالكم قابلتم نعمتنا بالكفران؟ وجازيتمونا بالإساءة مكان الإحسان ؟ هلا انتهجتم محجة الهداية؟ وعالجتم بدواء الرشاد داء الغواية؟
قال قائل من إخوته: لا سبيل لنا إلى رد الجواب، أو التفوه ببنت شفة في معرض الخطاب، فدونك رجالا يعتكفون في محاريب نهيك وأمرك، ولا يكتفون إلا بمطلق التقيد بقيود أسرك.
قال ممثل يوسف عليه السلام: أنى لي أن آخذ الجار بذنب الجار، وأنحرف عن جادة الصواب كمن ظلم وجار، لا والله لآخذن أخاكم الأصغر أسيرا، ولا أراه يحاسب على الجناية إلا حسابا يسيرا، فامضوا إذن من حيث أتيتم، واشهدوا لدى أبيه بما شاهدتم ورأيتم.
قال قائل منهم: أيها العزيز أعز الله شانه، وحفظه من طوارق الحدثان وصانه، إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه.
قال ممثل يوسف عليه السلام: معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده، ومن سرق من أحد صار بمقتضى الشريعة عبده، فليأخذ كل منكم عصا التسيار باليمين، آيسا بالمرة من تحرير رقبة بنيامين.
قال قائل منهم: لا برحت ملحوظة بطرف الكمال صفات كمالك، ونيل الوفاء يستمد من مقياس أصابع يمينك وشمالك، أعرض لسيدي وأنا استغفر الله حياء من الناس، وأضرب مما جرى به القدر أخماسا في أسداس، إننا حين راجعنا أبانا بقصة شمعون واعتقاله، وراودناه عن بنيامين مع تعليق العودة على شرط إرساله، عظم عليه هذا الأمر، وكاد - لولا الصبر - يتقلب على الجمر، وقال: ما بالكم أطنبتم في رواية خبري إطنابا، وجعلتم لها رءوسا وأذنابا، حتى ارتاب الأمير في حقيقة حالكم، وأحب أن ينجلي له صدق مقالكم، أتجاوزتم حد الآداب، ولم تميزوا في قولكم بين خطأ وصواب، أم تناسيتم ما سولته لكم النفس الأمارة من الخداع، وأردتم أن تلقوا بنيامين كما ألقيتم يوسف في جب الضياع. فقلنا: لا، بل ما حسب الأمير جوهر مقصدنا إلا عرضا، وما ظن أن لنا من المآرب السياسية إلا غرضا، فلم نلف مناصا من كشف تلك الظنون، والاستدلال من ترجمتنا على البراءة من سواد العيون، فليطمئن قلبك من جهة الغلام، فإن له من الله عينا كالئة لا تنام. فأصر على عدم الرضى، وقال: هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه فيما مضى، ثم رأى أن رد البضاعة لا يلائمه السكوت، وأحكام الضرورة قاضية بالذي يحفظ الرمق من القوت، فأخذ علينا من الله موثقا وعهدا، بأن لا نألو في العناية بحفظه جهدا، فعاهدته على ذلك عهدا وثيقا، وألجأته لأن يرسله معي قرينا ورفيقا، فإن شهدنا أمامه تصريحا وضمنا، وقلنا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا. قال: بل سولت لكم أنفسكم أمرا، وايم الله لقد جئتم شيئا إمرا، وإن قلنا أكله الذئب كان أوجع لقلبه بإعادة الحزن القديم، وقال: عسى الله أن يأتيني بهم جميعا، إنه هو العليم الحكيم. فبالله كيف أصبر على الحنث في يميني، أو أصافح أباه لدى العودة بيميني، لقد عز علي التخلص من هذا الإشكال، ولم أصل إلى نتيجة من مقدمات تلك الأشكال، فأناشدك بالله أن ترأف بي أيها الأمير الأمين، فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين.
قال ممثل يوسف عليه السلام: هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه، وأدركتم مآل إلغاء كل منكم لأواخيه، ولقد أنبأ ظاهر فعلتكم بانقيادكم إلى الجفاء الذي ليس له ثبوت، وتمسككم بسبب الاعتداء الذي هو أوهن من بيت العنكبوت، ثم كدتم لأخيكم من أبيكم كيدا، ولم يأتكم أن الله إنما يمهلكم رويدا، وقد ظهرت دلائل عدله سافرة القناع، ومن علي وعلى أخي بمنة الاجتماع، وهي منة لاح في صحيفة التقوى عنوانها، ودل على حصول الفرج بعد الشدة برهانها.
قال قائل من أخوته: تالله لقد آثرك الله علينا بأنواع الفضائل، وأنطقك بقول فصل لم يبق معه مقال لقائل، فلله درك من ذي سيرة حسنة شهودها عدول، وسريرة ما لها عن ابتغاء مرضاة الحق عدول، ولئن أخطأنا في صنعنا بك خطأ بينا، وعددنا قطيعة الرحم أمرا هينا، فنحن مسيرون لما سبق في علمه تعالى، وحلمك يطمعنا في أن نتفيأ من الفضل ظلالا، ولا مرية في أن العفو شأن أولي الشان، وإسداء المعروف على كرم المحتد أوضح عنوان.
قال ممثل يوسف عليه السلام: إن رحمة الله لأوسع من أن تحصرها الأحلام، ويختص بها قوم دون قوم ولو في الأحلام، فلا تثريب عليكم اليوم ولا عتاب، وعفا الله عمن استغفر مولاه وتاب، ولو لم تسيركم فيما صنعتم أحكام الإرادة، لما وصلت لمقام مهد الله لحفظ عشيرتكم مهادة، فابشروا بشرى من استمطر غيث العفو ففاز بأعظم منحة، أو ميئوس من برئه اشتم من روض الألطاف عبيق عبير الصحة، وها هو يوسف يخاطبكم بلسانه، ويترحم عما وقع من الحوادث بترجمان بيانه، فليكن إعلامكم لأبي مصوغا في قالب التحقيق، كافيا في الدلالة على أن الصلاح عنوان التوفيق، بحيث لا يجد لتفنيد مقالكم مجالا، وائتوني بأهلكم أجمعين نساء ورجالا، وإليكم مني هدية تدل على صدقكم في الرواية، وتبعث أباكم لأن يلحظكم بطرف الرعاية.
فأنشأ ممثلو الإخوة يقولون ما معناه:
نامعلوم صفحہ