مطالعته كما وقع لي ذلك مع بعض الأعداء فإنهم دسوا في كتابي المسمى بالبحر المورود في المواثيق والعهود أمورا تخالف ظاهر الشريعة وداروا بها في الجامع الأزهر وغيره وحصل بذلك فتنة عظيمة وما خمدت الفتنة حتى أرسلت لهم نسختي التي عليها خطوط العلماء ففتشتها العلماء فلم يجدوا فيها شيئا مما يخالف ظاهر الشريعة مما دسه الأعداء فالله تعالى يغفر لهم ويسامحهم والحمد لله رب العالمين ولنشرع في ذكر الفصول الموضحة للميزان فأقول وبالله التوفيق.
* (فصل) * أن قال قائل إن حملك جميع أقوال الأئمة المجتهدين على حالتين يرفع الخلاف ومعلوم أن الخلاف إذا تحقق بين عالمين مثلا لا يرتفع بالحمل * فالجواب والأمر كذلك لكن عند كل من لم يتحقق بذوق هذه الميزان أما من تحققها وحمل الحديثين أو القولين على حالين فإن الخلاف يرتفع عنده كما سيأتي إيضاحه في الفصول الآتية فأحمل يا أخي قول من قال أن الخلاف المحقق بين طائفتين لا يرتفع بالحمل على حالين على حال من لم يتعقل هذه الميزان وأحمل قول من قال إن الخلاف يرتفع بالحمل المذكور على من تعقلها لأنه لا يرى بين أقوال أهل الله تعالى خلافا محققا أبدا والحمد لله رب العالمين * (فصل) * إياك يا أخي أن تبادر أول سماعك لمرتبتي الميزان إلى فهم كون المرتبتين على التخيير مطلقا حتى أن المكلف يكون مخيرا بين فعل الرخصة والعزيمة في أي حكم شاء فقد قدمنا لك أن المرتبتين على الترتيب الوجوبي لا على التخيير بشرطه الآتي في أوائل الفصل السابع عند الاستثناء وأنه ليس الأولى لمن قدر على فعل العزيمة أن ينزل إلى فعل الرخصة الجائزة وقد دخل على بعض طلبة العلم وأنا أقرر في أدلة المذاهب وأقوال علمائها فتوهم إنني أقرر ذلك للطلبة على وجه التخيير بين فعل العزيمة والرخصة من حيث إن جميع الأئمة على هدى من ربهم فصار يحط على ويقول إن فلانا لا يتقيد بمذهب أي على طريق الذم والنقص لي لا على طريق وسع اطلاعي على أدلة الأئمة فالله تعالى يغفر له لعذره بعدم تعقل هذه الميزان الغريبة ويكون على علم جميع الإخوان إنني ما قررت مذهبا من مذاهب الأئمة إلا بعد اطلاعي على أدلة صاحبه لا على وجه حسن الظن به والتسليم له فقط كما يفعله بعضهم ومن شك في قولي هذا فلينظر في كتابي المسمى بالمنهج المبين في بيان أدلة المجتهدين فإنه يعرف صدقي يقينا وإنما لم اكتف بنسبة القول إلى الأئمة من غير اطلاعي على دليله لأن أحدهم قد يرجع عنه بخلاف ما إذا عرفت الأدلة في ذلك من كتاب أو سنة مثلا فإنه لا يصح مني رجوع عن تقرير ذلك المذهب كما يعرف ذلك من اطلع على توجيهي لكلام الأئمة الآتي من باب الطهارة إلى آخر أبواب الفقه فإني وجهت في هذه الميزان ما يقاس عليه جميع الأقوال المستعملة والمندرسة وعلمت أن الذين عملوا بتلك المذاهب ودانوا الله بها وأفتوا بها الناس إلى أن ماتوا كانوا على هدى من ربهم فيها عكس من يقول إنهم كانوا في ذلك على خطأ * فقد علمت يا أخي أنني لا أقول بتخيير المكلف بين العمل بالرخصة والعزيمة مع القدرة على فعل العزيمة المتعينة عليه معاذ الله أن أقول بذلك فإنه كالتلاعب بالدين كما مر في الميزان إنما تكون الرخصة للعاجز عن فعل العزيمة المذكورة قطعا لأنه حينئذ تصير الرخصة المذكورة
صفحہ 11