Correction of the Hadith on Breaking the Fast after Fajr
تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفرة بعد الفجر
ناشر
مكتبة المعارف
ایڈیشن نمبر
الطبعة الشرعية الوحيدة ١٤٢١هـ
اشاعت کا سال
٢٠٠١م
اصناف
مقدمه
...
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
أما بعد فإني أقدم اليوم إلى القراء الكرام بحوثا طريفة ومناقشات مفيدة إن شاء الله تعالى تعرض لهم لونا جديدا من ألوان التحقيق العلمي الحديثي والفقهي معا حول مسألة هامة كثيرا ما يبدو لبعضهم الحاجة إليها ومعرفة الرأي الصائب فيها ألا وهي "إفطار الصائم في رمضان قبل سفره بعد الفجر".
وإن من الغرائب أن يتوجه بعض الناس اليوم إلى إنكار الحديث الوارد فيها والذي يحدد للمسلم الموقف الذي يجب أن يتخذه منها مع صحة إسناده وعدالة رواته ومطابقته لظاهر القرآن وشهادة الآثار السلفية له وموافقته لأصل من أصول الشريعة الغراء: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ
1 / 3
الْعُسْرَ﴾ وعمل به جماعة من أئمة الفقه والحديث.
وما ذلك منه إلا تعصبا لفرعه المذهبي خلافا لما صح عن إمامه كأصل من أصوله: "إذا صح الحديث فهو مذهبي"١.
وقد كنت نشرت هذه البحوث في مجلة التمدن الإسلامي الزاهرة "عدد ٢٥ - ٣٦ سنة ١٣٧٩" في ثلاث مقالات متتابعة فبدا لي فصلها من المجلة ونشرها في رسالة مستقلة كما جاءت في المجلة رجاء أن يعم النفع بها أكثر ويكون أجرنا إن شاء الله تعالى أكبر.
أسأل الله ﷿ أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وأن ينفع النفع العميم.
دمشق مساء يوم عرفة سنة ١٣٧٩ هـ.
محمد ناصر الدين الألباني.
_________
١ انظر مقدمة كتابنا "صفة صلاة النبي ﷺ" وهو من مطبوعات مكتبة المعارف بالرياض.
1 / 4
مدخل
...
سبق أن علق الأستاذ الشيخ ناصر الدين الألباني بكلمة على فتوى في هذه المجلة حول هذا الموضوع فبين أن من السنة أن يفطر الصائم في بيته قبل مبارحته وقد وردتنا من الأستاذ الشيخ عبد الله بن محمد الهرري - بواسطة الأستاذ الشيخ حمدي الجويجاني - كلمة ذكر فيها أن بعض القراء عرض عليه تلك الكلمة فرآها مستندة إلى حديث ضعيف وأطلعنا الأستاذ الألباني على كلمة الأستاذ الهرري فأيد ما ذهب إليه من قبل بكلمة جديدة فننشر الكلمتين فيما يلي:
١ - قال الأستاذ الهرري: "في جامع الترمذي: باب فيمن أكل ثم خرج سفرا حدثنا قتيبة حدثنا عبد الله بن جعفر عن زيد بن أسلم عن محمد بن المنكدر عن محمد بن كعب قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرا وقد رحلت راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلت: سنة قال: سنة ثم.
١ - قال الأستاذ الهرري: "في جامع الترمذي: باب فيمن أكل ثم خرج سفرا حدثنا قتيبة حدثنا عبد الله بن جعفر عن زيد بن أسلم عن محمد بن المنكدر عن محمد بن كعب قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرا وقد رحلت راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلت: سنة قال: سنة ثم.
1 / 5
ركب.
حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر حدثني زيد بن أسلم حدثني محمد بن المنكدر عن محمد بن كعب قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان فذكر نحوه.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن ومحمد بن جعفر هو ابن أبي كثير مدني ثقة وهو أخو إسماعيل بن جعفر وعبد الله بن جعفر هو ابن أبي نجيح والد علي بن المديني وكان يحيى بن معين يضعفه وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث وقال: للمسافر أن يفطر في بيته قبل أن يخرج وليس له أن يقصر حتى يخرج من جدار المدينة أو القرية وهو قول إسحق.
فهذا التحسين من الترمذي مردود فقد ضعف هذا الحديث حافظان أحدهما من المتقدمين والآخر من المتأخرين:
1 / 6
الأول: هو الحافظ الناقد أبو حاتم الرازي قال ابنه الحافظ عبد الرحمن في "العلل" "ص ٢٤٠" ما نصه:
"سألت أبي عن حديث رواه عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن زيد بن أسلم عن محمد بن كعب أنه أتى أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرا فوجده قد رحلت راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلنا: سنة قال: ليس بسنة.
ورواه محمد بن عبد الرحمن بن مجبر عن ابن المنكدر عن محمد بن كعب أنه أتى أنس بن مالك فذكر الحديث قال: فقلت: سنة قال: سنة قال أبي حديث الدراوردي أصح" أهـ.
فهذا هو كما هو ظاهر صريح في أن رواية الترمذي مرجوحة وأن الراجح رواية النفي.
والثاني: فهو الحافظ العراقي زين الدين عبد الرحيم شيخ.
1 / 7
الحافظ ابن حجر قال في شرحه على الترمذي: "يوجد في المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة نسخة خطية برقم ١٦٨".
حديث أنس هذا انفرد بإخراجه الترمذي وحسنه لمتابعة محمد بن جعفر لعبد الله بن جعفر وإلا فعبد الله ضعيف كما حكى المصنف تضعيفه عن ابن معين فإنه قال فيه: ليس بشيء وقال فيه أبو حاتم الرازي: منكر الحديث جدا وقال فيه النسائي: متروك الحديث وقال الفلاس: ضعيف الحديث وقال فيه الدارقطني: كثير المناكير وقال أبو حاتم: كان يهم في الأخبار فيأتي بها مقلوبة ويخطئ في الآثار حتى كأنها مقلوبة وقال ابن عدي: عامة أحاديثه لا يتابعه عليه أحد وهو مع ضعفه ممن يكتب حديثه قال صاحب الميزان: وهو متفق على ضعفه. أهـ.
قال: وإن الترمذي إنما حسن الحديث لكون عبد الله بن جعفر لم ينفرد به بل تابعه عليه محمد بن جعفر بن أبي كثير.
1 / 8
المدني وهو ثقة كما قال الترمذي.
إذا تقرر هذا فهنا أمر يجب التنبيه عليه فمحل الحجة من الحديث كون أنس قال فيه إنه سنة وحكم الصحابي على "أمر" بأنه سنة يكون حكمه حكم الحديث المرفوع على ما هو مقرر في علوم الحديث والأصول وهذه اللفظة إنما رواها على الجزم عبد الله بن جعفر وهو متفق على ضعفه كما تقدم.
وأما طريق محمد بن جعفر فلم يسق الترمذي لفظها وإنما قال فذكر نحوه وهذا لا يقتضي أنه بلفظه كما هو مقرر في علوم الحديث.
ثم فتشنا عن لفظ رواية محمد بن جعفر بن أبي كثير فوجدناه لم يجزم بهذه اللفظة كما جزم بها عبد الله بن جعفر رواه كذلك إسماعيل بن إسحق القاضي في كتاب "الصيام".
قال: حدثنا عيسى بن مينا قال: حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير عن زيد بن أسلم عن ابن المنكدر عن محمد بن كعب.
1 / 9
قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرا فأكل فقلت: سنة؟ فلا أحسبه إلا قال: نعم.
فهذا لفظ رواية محمد بن جعفر وقد شك بعض رواته في هذه اللفظة وهو عمدة الاحتجاج ولكن قد رواها الدارقطني في سننه عن أبي بكر النيسابوري عن إسماعيل بن إسحق بن سهل عن ابن أبي مريم عن محمد بن جعفر فذكره ولم يشك في هذه اللفظة بل قال: فقلت: سنة قال: نعم.
قال ابن العربي: حديث أنس صحيح لم يقل به إلا أحمد بن حنبل.
قلت: اختلف فيه على بن سعيد بن أبي مريم فقال إسماعيل بن إسحق عنه ما تقدم وخالف يحيى بن أيوب العلاف فجعل القصة في الإفطار يوم الشك لا إرادة السفر.
كذلك رواه الطبراني في المعجم الأوسط قال: حدثنا يحيى بن أيوب العلاف قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا.
1 / 10
محمد بن جعفر بن أبي كثير عن زيد بن أسلم عن محمد بن المنكدر عن محمد بن كعب قال: دخلت على أنس بن مالك عند العصر يوم يشكون وأنا أريد أن أسلم عليه فدعا بطعام فأكل فقلت: هذا الذي صنعت سنة؟ قال: نعم.
وقد تابع سعيد بن أبي مريم على روايته على هذا الوجه خالد بن نزار رواه الطبراني أيضا في الأوسط قال: حدثنا المقدام هو ابن داود حدثنا خالد بن نزار حدثنا محمد بن جعفر فالحديث إذا اضطرب ليس بصحيح.
ثم فتشنا هل نجد أحدا تابع عبد الله بن جعفر ومحمد بن جعفر على رواية هذا الحديث عن زيد بن أسلم ليقوى به أحد الروايتين فوجدنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي وهو أحد رجال الصحيح قد رواه عن زيد بن أسلم عكس رواية عبد الله بن جعفر رواه كذلك أيضا إسماعيل القاضي قال: حدثنا علي بن المديني وإبراهيم بن.
1 / 11
حمزة عن الدراوردي عن زيد بن أسلم بإسناده وقال فيه فقلت له: سنة؟ فقال: لا ثم ركب..
وهذه الطريق أقوى من طريق عبد الله بن جعفر فوجدنا الطريقين صحيحين أحدهما فيه الشك في اللفظة والأخرى عكسها وفي الطبراني حمل الحديث على معنى غير الفطر للسفر فتبين ضعف رواية إثبات كونها سنة والله أعلم.
وهذه المسألة قد اختلف العلماء فيها على أقوال:
أحدها: وهو قول أكثر أهل العلم أن من أصبح صائما ثم سافر فليس له أن يفطر ذلك اليوم البتة لا قبل الشروع في السفر ولا بعده وهو قول إبراهيم النخعي والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري والأوزاعي وأبي حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي وأبي ثور.
والثاني: أنه له الفطر إذا خرج وبرز عن البيوت وهو قول أحمد بن حنبل وروى عن عبد الله بن عمر والشعبي.
1 / 12
واحتج بعضهم على جواز الفطر بالحديث الصحيح في خروجه ﷺ في رمضان إلى مكة وأنه صام حتى بلغ الكديد ثم أفطر. وفي رواية حتى بلغ كراع الغميم فتوهم من استدل بهذا أن الكديد والكراع بقرب المدينة وأن النبي ﷺ أصبح بالمدينة صائما ثم بلغهما في بقية يومه فأفطر فالاستدلال بهذا الحديث على ذلك باطل.
والثالث: إن له الفطر إذا وضع رجله في الرحل وبه قال داود وحكاه ابن عبد البر عن إسحق وهو مخالف لما حكاه الترمذي عنه من أن له الفطر في بيته قبل أن يخرج إلا أن يحمل على أنه وضع رجله في الرحل وهو في بيته ثم أكل قبل أن يخرج وحديث أنس مخالف له في أنه دعا بطعامه فأكل ثم ركب والله أعلم.
والرابع: أن له الفطر في بيته يوم يريد أن يخرج وهو قول أنس والحسن البصري فيما روى عنه وقد حكاه المصنف عن.
1 / 13
ابن راهويه كما تقدم قال ابن عبد البر: "واتفقوا في الذي يريد السفر في رمضان أنه لا يجوز له أن يبيت الفطر لأن المسافر لا يكون مسافرا بالنية إنما يكون مسافرا بالنهوض في سفره". انتهى كلام العراقي.
وأخرج البخاري عن ابن عباس: خرج النبي ﷺ في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف من المسلمين يصوم ويصومون حتى بلغ الكديد فأفطر وأفطروا.
قال الحافظ ابن حجر: لو نوى الصوم وهو مقيم ثم سافر في أثناء النهار فهل له أن يفطر في ذلك النهار؟ منعه الجمهور قال أحمد وإسحق بالجواز واختاره المزني محتجا بهذا الحديث فقيل له قال كذلك ظنا منه أنه ﷺ أفطر في اليوم الذي خرج فيه من المدينة. وليس كذلك فإن بين المدينة والكديد عدة أيام وكذلك لا حجة للمخالف في حديث أبي بصرة الغفاري الذي رواه أحمد وأبو داود من طريق عبيد بن جبير قال: ركبت.
1 / 14
مع أبي بصرة الغفاري في سفينة بالفسطاط في رمضان فدفع ثم قرب غداءه ثم قال: اقترب فقلت ألست ترى البيوت؟ فقال: أرغبت عن سنة رسول الله ﷺ فأكل. لأمرين:
الأول: أنه لا يكفي على المعتمد في صحة الحديث سكوت أبي داود على ما يرويه في سننه بل لابد من النظر فيه وذلك من وظيفة الحافظ لما تقرر في علوم الحديث من اشتراط الحفظ في إدراك الصحيح والسقيم من الحديث كما صرح به الحاكم في معرفة علوم الحديث وأما دعوى هذا المخالف لأهلية ذلك لنفسه فليست إلا دعوى فارغة.
الثاني: لو صح لم يكن فيه حجة لأنه ليس فيه أنه خرج بعد الصبح فركب ثم أكل فيحتمل أنه خرج من بيته قبل الفجر وركب السفينة فجاز له الأكل كما هو مذهب الجمهور أن من خرج قبل الفجر جاز له الأكل في نفس ذلك النهار بخلاف من خرج بعد الفجر فإنه ليس له أن يفطر في.
1 / 15
ذلك النهار إلا فيما بعده.
ويقرب ما وجهنا به حديثه هذا قول الراوي ثم قرب غداءه والغداء في اللغة ما يؤكل أول النهار بخلاف ما تعورف اليوم في اللغة العامية من إطلاق الغداء على ما يؤكل وسط النهار قبيل الظهر أو بعده فإن هذا عرف حادث ففي "القاموس": الغداء طعام الغدوة وتغدى أكل أول النهار وفيه: الغدوة: البكرة أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس. والله أعلم".
1 / 16
٢ - يقول محمد ناصر الدين: مستعينا بالله وحده رب العالمين:
ينحصر كلام الشيخ في أربعة أمور:
الأول: تضعيف حديث أنس.
الثاني: فقه الحديث ومن قال به.
الثالث: تضعيف حديث أبي بصرة الغفاري.
الرابع: عدم دلالته عنده على ما دل عليه حديث أنس.
وسأتكلم فيما يأتي على هذه الأمور واحدة بعد أخرى على الترتيب المذكور سائلا المولى ﷾ أن يلهمني الصواب في ذلك كله وأن يوفق المخلصين إلى تقبله والعمل بما فيه من الفقه إنه سميع مجيب.
١ - تأكيد صحة حديث أنس.
أما حديث أنس فقد تأملت كلام الشيخ عليه فلم أجد فيه إلا ما زادني بصيرة في صحته ويقينا بضعف كلامه ووهاء ما تشبث به في تضعيفه فإنه لم يأت على ما يدل عليه بما يصلح.
1 / 17
أن يعتبر شبهة في صحته فضلا عن أن يكون حجة على ضعفه إذا ما عرض ذلك على قواعد علم الحديث وأصوله وشهادات العلماء بثبوته وإليك التفصيل:
لقد تجرأ الشيخ - على خلاف ما علمناه منه في بعض رسائله - فجزم بخطأ الترمذي في تحسينه للحديث ولم يبال البتة بتصحيح الإمام ابن العربي إياه وغيره ممن سنذكره وتشبث في ذلك بأمور يمكن أن نلخصها في أربعة:
الأول: ترجيح أبي حاتم لرواية الدراوردي بلفظ: "ليس بسنة" على الرواية الأخرى: "قال: نعم سنة" وسنعبر عنها ب "رواية الإثبات".
الثاني: تضعيف الحافظ العراقي للرواية الأخرى.
الثالث: عدم جزم بعض الرواة بها.
الرابع: الاختلاف في متنه على سعيد بن أبي مريم فذكر بعضهم عنه: أن الفطر إنما كان من أجل السفر وبعضهم أنه.
1 / 18
كان من أجل يوم الشك.
الجواب عن الأمر الأول:
١-إذا تبين ذلك فنقول في الإجابة عن الأمر الأول:
أولا: إن فهم قول أبي حاتم: "إن حديث الدراوردي أصح من حديث ابن مجبر" على أنه يدل أن رواية الترمذي مرجوحة ضعيفة وأن الراجح رواية النفي يدل - مع الأسف - على الجهل البالغ بأساليب المحدثين في الترجيح وسوء فهم لمقاصدهم من ذلك إذ أن ترجيح أبي حاتم إنما هو محصور بين روايتين ليس منهما رواية الترمذي ثم هو ترجيح صحيح لأن الدراوردي ثقة على ضعف يسير في حفظه كما يأتي بخلاف المخالف له: ابن مجبر فإنه ضعيف اتفاقا وقد قال فيه أبو حاتم نفسه: "ليس بالقوي" وقال صاحبه أبو زرعه: "واهي الحديث"١.
_________
١ "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم "٣/٢/٣٢٠".
1 / 19
ولكن أي عالم بل أي عاقل عنده قليل من الفهم بالأسلوب العربي يفهم من ذلك ترجيح رواية الدراوردي هذه على رواية الترمذي وهي لم يرد لها ذكر في كلام أبي حاتم لا تصريحا ولا تلويحا بل لعله لم يقف عليها أصلا ثم هي أقوى وأرجح من رواية الدراوردي كما سأبينه في الوجه الآتي بعد هذا.
فسقط بذلك قول الشيخ عقب كلام أبي حاتم: "هو صريح في أن رواية الترمذي مرجوحة وأن الراجح رواية النفي".
ثانيا: إن قول الدراوردي في روايته "ليس بسنة" منكر أو على الأقل شاذ لسببين:
أ - مخالفته لمن هو أوثق منه ألا وهو محمد بن جعفر بن أبي كثير وهو ثقة كما قال الترمذي ونقله عنه الشيخ نفسه ولا خلاف فيه عند الأئمة النقاد بل احتج به الشيخان وجميع أصحاب السنن وغيرهم فروايته هي الراجحة عند.
1 / 20
التعارض على رواية الدراوردي لأنه مختلف فيه وقد وصفه أبو زرعة وغيره بأنه "سيئ الحفظ" فلا جرم أن البخاري لم يحتج به بينما احتجا جميعا بمخالفه.
فثبت أن روايته هي أحق بالترجيح من رواية الدراوردي ولا يشك في هذا منصف شم رائحة مصطلح الحديث.
ب- أن رواية الدراوردي لا متابع لها ولا شاهد خلافا لرواية محمد بن جعفر فإن لها متابعا وشاهدا:
أما المتابع فهو عبد الله بن جعفر عند الترمذي وهو وإن كان ضعيفا فإنه يكتب حديثه كما قال ابن عدي فهو لا بأس به في المتابعات والشواهد.
وأما الشاهد فهو حديث ابن المجبر الذي نقله الشيخ عن ابن أبي حاتم ولا يضر ضعفه لأنه في الشواهد كما لا يخفى ولا أظن أن الشيخ يخالف في ذلك لأنه ذكر نحو هذا في رسالته "التعقب الحثيث" "ص ٥".
1 / 21
فسقط بهذا التحقيق تعلق الشيخ بكلام أبي حاتم وتبين أن الصواب رواية الإثبات وأن رواية الدراوردي في النفي خطأ لا يعول عليه.
الجواب عن الأمر الثاني:
٢ - وأما الأمر الثاني وهو تضعيف العراقي لرواية الإثبات فالجواب من وجهين:
أولا: معارضته بتصحيح من صحح الحديث وهم جماعة فقولهم أرجح عند التعارض من قول من خالفهم وهو فرد فممن صححه: الترمذي وابن العربي والضياء المقدسي - كما سيأتي - وابن القيم في "زاد المعاد" وأبو المحاسن المقدسي في "مختصر أحاديث الأحكام" "ق ٦١/١" ويمكن أن يضم إليهم الإمام أحمد وإسحق بن راهويه فإنهما أخذا بالحديث وعملا به باعتراف العراقي نفسه وذلك دليل - إن شاء الله تعالى - على أن الحديث ثابت عندهما وهو المطلوب.
1 / 22