إذا كان شافعيا ويصلي بلا تجديد طهارة تقليدا لأبي حنيفة كما أنه ليس له أن يصلي فرضا أو نفلا بغير الفاتحة مع قدرته عليها أو أن يصلي بالذكر مع قدرته على القرآن كما سيأتي إيضاحه في توجيه أقوال العلماء إن شاء الله تعالى على أن لك أيضا أن تصعد إلى فعل العزيمة مع المشقة إن اخترت ذلك على وجه المجاهدة لنفسك كما أن لك أيضا أن تنزل إلى الرخصة بشرطها في هذه الميزان وهو العجز عن غيرها حسا أو شرعا فقط وتكون على هدى من ربك في كل من المرتبتين ثم إنه قد يكون في الحكم الواحد أكثر من قولين فالحاذق يرد ما قارب التشديد إلى التشديد وما قارب التخفيف إلى التخفيف كالقول المفصل على حد سواء كما قدمناه في خطبة الميزان * ومحال أن يوجد دليلان أو قولان مشددان أو مخففان لا يلحق أحدهما بالآخر ولا يدخل فيه فإن شئت فامتحن ذلك في أقوال مذهبك مع بعضها بعضا وإن شئت فامتحن ذلك في مذهبك ومقابله من جميع المذاهب المخالفة له تجدهما لا يخرجان عن تخفيف وتشديد ولكل منهما رجال في حال مباشرة التكاليف كما مر في الميزان وكذلك ما أوجبه المجتهد أو حرمه باجتهاده فكله يرجع إلى المرتبتين فإن مقابل التحريم عدم التحريم الشامل للمندوب وقال بعضهم ما أوجبه المجتهد أو حرمه يكون في مرتبة الأولى ومقابله في مرتبة خلاف الأولى لأنه ليس لغير الشارع أن يحرم أو يوجب شيئا انتهى والحق أن للمجتهد المطلق أن يحرم ويوجب وانعقد إجماع العلماء على ذلك بل ولو قلنا بقول هذا البعض فهو يرجع إلى المرتبتين أيضا إذ الأولى في مرتبة التشديد غالبا لتحجير المطلوبية في الجملة سواء كان ذلك الأولى فعلا أو تركا وخلاف الأولى في مرتبة التخفيف غالبا فإن قال قائل فمن أين جعلتم كلام المجتهدين من جملة الشريعة مع أن الشارع لم يصرح بما استنبطوه فالجواب أنه يجب حملهم على أنهم علموا ذلك الوجوب أو التحريم من قرائن الأدلة أو علموا أنه مراد الشارع من طريق كشفهم لا بد لهم من أحد هذين الطريقين وقد يجتمعان عند بعض المجتهدين فإن قال قائل فما تقولون فيما ورد فردا من الأحاديث والأقوال فالجواب مثل ذلك لا مقابل له بل هو شرع مجمع عليه فلا يأتي فيه مرتبتا الميزان وذلك كالحديث الذي نسخ مقابله أو كالقول الذي رجع عنه المجتهد أو أجمع العلماء على خلافه فليس فيما ذكر إلا مرتبة واحدة لجميع المكلفين لعدم وجود مشقة على أحد في قوله ترجح على مشقة تركه خلاف ما فيه المشقة المذكورة فإنه يجئ فيه التخفيف والتشديد كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثلا فإنه ورد في كل منهما التخفيف والتشديد فالتشديد كونه عند بعضهم لا يسقط عن المكلف بخوفه على نفسه أو ماله والتخفيف سقوطه عنه بخوفه المذكور عند آخرين فالأول في حق الأقوياء في الدين كالعلماء والصالحين والثاني في حق الضعفاء من العوام في الإيمان واليقين * فإن قال قائل فهل تأتي المرتبتان في حق من يغير المنكر بتوجهه بقلبه إلى الله تعالى من الأولياء فيكسر إناء الخمر ويمنع الزاني من الزنا بحيلولته بحائل بينه وبين فرج الزانية مثلا فالجواب نعم تأتي فيه المرتبتان فمن الأولياء من يرى وجوب التوجه إلى الله تعالى في ذلك ويكون بذلك كالقادر على إزالة المنكر ومنهم من لا يرى وجوب ذلك بل يكره الاطلاع بكشفه على المنكرات الواقعة في الوجود من غير
صفحہ 19