العُدّة
في إعراب العُمدَة
تأليف
الشيخ الإمام العلامة بدر الدين أبي محمد عبد الله
ابن الإمام العلامة أبي عبد الله محمد
ابن فرحون المدني
رحمةُ الله عليه
تحقيق
مكتب الهدي لتحقيق التراث
أبو عبد الرحمن عادل بن سعد
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 2
العُدّة
في إعراب العمدة
الجزء الأول
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولي
رقم الإيداع
الرقم الدولي (ردمك):
دار الإمام البخاري
الدوحة -قطر
الدوحة-قطر-طريق سلوي- بجوار إشارة الغانم الجديد
ص. ب ٢٩٩٩٩ - هاتف: ٠٠٩٧٤٤٤٦٨٤٨٤٨ - فاكس ٠٠٩٧٤٤٤٦٨٥٥٨٨
[email protected]
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمي الأمين، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن سار على دربهم إلى يوم الدين.
نحمده أن خصّ هذه الأمة بالإعراب والإسناد، وجعل لسَلفها خَلفًا ولعِلمها البقاء والامتداد.
ثم أمّا بعد:
فقد صنّف العُلماء قديمًا وحديثا فأكثروا في إعراب القرآن، ولم يتجه إلّا قلة من القُدماء إلى التصنيف في إعراب الحديث النبوي، فلا يقف المطالع إلّا على كتاب أبي البقاء العكبري (ت ٦١٦ هـ) واسمه "إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث النبوي" أورد فيه أحاديث من المسند وأعربها بترتيب المسانيد، وآخر لجمال الدين بن مالك (ت ٦٧٢ هـ)، واسمه "شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح" وهو على صحيح البخاري، وثالث لليفرني التلمساني (ت ٦٢٥ هـ) واسمه "الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب" (١)، ورابع للسيوطي (٩١١ هـ) واسمه "عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد" رتبه على المسانيد.
وها هو خامس الخمسة، ضيف جديد يحلّ على مائدة إعراب الحديث، كتاب "العدة في إعراب العمدة"، وهو يتعلّق بأحاديث كتاب "عمدة الأحكام" للشيخ عبد الغني المقدسي (ت ٦٠٠ هـ). صنفه الشيخ العلامة بدر الدين عبد الله بن محمد، الشهير بابن فرحون (ت ٧٦٩ هـ)، عالم العربية بالحجاز.
_________
(١) طبع بمكتبة العبيكان، ٢ مجلد.
1 / 5
واعلم أنّ سبب قلة التأليف في هذا العلم وقلة الاستشهاد بالحديث النبوي هو رواية الحديث بالمعنى، ونقل الأعاجم له، ومنه ما يوافق الإعراب والفصيح وما لا يوافقه، وأكثر من استشهد بها ابن مالك، كما ذكر السيوطي وغيره (١).
هذا ولا يفوتنا أن نتقدم بالشكر لكل من ساهم في خروج هذا العمل القيم في صورته هذه، وهو نتاج تعاون من فريق العمل بالمكتب، ونخص منهم بالذكر فضيلة الشيخ نصر طه نصر، وفضيلة الشيخ عبد العزيز حامد وغيرهم.
أسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه، وأن يجعله في ميزان حسناتنا، فإن العمل في نشر العلم النافع من أفضل القربات إلى الله.
أبو عبد الرحمن عادل بن سعد
* * *
_________
(١) انظر: عقود الزبرجد للسيوطي (١/ ص ٦٧ وما بعدها).
1 / 6
ترجمة ابن فرحون (١)
اسمه ونسبه:
هو عبد الله بن محمد بن أبي القاسم فرحون بن محمد بن فرحون، بدر الدّين أبو محمد بن أبي عبد الله بن أبي الفضل، اليعمري، [الأيدي، ثم الجبائي] (٢)، التونسي الأصل، نزيل المدينة وقاضيها، المالكي ومؤرّخها، المفسر، النحوي.
أصله من تونس (٣)، انتقلت أسرته إلى المدينة المنورة، وكان بيتهم بيت علم ورياسة وقضاء.
ولادته:
ولد الإمام في سنة ٦٩٣ هـ بالمدينة المنورة، ونشأ بها، وكان أول أولاد أبيه وأمه، وهي الشريفة ابنة عبد الواحد الحسيني صالحة.
نشأته وتعلّمه:
نشأ الإمام في بيت عِلم -كما قدّمنا- فتلقى العلم على أبيه وبعض أعمامه،
_________
(١) مصادر الترجمة: الدرر الكامنة (٣/ ٨٤)، البداية والنهاية لابن كثير (١٤/ ١٠١)، والديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب (١/ ٤٥٤ وما بعدها)، والتحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة للسخاوي (٢/ ٨٠، ٨٥ وما بعدها، ١٧٣، ٣٠٩، ٤٣٣)، الضوء اللامع (٥/ ٥٥)، وهدية العارفين (١/ ٤٦٧)، وشجرة النور الزكية في طبقات المالكية (١/ ٢٩١)، والأعلام للزركلي (٤/ ١٢٦)، الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة (ص ١٥).
(٢) هي ببعض المصادر: "الجيّاني الأصل". فهي نسبة لـ "جَيّان" من بلاد الأندلس، وبجيان بلدة تسمّى "أُبَّدَة"، فلعل "الأيدي" تصحيف. وإذا ثبت هذا: فإن أصله أندلسي جيّاني، واستقرت عائلته بتونس، ثم بالمدينة. وانظر: معجم البلدان (١/ ٦٤).
(٣) ذكر ابن حجر في "الدرر الكامنة" أن أصله أندلسي.
1 / 7
فأخذ علوم العربية وعلم الحديث في أوّل طلبه للعلم على أبيه الذي كان من مصابيح الدّجى وبعض أعمامه.
قال اليعمري في الديباج: سمعته يقول: "لازمتُ تفسير ابن عطية حتى كدت أحفظه".
وكان بارعًا في علم العربية، وتآليفه فيها شاهدة له بذلك.
ولما لقيه الشيخ أثير الدين أبو حيّان -شيخ عصره وإمام وقته في العربية- ووقف على كلامه في "إعراب بانت سعاد"، فقال: "ما ظننتُ أنه يوجَد بالحجاز مثل هذا الرجل"، واستعظم علمه، وأثنى عليه.
قال اليعمري في الديباج: وسمعتُه يقول: "اشتغلتُ في علم العربية وأنا ابن ثمان عشرة سنة"، وتخرّج عليه فيها جماعة فضلاء.
شيوخه:
قرأ الشيخ القرآن أولًا، ثم أخذ بعلم الحديث الفقه والعربية، ومن مشايخه: والده، مدرس المالكية بالمدينة، ومحمد بن حريث البلنسي، الشيخ عز الدين يوسف الزرندي، والشيخ جمال الدين محمد بن أحمد المقري، والشيخ شرف الدين الزبير الأسواني، وسراج الدين الدمنهوري. وسمع بمكّة من الشيخ رضي الدين الطبري. وغير هؤلاء.
وخرّج له الفقيه المحدّث شرف الدين بن [سكر] (١) المصري -نزيل مكة المشرفة- مشيخة كثيرة حفيلة مشتملة على ذكر شيوخه ومَروياته.
تلاميذه:
سمع منه وتتلمذ عليه خلق كثيرون، منهم: الحافظ العراقي، والجمال محمد
_________
(١) هي في بعض المراجع: "بكر"، وفي أخرى: "سكن".
1 / 8
وعبد الله وعبد السلام الكازروني، وابن العجمي الشويكي.
وقد حدّث ودرّس وأفاد، وإليه انتهت الرياسة بالمدينة النبوية، وأقام مدرسًا للطائفة المالكية ومتصدرًا للاشتغال بالحرم النبوي أكثر من خمسين سنة، وانفرد في آخر عمره بعلو الإسناد، فلم يكن في المدينة أعلى سنًا وسندًا منه، وكان صبورًا على السماع والأشغال، وكان كهفًا لأهل السّنة، يذب عنهم، ويناضل الأمراء والأشراف، وانتهى بذلك إلى أن امتحن؛ فرُصد في السّحر بطريق الحرم فطعن طعنة عظيمة أريد فيها قتله، فصرف الله شرّها، وعافاه منها.
قال اليعمري: وكان عليه مَدار أمور الناس بالمدينة النبوية، وناب في القضاء نحو أربعة وعشرين سنة، وأمّ في المحراب النبوي في بعض الصلوات، ودُعي إلى أن يقوم بالخطابة والإمامة نائبًا فامتنع إعظامًا للمقام النبوي. وكان كثير التلاوة ليلًا ونهارًا، خصوصًا في آخر عمره، حتى إني شاهدته في أيام الموسم والنّاس في أشد ما هُم فيه من الاشتغال وهو مشغول بوِرْده في التّلاوة لا يقطعه عنه شيء، وكان يحيي غالبًا الثّلث الأخير من الليل بالصّلاة والتّلاوة من حَداثة سنّه إلى أن ثقل بمرض الموت ﵀ ... ولم يخرج من المدينة إلّا إلى مكة المشرّفة للحَج إلى أن مات بالمدينة. وكان ممن جمع الله تعالى له العلم والعمل والدنيا والدّين، فكان أعظم أهل المدينة يسارًا، وأكثرهم عقارًا، وأوسعهم جاهًا، وأنفذهم كلمة، وأعظمهم حُرمة، وألينهم عريكة، وأحسنهم بشاشة، صبورًا على الأذى، يجزي بالحسنة السيئة، ويسع الناس بخُلقه، ويواسي الفقراء بمعروفه، ويصل أعداءه ببره، ويحفظ من مات منهم في ذريته. وبهمّته وسياسته أزال الله تعالى أحكام الطائفة الإمامية من المدينة؛ فعُزلت قضاتهم، وانكسرت شوكتهم، وخمدت نارهم، وذلك أنه لما باشر الأحكام نيابة عن القاضي تقيّ الدّين الهوريني في سنة ست وأربعين وسبعمائة سعى في عَزل قُضاتهم؛ فنُودي في شوارع المدينة بتبطيل أحكامهم والإعراض عن حُكامهم، فكان ذلك أوّل أسباب قُوة أهل السّنة وعلو أمرهم، وكم له من حَسنات في تمهيد إعزاز السّنة
1 / 9
وإخماد البدعة، نفعه الله بنيته، وتغمده برحمته.
مصنفاته:
الدر المخلص من التقصي والملخص، في الحديث. وشرحه في: كشف المغطى في شرح مختصر الموطأ، أربع مجلدات. كفاية الطلاب في شرح مختصر الجلاب. نهاية الغاية في شرح الآية. أسئلة وأجوبة على آيات من القرآن. التيسير في علمي البناء والتغيير، في النحو. المسالك الجلية في القواعد (الفوائد) العربية. شفاء الفؤاد في إعراب بانت سعاد. شرح قواعد الإعراب لابن هشام.
العدة في إعراب العمدة (وهو كتابنا هذا) في الحديث، أعربها إعرابًا جامعًا لوجوه الإعراب واللغة والاشتقاقات، وسلك فيه مسلكًا غريبًا لم يُسبق إلى مثله، وهو آخر ما ألّف، وقُرئ عليه (يسيرًا) مرارًا. وذكر البعض أنه مجلدان.
وله أيضًا: تاريخ المدينة "نصيحة المشاور وتغذية المجاور". وله نظم كثير، ختم تاريخه بعدة قصائد منه.
وكتبه كُلها في غاية الجودة والإتقان.
وفاته:
قال اليعمري: لما حجّ آخر حجّاته قال: "هذه حجّة الوداع"، فلما أحس بالمرض أمر بحفر قبره في بقعة مخصوصة، فظهر مقطع جص لم يدفن فيه أحد قبله، وأوصى أن يعتق عند قبره عبيد، وأن يتصدق على الفقراء بصدقة واسعة، وكتب وصيته بيده، وأخرج من ماله وصايا وتبرعات وصدقات وأوقافًا نحو ثلاثين ألفًا، ووقف على الفقراء فرنًا تُصرف غلته عليهم في كل يوم، وأعتق في حياته عدّة عبيد وإماء، وكان له خادم في الحرم تقرّب به لخدمة الضريح النبوي، وكان مطمئن النفس بلقاء الله ﷿ مُستحضرًا لما ينبغي استحضاره.
قال: ولما دخل في السياق ذكّرته؛ فقال: "ما أنا بغافل"، رحمه الله تعالى.
1 / 10
ويشبه هذا الجواب ما وقع للشيخ تاج الدين الفاكهاني -لما حضرته الوفاة- قال صهره الفقيه ميمون: تشهدت بين يديه، ففتح الشيخ عينيه، وأنشد:
وغدا يذكرني عهودًا بالحمى ... ومتى نسيت العهد حتى أذكرا؟
توفي ﵀ يوم الجمعة عاشر ربيع الأخير سنة تسع وستين وسبعمائة. ودفن بمقبرتهم بالبقيع.
* * *
1 / 11
نبذة من ترجمه الإمام ابن قدامة (١)
هو الشيخ الإمام الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر الجماعيلي مولدًا، المقدسي مقامًا، الحنبلي مذهبًا.
ولد في عام ٥٤١ هـ، وكان سنّه في سن الإمام المشهور "الموفق بن قدامة"، وبينهما صحبة وزمالة في الدراسة، إلا أنّ "الموفق" يميل إلى الفقه، والمؤلف يميل إلى الحديث.
رحلا جميعًا إلى "بغداد" لطلب العلم، فلقيا بها أفاضل العلماء، فأخذا عنهم. ومن مشايخهما في بغداد: الشيخ "عبد القادر الجيلاني" و"ابن المنى"، وكان المترجم له ﵀ جوالًا في طلب العلم، رحالًا إليه؛ فدخل مصر ثم أصبهان، ثم رجع إلى دمشق، ولقي في هذه البلاد كبار العلماء، فقرأ عليهم، وأخذ عنهم، وباحثهم. فلما استقر به التسيار في "دمشق" عكف على التدريس والتأليف والنّسخ والعبادة.
وقد ذكر "ابن رجب" ثناء العُلماء عليه، وحفظه لمتون الأحاديث وأسانيدها، حتى لقبه بـ "أمير المؤمنين في الحديث". ثم وصفه بالعبادة والورع وحُسن العقيدة، لاقتفائه آثار السلف الصالح.
ووصفه "الموفق" بأنه رفيقه في العبادة، فقال: "ما كنا نستبق إلى خير إلا سبقني إليه، إلا القليل".
له من المصنفات ما يزيد على أربعين مصنفًا، في الحديث، والتوحيد، والفقه، والمواعظ، والأخلاق. والأخبار، منها: الكمَال في معرفة رِجَال الكتب الستة، الجامع الصغير في الأحكام، اليَواقيت، المصباح في عيون الأحاديث الصِّحاحِ (مستخرج
_________
(١) انظر: سير أعلام النبلاء (٢١/ ٤٤٣)، تاريخ الإسلام (١٢/ ١٢٠٣)، الأعلام للزركلي (٤/ ٣٤).
1 / 12
على الصحيحين)، ذمّ الغِيبَة، فضائل مكَّة، الآثار المرضية في فضائل خير البرية.
وتوفي-﵀ يوم الاثنين، الثالث والعشرين من شهر ربيع الأوّل من سنة ستمائة، فرحم الله الشيخ رحمة واسعة، آمين.
***
1 / 13
وصف النسختين الخطيتين
اعتدنا في تحقيق هذا الكتاب القيم على نسختين:
النسخة الأولى:
وهي مصوّرة النسخة العتيقة المحفوظة بدار الكتب المصرية، مجلد، تحت رقم (٣٩٥) حديث. وتقع في ٢٣٨ لوحة، ومسطرتها مختلفة (٢٧: ٣٤) سطر، من القطع الكبير، (١٩) كلمة بالسطر. وتميزت بخط جميل، واستخدم المداد الأحمر للعناوين وللفظ "قوله". وقد تأثر المخطوط بعوامل الزمن وسوء الحفظ؛ فتمزق وقطع منه بعض جوانب الأوراق في أوله وفي آخره، بالإضافة لتأثره بالرطوبة والتخريم في مواضع كثيرة.
وقد خلت النسخة تقريبًا من النقط والشكل. واستعمل ناسخها الخط الأفقي المائل بالأحمر فوق الكلمة كعلامة إسقاط أو حذف، والخط الأفقي الأسود باتجاه السقط له، واستعمل "م م" كعلامة التقديم والتأخير، وكتب الكاف كاللام المائلة يسارًا، وأمال الألف بكتابتها ياء في بعض المواضع.
وهي نسخة منقولة من نسخة المصنف أو من نسخة قرئت عليه، ويتضح من الهامش أنها قوبلت على نُسخة لعلها نُسخة المصنف، وأضيف إليها ورقة كتب بها سقط بمقدارها بخط مغاير. وبرغم هذا تعاني النسخة من سقط مؤثر في مواضع. وبغلافها كتب عنوان الكتاب "العدة في إعراب العمدة"، وكتب: "وقف لله تعالى بالمدرسة الباسطية"، وكتب "٤٥ شافعي عبد الباسط"، وكتب عليه أيضًا ترجمتين، الأولى ظن كاتبها أنها لابن فرحون، والثانية لأخيه محمد، نقلهما من "الضوء اللامع" (١)، وصدّرها كاتبها بـ "قال العم"، وبعض الترجمة وآخرها غير واضح، ثم
_________
(١) انظر: الضوء اللامع (٥/ ٥٥)، (٩/ ١٢٧).
1 / 14
ظهر لي أن الأولى ترجمة حفيد ابن فرحون، واسمه أيضًا "عبد الله بن محمد"، والثانية لأخيه الحفيد الآخر.
ولم يتضح لنا زمن نسخ هذه النسخة، إلا أنها قديمة، وقد سجل ناسخها نقلًا عن خط ابن فرحون أنها قرئت عليه سنة ٧٦٦ هـ، قرأها عليه الشيخ تاج الدين عبد الواحد بن الشيخ عمر المرحوم (الخراز) بحضور الشيخين الإمامين شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن علي المعروف بابن جابر الأندلسي، وشهاب الدين أبي جعفر أحمد بن يوسف بن مالك الرعيني الأندلسي.
وإذا أردنا تقريب زمان كتابتها قلنا إنّ "المدرسة الباسطية" تذكر المصادر أنه قد أنشاها ناظر الجيوش وعزيز المملكة القاضي عبد الباسط بن خليل بن إبرا هيم (ت ٨٥٤ هـ) بالمدينة المنورة سنة بضع وأربعين وثمانمائة، وهي الآن "مدرسة البنات الإسلامية"، فتاريخ نَسخها مُقارب لهذا التاريخ، وتذكر المصادر أنّ له مدرسة بمكة والقدس وغيرهما أيضًا. ويؤكّد ما قلناه أن القسطلاني (ت ٩٢٣ هـ، وقد جاور مرتين بمكة) (١) نقل في "إرشاد الساري" من نُسخة من "العُدّة" نظن من خلال المقارنة لمواضع السقط والخرم بين "العدة" والإرشاد أنها هي هذه النسخة.
النسخه الثانية:
وهي مصوّرة من النسخة المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (١٩٤٣٩). وتقع في مجلدين، (٦١٩) لوحة، ومسطرتها (٢١) سطر، (١٠) كلمات بالسطر. وهي بخط نسخ جيد.
وهذه النسخة نُسخت على نفقة دار الكتب المصرية، بواسطة محمد أحمد فتح
_________
(١) راجع فيما سبق: الضوء اللامع (٢/ ١٠٣)، وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى للسمهودي (٢/ ٢٣٨)، البدر الطالع للشوكاني (١/ ١٠٢، ٣١٥ وما بعدها)، خطط الشام (٦/ ١١٩، ١٢٠، ١٣١)، الأعلام (٣/ ٢٧٠).
1 / 15
الله، من النسخة الخطيّة "الأولى" المحفوظة بها، وقد استفدنا منها كثيرًا، فقد يسرت قراءة بعض المواضع؛ ذلك أنها نُسخت -نظن- قبل أن تزداد حالة النسخة الأصل سوءًا، إلا أنّ الناسخ قد أشكل عليه مواضع كثيرة أيضًا فبيض لها.
ولا بُد هنا أن ننبّه على مدى أهمية النسخ المساعدة المتمثلة في المصادر التي أخذ عنها المصنف أو أخذت عنه، ولو بدون إشارة، ومنها هنا على سبيل المثال: البحر المحيط، إحكام الأحكام، رياض الأفهام، شواهد التوضيح، النهاية، مغني اللبيب، أوضح المسالك، الصّحاح، عقود الزبرجد، إرشاد السّاري.
* * *
1 / 16
منهجُ العَمل في الكِتَاب
اتّبعنا في عَملنا في هذا الكِتَاب المنهج والخطوات التالية: -
١ - اعتمدنا النّسخة رقم (٣٩٥) حديث أصلًا للعمل، ورَمَزنا لها بـ "الأصل". ورَمزنا للنّسخة الأخرى الحديثة رقم (١٩٤٣٩) بالحرف (ب).
٢ - قُمنا أولًا بنَسْخ النّسخة (ب)؛ لسهولة النّسْخ والقراءة منها، ثُم المُقابلة بالأصل. مع مقابلة النصوص المُقتبسة على مصادرها وكُتب أخرى.
٣ - أهملنا ذكْر فروق النسخة (ب)، في غير المواضع التي يُحتاج فيها إليها؛ نظرًا لأنها منسوخة أساسًا من النسخة "الأصل".
٤ - تم الضّبط بالشّكْل لما يُشكِل، وللقِراءات والأحاديث والشّعر، غالبًا.
٥ - تمييز الكَلمة أو العبارة التي عَلق عليها الشّيخ ابن فرحون، مع قوسين.
٦ - السّقط اليقين نُثبته بالصّلب، مع بيان مصدره.
٧ - التصحيف والتحريف وما كان طَريقة ناسِخ -كما في إمالة ناسخ "الأصل" الألِف وكتابتها "ياء" في بعض المواضع- نُثبت صَوابه بالصّلب، مع التنبيه بالهامش، وذكْر المصدَر. وهذا فيما تُيقّن وقوعُ الخطأ فيه.
٨ - إذا وجدت كَلمة أو أكثر مطموسة أو غير مقروءة أو غير واضحة بالأصل بالنسبة لنا، نُثبتها من النسخة (ب) إن كان لمَا فيها وجْه، وإلّا قارَبْنَا مع الاستعانة بالمصادر أو نظير المسألة بموضع آخر، وإلّا وضعنا نقاطًا بين قوسين [...]، مع التنبيه بالهامش في كُلّ هذه الحالات.
٩ - في مواضع الخرم أو الكشط أو القَطع: إنْ تبيّن لنا من خلال النسخة (ب) أو المصادر أو النظير أو متن "عمدة الأحكام" ما يدلّ على هذا الموضع أثبتناه أو بعضه في حدود عَدَد الكَلمات المفقودة تقريبًا، وإلّا وضعنا بهذا الموضع نقاطًا بين
1 / 17
قوسين [...]، مع التنبيه في كُلّ هذه الحالات بالهامش، وبيان قَدْره وعَدَده.
١٠ - قمنا بإصلاح الأخطاء النّحوية التي ليس لها وَجْه بأصل الكتاب، مع الإشارة غالبًا. وما كَان له وَجْه أو اشتبه علينا أبقيناه مع الإشارة.
١١ - التنبيه بـ "كذا بالنسخ" على المواضِع المُشكلة أو المُغلَقة، غالبًا.
١٢ - سقط من النسخ بعض عناوين أبواب أو كُتب أو ترقيم أحاديث، فكنا نُضيفها، مع تغيير ما يلزم من أرقام الأحاديث بعدَها، وقد سَاعدنا الفهرس الذي وضعه ابن فرحون في ضبط هذه الأمور كثيرًا، وفي استكمال الإحالات.
١٣ - ألحَقنا بالصُّلب أرقام لوحات النسخة "الأصل"، هكذا [ق ٩] مثلًا.
١٤ - تم ترقيم أحاديث متن "عُمدة الأحكام" بتسلسل، مع تشكيل هذه الأحاديث بالحرَكَات، وتمييزها، وفصلها بخَط أفقي عن الشّرح والإعراب. وقد راعينا في إثبات ألفاظ المتن ما شرح عليه ابن فرحون، مع المقارنة بنُسَخ "العُمدة" المطبوعة الأخرى. وقد تمّ إثبات ما أسقَطه ابن فرحون من أحاديث أو سقط بنُسخته ولم يشرح عليه، دون أن يكون لهذا تأثير على ترقيمه للأحاديث المهم بالنسبة للإحالات، مع الإشارة بالهامش.
١٥ - تمّ وضع الآيات الواردة بالإعراب كقراءة، بين قوسين " "، مع تمييزها وتشكيلها، وتخريجها بالهامش، مع تخريج القراءة.
١٦ - تخريج الأحاديث والرّوايات والآثار باختصار، والحُكم إنْ وجد.
١٧ - عزو الأبيات لقائلها إنْ جُهل، وذكر بَحْرها وبَقيّتها، وبيان الغَريب والرّوايات والشّاهد أحيانًا. مع مُلاحظة أنّ بعض أبيات الرجز تتوسّط السّطر.
١٧ - روعي في التعليق على النصّ أن يكُون على ما يَلزَم، وبقدْر الحاجَة، وفي أضيق الحُدود، كسَهْو الشّارح وإيضاح مُجمَل.
١٨ - توثيق المسَائل النّحوية واللغوية من مصادرها، مع حصر جوانبها، كُلّ
1 / 18
ذلك بحسب الجهد والطّاقة. ونظرًا لتكرار بعض المسَائل: قد يُلاحِظ القَارئ التوسّع في مصادر التوثيق بمواضع، والتخفّف منها في أخرى.
١٩ - راعينا تقديم الأقْدَس والأهَمّ والأقْدَم غالبًا بترتيب مَراجِع الهوامش.
٢٠ - تم عَمل فَهارس للآيات الوارِدَة بالكِتاب، ثُم لأحاديث متن "عُمدة الأحكام"، ثُم للشّعر، ثم للمَصادر، وأخيرًا للموضُوعات.
ونرجُو من الله تعالى أن نكُون قد التزمنا بهذا المنهج الموضوع، وأن يغفر لنا ما أخطأنا فيه، وأنْ يعذُرنا القارئ الكريم على التقصير. والله ولي التوفيق.
* * *
1 / 19
نماذج من صور المخطوط
نماذج من النسخة الأصل
1 / 20