عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين

Ibn al-Qayyim al-Jawziyyah d. 751 AH
90

عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين

عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين

تحقیق کنندہ

إسماعيل بن غازي مرحبا

ناشر

دار عطاءات العلم ودار ابن حزم

ایڈیشن نمبر

الرابعة

اشاعت کا سال

1440 ہجری

پبلشر کا مقام

الرياض وبيروت

اصناف

تصوف
فصل وها هنا نكتة بديعة يجب التفطُّن لها، وينبغي إخلاءُ القلب لتأمُّلِها، وهي: أن هذا المغرور لما أذلَّ سلطان اللَّه الذي أعزه به وشرَّفه ورفع به قدره، وسلَّمه إلى أبغض (^١) أعدائه إليه، وجعلَه أسيرًا له تحت قهره وتصرّفه وسلطانه، سلَّط اللَّه عليه من كان حقُّه هو أن يتسلَّط عليه، فجعله تحت قهره وتصرفه وسلطانه، يسخِّره حيث شاء ويسخر منه، ويسخر منه جنده وحزبه. فكما أذل سلطان اللَّه وسلمه إلى عدوه أذله اللَّه وسلط عليه عدوّه الذي أمره أن يتسلط هو عليه ويذلَّه ويقهره، فصار بمنزلة من سلَّم نفسه إلى أعدى عدو له يسومه سوء العذاب، وقد كان بصدد أن يستأسره ويقهره ويشفي غيظه منه، فلما ترك مقاومته ومحاربته واستسلم له سلِّط عليه عقوبة له، قال تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠)﴾ [النحل: ٩٨ - ١٠٠]. فإن قيل: فقد أَثبت له على أوليائه هنا سلطانًا، فكيف نفاه في قوله تعالى حاكيًا عنه مقرًّا لقوله: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ [إبراهيم: ٢٢]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ﴾ [سبأ: ٢٠، ٢١].

(^١) في الأصل: "بعض"، وهو تحريف.

1 / 43