عمدة الأحكام
الكبرى
تأليف
الإمام الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي
ت (٦٠٠) هـ
دراسة وتحقيق
الدكتور سمير بن أمين الزهيري
مكتبة المعارف للنشر والتوزيع
لصاحبها سعد بن عبد الرحمن الراشد
الرياض
المقدمة / 1
جميع الحقوق محفوظة للناشر، فلا يجوز نشر أي جزء من
هذا الكتاب، أو تخزينه أو تسجيله بأيّة وسيلة، أو تصويره
أو ترجمته دون موافقة خطية مُسبقة من الناشر.
الطبعة الأولى
١٤٣٠ هـ/ ٢٠٠٩ م
ح مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، ١٤٣٠ هـ - ط ١
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
المقدسي، عبد الغني عبد الواحد
عمدة الأحكام الكبرى./ عبد الغني عبد الواحد المقدسي؛ سمير
أمين الزهيرى.- الرياض، ١٤٣٠ هـ
.. ص؛ .. سم
ردمك: ٤ - ٢٥ - ٨٠٢٨ - ٦٠٣ - ٩٧٨
١ - الحديث - أحكام ٢ - الحديث - جوامع الفنون أ. الزهيري،
سمير أمين (محقق) ب. العنوان
ديوي ٣، ٢٣٧
٤٦٢٠/ ١٤٣٠
رقم الابداع: ٤٦٢٠/ ١٤٣٠
ردمك: ٤ - ٢٥ - ٨٠٢٨ - ٦٠٣ - ٩٧٨
مكتبة المعارف للنشر والتوزيع
هاتف: ٤١١٤٥٣٥ - ٤١١٣٣٥٠
فاكس ٤١١٢٩٣٢ - ص. ب: ٣٢٨١
الرياض الرمز البريدي ١١٤٧١
المقدمة / 2
عمدة الأحكام
الكبرى
المقدمة / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد ولد آدم أجمعين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد: فهذه الطبعة الثانية من كتاب "عمدة الأحكام الكبرى" للحافظ عبد الغني المقدسيّ ﵀، والتي تتميز عن الطبعة الأولى بعدة مزايا أهمها:
أولًا: أنها مقابلة على نسخة خطية جديدة
فلقد حصلت على نسخة خطية للكتاب غير التي طبع عنها المرة الأولى، ولا شك أن هذا مما يزيد الكتاب جودة ودقة، خاصة إذا كانت النسخ الخطية جيدة كما هو الحال هنا.
والنسخة الأولى التي طبع عنها الكتاب قد سَبق وصفُها في مقدمة الطبعة الأولى، وأما عن هذه النسخة فوصفها كما يلي:
توجد هذه النسخة في كوبرلي بتركيا تحت رقم (٣٩٨) حديث، وعدد أوراقها (١٢٠) ورقة.
وهي نسخة صحيحة متقنة، قوبلت بعد نسخها، واستدرك في حاشيتها ما سقط أثناء النسخ، وقد أتبع كل سقط بعلامة الإلحاق "صح". وتوجد هناك حواشي كثيرة في أثناء كتاب البيوع؛ بعضها تفسير غريب، وبعضها منقول من كتاب "جامع الأصول".
المقدمة / 3
وقد اختلف خط النسخ؛ لأنه تناوب على نسخ هذه النسخة أكثر من ناسخ، ولم يُذكر سوى اسم واحد منهم فقط في حاشية الورقة رقم (٢٢).
وجاء في آخرها:
"وهذا آخر الكتاب والحمد لله رب العالمين. استنسخه لنفسه أقل عباد الله وأضعفهم: مظفر بن الأمير حاج بن المؤيد في العشر الآخر من صفر لسنة عشرين وسبعمائة بمدينة السلام".
ومما يلاحظ على هذه النسخة غير اختلاف خطوط النساخ:
أنها خلت من تفسير الغريب سوى موضعين اثنين عند الحديث رقم (٧٢٢)، وهذا الموطن لم يذكر في النسخة الأخرى! والموطن الآخر عند الحديث رقم (٨٥٣).
وأمر آخر يتعلق برموز أو علامات الكتب الستة، إذ لم تظهر هذه الرموز في بعض المواطن، وإنما يظهر مكانها بياض، ولعل ذلك يرجع إلى نوع الحبر والتصوير. إلا أن هناك مواطن أخرى لم تذكر فيها هذه الرموز أصلًا!
ثانيًا: تصحيح بعض الأخطاء العلمية والمطبعية.
ومن أبرز ذلك ما كنت ذكرته عند الحديث رقم (٨٤٨) من أن الصعبي الذي ألف في رجال العمدة هو (عبد الغني بن محمد بن أبي الحسن) بينما الصواب هو أخوه (عبد القادر).
وإن كان خطئي في الطبعة السابقة لم أعدم منه فائدة! ومن يرجع إلى حاشية الحديث في هذه الطبعة سيعرف تلك الفائدة.
ثالثًا: في هذه الطبعة أيضًا زيادات حديثية وفقهية وغير ذلك.
* * *
المقدمة / 4
ولا بد من الإشارة هنا في هذه المقدمة - ولو على عجالة- إلى طبعة أخرى لهذا الكتاب طبعت بعد طبعتي، والذي يتبين لي -ولغيري من طلاب العلم- أن محققها ليست لديه الدراية الكافية بعلم الحديث! ولا بقراءة المخطوط!
• فأما قلة درايته بقراءة المخطوط فهذه أمثلة تدل على ما أقول:
١ - قوله (ص ٤٠): "أخرجهما ابن ماجه" صوابه: أخرجها ... "، فهي ثلاثة أحاديث
٢ - قوله (ص ١١٦): "أشعث بن الربيع" صوابه: "أشعث بن سعيد أبو الربيع".
٣ - قوله (ص ١١٧): "وهو على راحلته فصلى بهم" صوابه: "وهو على راحلته، وأقام فتقدم على راحلته فصلى بهم".
٤ - قوله ص (١٢٩): "يا رسول الله كدت أصلي العصر" صوابه: "يا رسول الله ما كدت أصلي العصر".
٥ - قوله ص (١٥٠) "ثم حين يسجد" صوابه: "ثم يكبر حين يسجد".
٦ - قوله ص (١٥٣): "ووضع إصبعه الوسطى" صوابه: "ووضع إِبهامه على إصبعه الوسطى".
٧ - قوله ص (١٥٥): "وإذا نهض رفع ركبتيه قبل يديه" صوابه: " ... رفع يديه قبل ركبتيه".
٨ - قوله ص (١٥٩): "ولأبي العاص بن الربيع" صوابه: "ولأبي العاص
بن ربيعة".
المقدمة / 5
٩ - قوله ص (١٦٣) في نهاية السطر الثاني وأول الثالث: "ويقصر في الثانية وكان يطول" صوابه: "ويقصر في الثانية يسمع الآية أحيانًا، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، يطول في الأولى ويقصر في الثانية، وكان يطول".
١٠ - قوله ص (١٧٢): "ويقال: عَمّار" صوابه: "ويقال: عُمَارة".
١١ - قوله ص (٢١٧): "قبل زيغ الشمس صلى الظهر" وصوابه: "قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعا. وإذا ارتحل بعد زيع الشمس صلى الظهر".
١٢ - قوله ص (٣١٨): "لابتيها يريد الحرمين" صوابه: "لابتيها يريد الحرتين".
فهذه نماذج تدل على ما ذكرتُ من قلة الدراية بالمخطوطات وقراءتها، ثم هي تدل من وجه آخر أن فن التخريج فن عزيز، قَلّ مَن كان يحسنه قديمًا، وهم اليوم أقل!
• وأما قلة الدراية بهذا العلم الشريف؛ علم الحديث
فهي واضحة جدًا في هذه الطبعة سواء كان ذلك في تخريج الحديث، أو في الحكم عليه، أو في استخلاص النتائج من أقوال أئمة الجرح والتعديل في الرواة، ومنشأ ذلك عنده عدم درايته الدراية الكافية بمعاني ألفاظهم، ولا بمنازلهم في هذا العلم.
ثم في باب التصحيح والتضعيف اتكأ على كتاب "التعريف"! فنتج من ذلك في تلك الأحكام تخاريف!
المقدمة / 6
ولست بصدد مناقشته في كل هذه الأحكام، وإنما هذا يتبين بأدنى نظرة في كتابه، فهو يكاد يصرح بأن أحاديث الكتاب صحيحة، إذ قال في المقدمة (ص ٧):
"وأحاديثه في مجملها صحيحة، وكأن مؤلفه أرادها كذلك، وإن لم يصرح بذلك في مقدمته".
ومن طالع كتابه يجد ما ضعفه لا يبلغ خمسة أحايث! من مجموع أحاديث الكتاب البالغة (٩٥٩) حديثًا حسب عَدِّه هو!
وسأذكر هنا مثالين اثنين فقط
أما الأول فهو:
١ - الحديث رقم (٦٨٨)، ومقابله في نسختي برقم (٦٢٠)، وهو قوله ﷺ: "بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير وعافية".
عزاه لأبي داود والترمذي وابن ماجة والحاكم وابن حبان في كلام طويل له، كذكر اسم الكتاب والباب ورقم الحديث وغير ذلك!
لكن دون أن ينتبه إلى لفظ: "وعافية". هل هو في الحديث أم لا؟ هل رواه أحد من هؤلاء الذين عزا لهم الحديث أم لا؟ بل هل يوجد هذا اللفظ في أي مصدر حديثي أم لا؟
وأما الثاني فهو:
٢ - الحديث رقم (٧١٣)، ومقابله في نسختي برقم (٦٤٣)، وهو: حديث عامر بن ربيعة؛ أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول الله ﷺ: "أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ ". قالت: نعم. قال: فأجازه. ق ت وقال: حديث حسن صحيح .. أهـ.
المقدمة / 7
وكنت كتبت أنا تعليقًا على هذا الحديث:
(منكر، رواه ابن ماجة (١٨٨٨)، والترمذي (١١١٣) من طريق عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، به
قلت: وعاصم ضعيف؛ سيئ الحفظ، بل تركه بعضهم، ولذلك فقول الترمذي: "حسن صحيح" ليس بحسن ولا بصحيح!
وقد قال ابن أبي حاتم في "العلل" (١/ ٤٢٤/ رقم ١٢٧٦):
"سألت أبي عن عاصم بن عبيد الله؟ فقال: منكر الحديث. يقال: إنه
ليس له حديث يعتمد عليه. قلت: مما أنكروا عليه؟ قال: روى عن عبد الله بن
عامر بن ربيعة، عن أبيه؛ أن رجلًا تزوج امرأة على نعلين، فأجازه النبي ﷺ،
وهو منكر".
وأيضًا أورد الذهبي هذا الحديث في "الميزان" (٢/ ٣٥٤) مما أنكر لعاصم هذا). انتهى كلامي بحروفه.
فكتب هو:
(صحيح بشواهده، ضعيف إسناده.
ت: (٢/ ٤٠٥) أبواب النكاح (٢٢) باب ما جاء في مهور النساء.
عن محمد بن بشار، عن يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، ومحمد بن جعفر جميعًا عن شعبة، عن عاصم بن عبيد الله قال: سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه به.
قال: "وفي الباب عن عمر، وأبي هريرة، وسهل بن سعد، وأبي سعيد، وأنس، وعائشة، وجابر، وأبي حدرد الأسلمي".
وقال: "حديث عامر بن ربيعة حديث حسن صحيح".
المقدمة / 8
"واختلف أهل العلم في المهر، فقال بعض أهل العلم: المهر على ما تراضوا عليه، وهو قول سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق".
"وقال مالك بن أنس: لا يكون المهر أقل من ربع دينار".
"وقال بعض أهل الكوفة: لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم".
جه: (٣/ ٣٣٣) كتاب النكاح (١٧) باب صداق النساء.
من طريق وكيع، عن سفيان، عن عاصم به. رقم: (١٨٨٨).
حم: (٢٤/ ٤٤٥) حديث عامر بن ربيعة ﵁.
عن وكيع به. رقم: (١٥٦٧٦).
وقد ضعف هذا الحديث من قبل عاصم بن عبيد الله وهو العمري، وباقي رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين.
ولا بأس أن يقال: إن الحديث ضعيف لضعف عاصم، أما أن يتعجب من الترمذي في تصحيحه للحديث فهذا مما فيه بأس.
وذلك لأن الترمذي حكم بصحته لشواهده الكثيرة كما بَيَّن ومن البدهي أن حديث الضعيف يرقى بمتابعاته وشواهده.
والترمذي نفسه روى في الباب الذي بعده عن عمر قوله: "ألا لا تغالوا في صدقات النساء؛ فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها نبي الله ﷺ".
وقال: هذا حديث صحيح.
ورواه الحاكم (٢/ ١٧٥) وابن حبان: (٤٦٢٠).
وعن أبي هريرة عند مسلم أن رجلًا تزوج على أربع أواق، فقال له- ﷺ كأنما تنحتون من عرض هذا الجبل. (رقم ٧٥/ ١٤٢٤).
المقدمة / 9
وعن جابر عند أبي داود: (رقم: ٢١١٠) بلفظ: "من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقًا أو تمرًا فقد استحل".
وسبق حديث سهل قبل هذا الحديث، وهو متفق عليه: "التمس ولو خاتمًا من حديد".
قال الشافعي في "الأم" بعد روايته: "وخاتم الحديد لا يسوي قريبًا من الدرهم".
ويكفي هذا الشاهد الأخير ليصح الحديث، ولا تخيب نظرة الترمذي فيه .. والله تعالى أعلم.
وقول أبي حاتم في هذا الحديث إنه ممَّا أنكروا عليه لا يعني ضعفًا. بقدر ما يعني تفردًا من الراوي، كما نبه ابن حجر على ذلك، قال: المنكر أطلقه أحمد بن حنبل وجماعة على الحديث الفرد الذي لا متابع له، فيحمل هذا على ذلك (هدي الساري. ص: ٤٣٧).
وقال البيهقي في عاصم: تكلموا فيه، ومع ضعَّفه روى عنه الأئمة).
انتهى كلامه بحروفه.
وأقول:
• فأما حديث عمر فقد رواه أبو داود (٢١٠٦)، وتمامه:
"ما أصدق رسول الله ﷺ امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته، أكثر من ثنتي عشرة أوقية".
وزاد أحمد (١/ ٤٠ - ٤١)، والنَّسائيّ (٦/ ١١٧ - ١١٨): "وإن الرجل ليغلي بصَدُقة امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه! وحتى يقول: كُلِّفتُ لكم علق القربة ... ".
المقدمة / 10
فما هو وجه الاستشهاد بهذا الحديث ليصحح به حديث زواج امرأة بنعلين؟!
• وأما حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم (١٤٢٤/ ٧٥)، والذي جعله ذاك المحقق شاهدًا يُصحح به حديث زواج امرأة بنعلين!! فهو بتمامه:
عن أبي هريرة ﵁ قال: جاء رجل إلى النَّبيّ ﷺ فقال:- إنِّي تزوجت امرأة من الأنصار. فقال له النَّبيّ ﷺ:"هل نظرت إليها؟ فإن في عيون الأنصار شيئًا". قال: قد نظرت إليها. قال: "على كم تزوجتها؟ ". قال: على أربع أواق. فقال له النَّبيّ ﷺ:"على أربع أواق؟ كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل. ما عندنا ما نعطيك. ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه". قال: فبعث بعثًا إلى بني عبس، بعث ذلك الرجل فيهم.
قلت: فهذا رجل أمهر امرأة مهرًا لا يستطيعه، ثم ذهب يسأل النَّبيّ ﷺ! فكره له النَّبيّ ﷺ ذلك، وليس في هذا- لا من قريب ولا من بعيد- ما يشهد لحديث زواج المرأة بالنعلين!
• وأما حديث جابر والذي رواه أبو داود: "من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقًا- أو تمرًا- فقد استحل".
قلت: مع أن هذا الشاهد كغيره من الشواهد السابقة لا حجة فيه،، فهو ضعيف لا يصح، وله علل:
أولها: الاضطراب في الوقف والرفع، وفي المتن. وثانيها: جهالة أحد رواته. وثالثها: عنعنة أبي الزُّبير وهو مدلس.
وقدا أشار إلى شيء من هذه العلل أبو داود في "السنن" لكن أغمض ذلك المحتج عينه عن ذلك! وقد قال الذهبي في "الميزان": "الخبر منكر"!
المقدمة / 11
• ولم يبق بيد ذلك المحتج على تصحيح حديث زواج المرأة بالنعلين! سوى حديث سهل بن سعد: "التمس ولو خاتمًا من حديد"، ولذلك نقل عن الشافعي قوله: "خاتم الحديد لا يسوي قريبًا من الدرهم".
ثم عقب بقوله: "ويكفي هذا الشاهد ليصح الحديث".
قلت: هذه مغالطة، وإنما هذا الحديث - أو الشاهد في زعمك- يكفي للاحتجاج على أن المهر لا حدَّ لأقله، وليس على تصحيح حديث زواج امرأة على نعلين!!
وبهذا يتضح المراد من قول التِّرمذيّ: "وفي الكتاب عن عمر، وأبي هريرة، وسهل بن سعد، وأبي سعيد، وأنس، وعائشة، وجابر، وأبي حدرد الأسلمي".
وأنه أراد بهذه الأحاديث كما بَوّبَ هو بقوله: "باب ما جاء في مهور النساء"، فهذه الأحاديث التي أشار إليها بقوله: "وفي الباب ... " هي صالحةٌ لأنَّ تكتب في هذا الباب، ومن أجل ذلك نقل أقوال أهل العلم في أقل المهر.
ولم يرد بهذه الأحاديث أنها تشهد لذلك الحديث المنكر! فالقول بأن التِّرمذيّ "حكم بصحته لشواهده الكثيرة، كما بَيَّنَ". قول ينم عن عدم فهم لكلام التِّرمذيّ ومراده.
ثم وقفت بعد ذلك على كلام الحافظ العراقي في "التقييد والايضاح" ص (١٠٢).
"هكذا يفعل التِّرمذيّ في الجامع حيث يقول: وفي الباب عن فلان وفلان؛ فإنه لا يريد ذلك الحديث المعين وإنما يريد أحاديث أخر يصح أن تكتبَ في ذلك الباب، وإن كان حديثًا آخر غير الذي يرويه في أول الباب، وهو
المقدمة / 12
عمل صحيح. إلَّا أن كثيرًا من النَّاس يفهمون من ذلك أن من سمى من الصحابة يروون ذلك الحديث بعينه الذي رواه في أول الباب بعينه وليس الأمر على ما فهموه بل قد يكون كذلك، وقد يكون حديثًا آخر يصح إيراده في ذلك الباب".
ولكن تصحيح التِّرمذيّ للحديث إنما هو لمنهج للترمذي- يعرفه طلاب هذا العلم؛ العارفون به- وليس لشيء آخر ممَّا قاله هذا القائل.
ولقد صدق الذهبي عندما عبر عن موقف العلماء من تصحيح التِّرمذيّ ﵀ فقال في "الميزان":
"لا يعتمد العلماء على تصحيح التِّرمذيّ". انظر "بلوغ المرام" (ص ٢٥٨ بتحقيقي).
ومن التلبيس- أو عدم الفهم- القول بأن "قول أبي حاتم في هذا الحديث إنه ممَّا أنكروا عليه لا يعني ضعفًا بقدر ما يعني تفردًا من الراوي، كما نبه على ذلك ابن حجر، فقال: المنكر أطلقه أحمد بن حنبل وجماعة على الحديث الفرد؛ الذي لا متابع له، فيحمل هذا على ذلك"! فإن أبا حاتم يتكلم عن هذا الحديث بعينه! وقد سئل عنه! فكيف يقال: إنما عنى التفرد!
ثم راوي هذا الحديث- وهو عاصم بن عبيد الله- ضعَّفه يحيى بن سعيد وابن معين، ومالك، والدارمي، والدارقطني، وابن خزيمة، وغيرهم. فكيف يقال في راوٍ هذا وصفه إذا قيل فيه: "منكر الحديث" بأن هذا يعني التفرد؟!
ثم إذا حُملت كلمة أبي حاتم على ما أراد ذاك المغالط، فكيف يصنع بكلمته في "الجرح والتعديل" (٣/ ١/ ٣٤٨):
"منكر الحديث، مضطرب الحديث، ليس له حديث يعتمد عليه"!
المقدمة / 13
وأما الكلمة المنقولة عن ابن حجر من "المقدمة" فهي توجيه منه- حسن- لكلمة أحمد: "يروي أحاديث مناكير"؛ لأنَّ أحمد قال هذه الكلمة في محمد ابن إبراهيم بن الحارث التَّيمي الثقة، والذي احتج به الجماعة، وقد عرف أنه تفرد بأحاديث لا متابع له عليها، ومن أشهر تلك الأحاديث حديث: "إنما الأعمال بالنيات"، وبذلك يعرف صواب قول ابن حجر: "فيحمل هذا على ذلك" أي: فيحمل كلام أحمد "يروي أحاديث مناكير" على الحديث الفرد.
ثم كيف يسوي هذا المغالط بين الاصطلاحين: "منكر الحديث" و"يروي أحاديث مناكير" وهما لا يستويان؟!
قال الزركشي في "النكت" (٣/ ٤٣٦): "فليتنبه للفرق بين قولهم: منكر الحديث وروى مناكير" ونقل قول ابن دقيق العيد: "من يقال فيه منكر الحديث ليس كمن يقال فيه روى أحاديث منكرة".
وقال السخاوي في "فتح المغيث" (١/ ٣٧٣): "قال ابن دقيق العيد في "شرح الإمام": قولهم: "روى مناكير" لا تقتضي بمجرده ترك روايته حتى تكثر المناكير في روايته وينتهي إلى أن يقال فيه: "منكر الحديث" لأنَّ "منكر الحديث" وصف في الرجل يستحق الترك لحديثه، والعبارة الأخرى لا تقتضي الديمومة.
كيف وقد قال أحمد بن حنبل في محمد ابن إبراهيم التَّيمي: "يروي أحاديث منكرة" وهو ممن اتفق عليه الشيخان وإليه المرجع في حديث الأعمال بالنيات".
هذا ما سمح به المجال في هذه العجالة.
وصلَّى الله وسلم على محمد وآله وصحبه وسلم.
وكتب: سمير بن أمين الزهيري
الرياض في ١١/ ١١/ ١٤٢٧ هـ.
المقدمة / 14
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفِرُه، ونعوذُ بالله من شُرورِ أنفُسِنا، ومن سيئات أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلَّا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [ال عمران: ١٠٢].
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١].
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
المقدمة / 15
وبعد:
فإن أحاديث الأحكام والحلال والحرام مما اهتم بها علماء الإسلام، ودونوا فيها المصنفات، الجامعة لها، الحاوية لشتاتها، وشرحوها، وأبانوا عن فقهها، كل ذلك ليسهل على النَّاس الأخذ بها، والعمل بما فيها.
وفي أول الأمر كان العلماء يروون هذه الأحاديث مع غيرها مسندة ضمن كتب شاملة، كالمسانيد، والموطآت، والمصنفات، والصحاح، والسنن وغير ذلك من دواوين السنة.
ثم كانت الرحلة التالية، وهي استخراج هذه الأحاديث الخاصة بالأحكام والحلال والحرام- من تلك الدواوين- وترتيبها، وتبويبها، وتهذيبها مع حذف أسانيدها.
ولئن كان الحافظ عبد الغني لم يسبقه- فيما أعلم- سوى عبد الحق الإِشبيلي بأحكامه الثلاثة "الكبرى"، و"الوسطى"، و"الصغرى"، إلا أنه- أعني: الحافظ عبد الغني- يعتبر أول من أرسى معالم التصنيف في هذا الباب؛ إذ عبد الحق لم يقتصر على أحاديث الأحكام، وإنما "جمع مفترفًا من حديث رسول الله ﷺ في لوازم الشرع، وأحكامه، وحلاله وحرامه، وفي ضروب من الترغيب والترهيب، وذكر الثواب والعقاب ... إلى غير ذلك" (١).
أما الحافظ فقد قصر كتابيه على أحاديث الأحكاء والحلال والحرام، فله السبق في ذلك، فضلًا عن دقة الانتقاء والاختيار، وحسن السياقة والترتيب.
_________
(١) الأحكام الصغرى (١/ ٧١).
المقدمة / 16
وقد سبق لي وقمت بتحقيق كتاب "العمدة في الأحكام"، وهو المعروف بـ: "الأحكام الصغرى" للحافظ عبد الغني، وقد طبع والحمد لله بمكتبة المعارف بالرياض بالمملكة العربية السعودية.
وأنا اليوم إذ أقوم بدراسة هذا الكتاب- عمدة الأحكام الكبرى- وتحقيقه لأسأله ﷾ أن يتقبل مني عملي، وأن يجزي مؤلفه خير الجزاء، كما أسأله ﷾ أن يحل هذا الكتاب محله اللائق به في المكتبة الإسلامية، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
وبحثي هذا قد قسمته إلى ثلاثة أقسام، وهي:
• • القسم الأول: قسم الدراسة، ويشتمل هذا القسم على أربعة أبواب، وهي:
• الباب الأول: دراسة عن المؤلف الحافظ عبد الغني، وفيه فصلان:
الفصل الأول: السيرة الذاتية للحافظ عبد الغني، وفيه ثمانية مباحث، وهي:
١ - اسمه ونسبه.
٢ - كنيته.
٣ - مولده.
٤ - صفاته الخلقية.
٥ - أسرته.
٦ - كرمه وجوده.
٧ - وفاته ودفنه.
٨ - رثاؤه.
الفصل الثاني: السيرة العلمية للحافظ عبد الغني، وفيه ثلاثة عشر مبحثًا:
١ - نشأته وطلبه للعلم.
٢ - حفظه.
٢ - رحلاته.
٤ - أوقاته.
٥ - إفادته.
٦ - من فتاويه.
٧ - أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
٨ - عقيدته.
٩ - ما ابتلى به.
١٠ - شيوخه.
١١ - تلاميذه.
١٢ - ثناء النَّاس عليه، وحبهم له.
١٣ - مصنفاته.
المقدمة / 17
• الباب الثاني: دراسة عن المؤلَّف، وفيه سبعة مباحث، وهي:
١ - اسم الكتاب.
٢ - نسبة الكتاب للمؤلف.
٣ - مصادر المؤلف في الكتاب.
٤ - موضوع الكتاب.
٥ - منهج الحافظ عبد الغني في الكتاب.
٦ - ملاحظات لا مؤاخذات.
٧ - بين العمدتين.
• الباب الثالث: دراسة النسخة الخطية، وفيه سبعة مباحث، وهي:
١ - عنوان الكتاب.
٢ - العنوان المختار وسبب ذلك.
٣ - الناسخ وترجمته.
٤ - وصف النسخة.
٥ - تعليقات الحافظ الضياء على النسخة.
٦ - تاريخ النسخ.
٧ - خاتمة النسخة.
• الباب الرابع: خطة العمل في الكتاب.
• • القسم الثاني: تحقيق النص، والتَّعليق عليه.
• • القسم الثالث: صنع الفهارس، وتشمل:
١ - فهرس الآيات القرآنية.
٢ - فهرس أطراف الأحاديث النبوية.
٣ - فهرس الرواة وأرقام مروياتهم.
٤ - فهرس البلدان.
٥ - فهرس الأعلام.
٦ - فهرس الغريب.
٧ - فهرس المواضيع.
المقدمة / 18