Consensus of the Hadith Scholars
إجماع المحدثين
ناشر
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٢١ هـ
پبلشر کا مقام
السعودية
اصناف
ـ[إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين]ـ
المؤلف: حاتم بن عارف بن ناصر الشريف العوني
الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع - السعودية
الطبعة: الأولى، ١٤٢١ هـ
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي]
[إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين] المؤلف: الشريف حاتم بن عارف العوني دار النشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع البلد: المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، ١٤٢١ هـ عدد الأجزاء: ١ مصدر الكتاب: ملتقى أهل الحديث www.ahlalhdeeth.com [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
[إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين] المؤلف: الشريف حاتم بن عارف العوني دار النشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع البلد: المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، ١٤٢١ هـ عدد الأجزاء: ١ مصدر الكتاب: ملتقى أهل الحديث www.ahlalhdeeth.com [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
نامعلوم صفحہ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
لك اللهمَّ الحمدُ أجمع، حمدًا يُرضيك عَجْزُهُ، ويَسْتَزِيدُك الإنعامَ تقصيرُهُ.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُهُ ورسوله.
فاللهم صَلِّ على مُحمّد وعلى أزواجه وذُرِّيَّتِهِ كما صلّيتَ على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجِه وذُرِّيَّتِهِ كما باركتَ على آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ.
أمّا بعد: فإن من أصول دعوتي في (المنهج المقترح لفهم المصطلح) الرجوعَ إلى المعين الصافي للسنة النبويّة وعلومها، والدعوة إلى إحياء منهج أئمة السنة في أصول علومها وفروعها، وتنقيتها من رُكام الجهل والتقليد والعلوم الدخيلة على الإسلام وحضارته.
ونحن اليوم مع أثرٍ جديد من آثار (المنهج المقترح)، قائم على نَبْذِ التقليد وعلى اعتمادِ الدليل. وهو أساس الدعوة السلفيّة السُّنِّيَّة التي بلغت بركاتُها أقطارَ الأرض، وغزت - بعُدّتها وعتادها من أدلّة الوحيين (الكتاب والسنة) ومنهجِ سلف الأمّة - أعتى القلوبِ وأعدى النفوس، فما برحت أن خالطت بشَاشةَ القلوب، واستلّت عداواتِ النفوس، وشرحتِ الصدورَ لما كان قد انشرح له صَدْرُ أصحابِ النبي ﷺ، وعلمتْ أنه الحق!
1 / 5
وبناءً على ذلك: فإني لا أُحِلُّ لمن لم يتشرّب قَلْبُه ودمُه وعظامُه الدعوةَ السلفيّةَ، القائمة على نَبْذِ التقليد واعتماد الدليل= أن يقرأ هذا البحث، فإنك لستَ محدِّثًا قومًا بحديثٍ لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة. وأي فتنةٍ أعظم من فتنة من يرى التقليدَ هو الدين، ويَعُدُّ اتباعَ الدليل هو البدعة، إذا ما قرأ بحثًا قائمًا على ضدِّ ما يراه؟!
أقول ذلك، لأني في هذا البحث قد ناقشت إحدى مُسَلَّمات التقليد، وسمحتُ لنفسي أن أجعلها مسألةً قابلةً للبحث والعَرْض على الدليل.
فأوصلني هذا النظرُ السلفيُّ إلى نَسْفِ تلك المُسَلَّمة، وبيان أنها خطأٌ محضٌ، ليس لها من الحقّ نصيب!!
فماذا أعمل؟! إذا كان الدليلُ ينقض تلك المُسَلَّمة!!
لقد عانيتُ -أنا قبل غيري- من زعزعة الأدلة لتلك المسلّمة، وكنتُ أعالج من آثار الإلف العلميّ ورسوخِ البدهيّات الوهميّة شدّةً عظيمة، لم أتجاوزها إلا بتوفيق من الله تعالى، حين صَدَقْتُ مع المنهج السلفي في نَبْذِهِ التقليدَ واعتمادِه الدليلَ!
لذلك فإني لن أَعْجَبَ إن عالجَ غيري مثلَ تلك الشِّدّةِ أو أشدّ، بل لن أعجب إن حال الإلف العلميُّ ورسوخُ البدهيّات الوهميّة دون اقتناعه بما جاء في هذا البحث، ولن أعجب -بعد ذلك- إن أنكره وشنّع في إنكاره. لكن ليعلم هذا أنه قد غُلبَ عن منهجه القائم على الدليل، وأنه قد حيل بينه وبين ما يشتهي من السموِّ عن التقليد الأعمى.
أقول هذا كُلَّه، لشدّة ثقتي بصحّة ما توصّلتُ إليه، ولأني لم أترك سبيلًا من سُبُل التحرِّي والتثبّت إلا وسلكته، وكبحتُ نفسي بالحِلم
1 / 6
والأناة، حتى عزمت على نِشْر ما أثمره ذلك الجُهدُ والتدبُّر والاستدلالُ والتحلُّمُ والتأنّي.
وإن كنتُ (ولم أزل) أعلم من ضعف الإنسان وجهله ما يمكن معه أن يحيف الحيفَ العظيم، وهو يحسب أنه على الصراط المستقيم. لكن ماذا أعمل؟! والحقُّ أمامي أراه كالشمس، والأدلّةُ تتوارد تَتْرى على إحقاقه وإزهاق الباطل.
ليست المسألة من مسائل العقيدة الكبار، ولا من أصول الدين العظمى، لكنها -بحقّ- من أمهات مسائل علوم الحديث، إنها مسألة شروط قبول الحديث المعنعن.
لقد ابتدأتُ التفكير في هذه المسألة، ومناقشة إحدى أكبر مسلّماتها من عام (١٤١٠هـ)، فانهارت عندي هذه المسلّمة من عام (١٤١١هـ) .
لكني بقيتُ مفكّرًا متدبّرًا، لا أكاد أذكرها لأحدٍ، إلا آحادًا قلائل، حرصًا مني على زيادة التثبّت، وبغرضٍ آخر: هو التفرّغُ لها في بحث مُسْتَقِلّ.
ولقد أعانتني -بعد ذلك- النتائجُ المهمة التي توصّلت لها في كتابي (المرسل الخفي)، وفيها نتائج لم أسبق إلى التنصيص عليها من قَبْلُ أبدًا في كتب المصطلح وعلوم الحديث= فازددتُ يقينًا من صحّة ما كانت قد قادتنى إليها الأدلّةُ التي سبق أن تنبّهت لها، وزاد عُمقُ المسألة عندي، واسْتَنَارت أدلّتها في قلبي.
حتى ابتدأت إعلانَ ذلك في دروسي الخاصة من عام (١٤١٤هـ)، ثم أعلنتها في محاضرة عامة في مسجد من مساجد مدينة جدّة سنة
1 / 7
(١٤١٨هـ)، وسُجِّلت المحاضرة في شريطين، وانتشرت انتشارًا واسعًا، وتواردت عليّ الأسئلة والاستفسارات والاستشكالات. ثم عُدتُ إلى بَسْطها في دروسي في شرح كتاب ابن الصلاح في علوم الحديث عام (١٤٢٠هـ)، وسُجِّلت في ثلاثة أشرطة، شرّقت وغرّبت بين طلبة العلم المهتمّين بعلوم السنة.
وقد تكرّر إليّ الطلبُ بنشر بحثي في هذه المسألة مطبوعًا، وما كنت أؤخّره إلا طلبًا للتفرّغ له. فما أن أنعم الله عليّ بذلك، حتى عاجلت أوراقي وبطاقاتي، كاتبًا هذا البحث المختصر، في هذه المسألة المهمّة.
وممّا عاجلني بإخراج بحثي هذا، أني مع ما أتوقُّعه من تشنيع بعض المقلدين عليّ فيه، إلا أني ضنينٌ بنسبة نتائجه إليّ، معتزٌ بما توصلت إليه فيه، لأني لا أعلم أحدًا من قرون متطاولة قد أفصح بما ذكرته، ولا قرّر ما حرّرته. وقد ابتُلينا في هذا الزمان بما يسمَّى بـ (السرقات العلمية)، وقد كنت أحدَ ضحاياها في يوم من الأيام (١)، فلم أر أن السكوت يسعني، وأنه من الواجب عليّ النهيُ عن منكر لُبْسِ ثَوْبَيِ الزُّور، والزجرُ عن تشبُّعِ المَرْءِ بما لم يُعْطَ!!! خاصّةً بعد انتشار أشرطة المحاضرات من سنوات، كما سبق.
ولا أشك أن القارىء الكريم قد عَرَفَ بعضَ تفاصيل المسألة، وما هي المسلّمةُ التي نقضتُها، إما من خلال الأشرطة المشار إليها، أو من خلال عنوان هذا البحث.
_________
(١) ولن أذكر تفاصيل ذلك حتى حين!!!
1 / 8
فالحديث المعنعن (وهو الحديث الذي يرويه الراوي عمن يروي عنه بلفظ: عن)، قد نُقِل أن في شروط قبوله خلافًا، بسبب أن لفظ (عن) لا يدلّ على الاتّصال في اللغة، والاتصال -كما لا يخفى- أحد أهمّ أركان قبول وصحة المنقولات من الأحاديث والأثار.
وأوّلُ من أثار هذه المسألة هو الإمامُ مسلمٌ في مقدّمة صحيحه، عندما عقد لهذه المسألة فصلًا خاصًا في تلك المقدّمة. وذكر مسلمٌ في ذلك الفصل أن أحدَ الجَهَلَةِ الخاملي الذِّكْرِ قد عَرَض لشروط قبول الحديث المعنعن، مُضيفًا شرطًا زائدًا عمّا عليه أهلُ الحديث قاطبة، ألا وهو شَرْطُ: أن نَقِفَ على ما يدل على السماع واللقاء ولو مَرّةً واحدةً في حديث كُلِّ راويين متعاصِرَيْنِ. فشنّ عليه مسلمٌ لذلك غارةً شديدةً، مُبيّنًا أنه مخالفٌ للإجماع، وأن قوله هذا مبتدع مستحدث.
وبعد الإمام مسلم سكت العلماء عن إثارة هذا الخلاف، حتى جاء القاضي عياض (ت ٥٤٤هـ)، فنسب ذلك الشرط الزائد، (الذي بدّعه مسلم ونقل الإجماع على خلافه) إلى الإمام البخاري وشيخه علي بن المديني وغيرهما.
ومن هنا تحوّلت المسألة تحوُّلًا خطيرًا، حيث تبنَّى ابنُ الصلاح (ت ٦٤٣هـ) الرأيَ المنسوب إلى البخاري. وتتابع العلماء على ذلك، حتى هذا العصر.
بل صَنّفَ أحدُ العلماء كتابًا منفردًا في ترجيح المذهب الذي نُسب إلى البخاري على مذهب مسلم، وهذا العالم هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد الفِهْرِي الشهير بابن رُشَيد السبتي
(ت ٧٢١هـ)، وذلك في كتابه (السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن) .
1 / 9
وكتب أحدُ الباحثين المعاصرين بحثًا لنيل درجة الماجستير في الموضوع ذاته، وبالنتيجة ذاتها. وهو بحث جيّد، لولا أنه سلّم لتلك المسلّمة، وهي إثبات نسبة شرط العلم باللقاء إلى البخاري وغيره من أئمة الحديث. أعني كتاب (موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللُّقْيَا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين)، لمؤلِّفه خالد منصور عبد الله الدريس.
ومع أن هذا البحث الأخير قد طُبع عام (١٤١٧هـ)، ومع أني قد كنت انتهيتُ قبل طباعته من ترجيح عدم صحّة نسبة شرط العلم باللقاء إلى البخاري وإلى غيره من نُقَّاد الحديث= إلا أن اطلاعي عليه بعد ذلك لم يزدني من ترجيحي السابق ذكره إلا يقينًا، لأن ذلك البحث، وكتاب ابن رُشيد قبله، وكتب المصطلح عمومًا بعد القاضي عياض، لم تكن تتعرّض لأصل المسألة، وهي: (ما مدى صحّة نسبة ذلك الشرط إلى البخاري)، وإنما كان هَمُّ الجميعِ الترجيحَ بين مذهب البخاري (في حُسبانهم) ومذهب مسلم!!!
ومن هذا التسليم أُتيَ الجميع!!!
ومن مناقشة تلك المسلَّمة وُفّقْتُ إلى الصواب (بحمد الله تعالى) !!
وعرضت هذا البحث تحت ست مسائل:
المسألة الأولى: تحريرُ شَرْطِ البخاري (المنسوب إليه)، وشَرْطِ مسلم، وشَرْطِ أبي المظفّر السمعاني.
المسألة الثانية: نسبةُ القول باشتراط العلم بالسماع إلى البخاري (تاريخُها، ودليلها، ومناقشة الدليل) .
1 / 10
المسألة الثالثة: الأدلّة على بطلان نسبة اشتراط العلم باللقاء إلى البخاري وغيره من العلماء.
المسألة الرابعة: بيانُ صواب مذهب مسلم وقُوّة حُجّته فيه.
المسألة الخامسة: أثر تحرير شرط الحديث المعنعن على السنة النبويّة.
المسألة السادسة: الردّ على آخر شُبْهَتين.
وإني من خلال هذه المسائل، وما تضمَّنَتْهُ من عَرْض، لأرجو أن أكون قد نصحتُ للسنة النبويّة، ولطلبة علومها، وللمسلمين عمومًا.
وأُذكّر كُلَّ قارىء لهذا الكتاب أن ينصح لنفسه، بحُسْن القراءة، وتمام التَّفَهُّم (١)، والتجرُّدِ من الإلف العلميّ، والتحرُّر من قيود التقليد. وأن يُقبل على القراءة وهو مستعدٌ لتغيير أيِّ اعتقادٍ سابقٍ دَلَّهُ الدليلُ على بُطلانه، لا أن يُقْبِل جازمًا بخطأ الكاتب، باحثًا عن العثرات، راغبًا في اكتشاف الزلات. وأن يحرص على مخالفة سَنَنِ الذين في قلوبهم زيغ، فلا يَتَّبعُ المتشابهَ، بل يردُّ المتشابهَ إلى المُحْكَمِ. وعليه بعد ذلك من واجب إحسان النيّة، وحَمْل الكلام على أفضل مَحَامِله، وعلى الصواب ما أمكن= ما يأثم بعدم قيامه به.
فإن خالف أحدٌ هذه الأخلاق، فليعلم أنه أوّل مخذول، فالحق أبلج، والدين محفوظ، فلن ينفعه أن يشنّع على الحق، ولا أن يسعى
_________
(١) وأنصح القارىء المبتغي للحق، بما نصبح به شيخُ الإسلام ابن تيميّة أحدَ مُنَاظريه، بقوله له: «المعاني الدقيقة تحتاجُ إلى إصغاءٍ واستماعٍ وتدبُّرٍ» . العقود الدريّة لابن عبد الهادي (٧٢) .
1 / 11
في تخريب علوم الدين.. ولا بأي حُجّة، ولو ركب كل مركب، فليُرحْ وليسترحْ!!!
أسأل الله تعالى لي وللقراء علمًا نافعًا، وعملًا صالحًا مُتَقبَّلًا، وخاتمةً حسنة.
وإلى مسائل البحث:
1 / 12
المسألة الأولى: تحرير شَرْطِ البخاري (المنسوب إليه)، وشَرْطِ مسلم، وشَرْطِ أبي المظفّرِ السمعاني
أولًا: تحرير الشرط المنسوب إلى البخاري:
نسب عامّةُ أهلِ العلم ممّن جاء بعد القاضي عياض (ت ٥٤٤هـ) -أخذًا من القاضي عياض- إلى البخاري أنه يخالف مسلمًا في الحديث المعنعن، وأنه لا يكتفي بالشرط الذي بيّنه مسلم في صحيحه، بل يُضيفُ شرطًا زائدًا عليه. ثم اختلفوا في ذلك:
- فذهب ابنُ رُشَيْد السَّبْتي (ت ٧٢١هـ) في كتابه (السَّنَن الأبين) إلى أن البخاري لا يكتفي بالمعاصرة مثل مسلم، بل لا يكتفي أيضًا بما يدل على اللقاء بين الراويين، وإنّما يشترط أن يقف على ما يدلّ على السماع. مُعَلِّلًا ذلك -مع تصريحه بعدم وقوفه على نَصٍّ صريح فيه من البخاري- بأنّه الأليق بتحَرِّي البخاري، إذ هو الأقرب إلى الصواب (في رأي ابن رُشيد)، لأنّه كم مِن تابعيٍّ لقي صحابيًّا وما سمع منه شيئًا (١) .
- وذهب ابنُ رجب الحنبلي (ت ٧٩٥هـ) في شرحه لعلل الترمذي إلى أن الإمام أحمد وأبا زرعة وأبا حاتم الرازيين يشترطون العلمَ بالسماع، بخلاف البخاري وابن المديني، فإنّ المَحْكِيَّ عنهما (كما يقول ابن رجب) الاكتفاءُ باللقاء (٢) .
_________
(١) السنن الأبين (٥٤- ٥٥) .
(٢) شرح علل الترمذي لابن رجب (٢/ ٥٩٢) .
1 / 13
* وأيَّد ابنَ رجب في ذلك صاحبُ كتاب: (موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المعاصرين)، ألا وهو خالد الدريس. محتجًّا بأقوالٍ للبخاري فيها أنه اكتفى بمطلق اللقاء للدلالة على الاتّصال، وبأن مسلمًا نصّ في ردِّهِ الذي في مقدّمة صحيحه أنه يردُّ على من كان يشترط اللقاء، ولم يذكر مسلمٌ اشتراطَ السماع (١) .
ومع أن ابن رُشيد تشدّد ذلك التشدُّدَ إلاّ أنه عاد في آخر كتابه المذكور إلى الاكتفاء بالمعاصرة (دون العلم بالسماع أو اللقاء)، لكن مع قُوّة القرائن الدالّة على السماع، كرواية المخضرم عن الصحابة (٢) . إلا أن ابن رُشيد لم ينسب هذا التَّخَفُّف إلى البخاري صراحة، وإنما عرضه وكأنه رأيٌ له قاله بناءً على نظره الخاصّ.
ووافَقَ العلائيُّ في ذلك كلّه ابنَ رُشيد، في كتابه (جامع التحصيل) (٣) .
وأيّدهما في ذلك خالد الدريس صاحبُ الدراسة الآنفة الذكر، لكن مع نِسبة ذلك التَّخَفُّفِ إلى البخاري، وأنه شَرْطُه. معتمدًا في تصحيح نسبته إلى البخاري على نُقُولٍ عنه، تدلّ على اكتفاء البخاري بالمعاصرة مع قرائن تُقَوِّي احتمالَ وُقُوعِ اللقاء (٤) .
- وهناك قولٌ آخر في تحرير شرط البخاري المنسوب إليه، وهو أنه شرطٌ للبخاري في كتابه (الجامع الصحيح)، لا في أصل الصحّة. أي
_________
(١) موقف الإمامين لخالد الدريس (١٠٨- ١١٤) .
(٢) السنن الأبين (١٥٠- ١٥١، ١٥١- ١٥٢) .
(٣) جامع التحصيل للعلائي (١٢٠- ١٢١) .
(٤) موقف الإمامين لخالد الدريس (١٤١- ١٥٧) .
1 / 14
أنه تشدّدَ في صحيحه، فاشترط العلم باللقاء (أو السماع)، مع كونه خارجَ الصحيح لا يشترط ذلك الشرط. أو كما عَبّر بعض أهلُ العلم عن ذلك بقوله: إن هذا الشرط شرط كمال، لا شرط صحّة (١) .
ونخلص من هذا: أن شرط البخاري في الحديث المعنعن، بعد السلامة من وصمة التدليس، اختُلفَ فيه إلى أربعة أقوال:
الأول: أن البخاري يشترط أن يقف على ما يدل على السماع نصًّا.
الثاني: أن البخاري يشترط أن يقف على ما يدل على اللقاء.
الثالث: أن البخاري يشترط أن يقف على ما يدل على اللقاء، وأنه يكتفي بالمعاصرة أحيانًا إذا وُجدت قرائن قويّة تدل على اللقاء والسماع.
الرابع: أن البخاري يشترط أن يقف على ما يدل على اللقاء أو السماع في كتابه الصحيح، ولا يشترط ذلك للقول بالاتصال خارج كتابه.
ملاحظة: لم يتنبّه ابنُ رُشيد والعلائي والدريس إلى أنهم بمَيْلِهم إلى الاكتفاء بالقرائن القويّة قد نسفوا ما ذهبوا إليه من تقويةِ اشتراط اللقاء أو السماع، إذ مِنْ أين لهم أن مسلمًا لم يكن مراعيًا لمثل تلك القرائن؟! حتى يجعلونه مخالفًا للبخاري!!!
_________
(١) انظر: اختصار علوم الحديث لابن كثير (١/ ١٦٩)، ومحاسن الاصطلاح للبلقيني (٢٢٤)، والموقظة للذهبي -تتمات أبي غُدّة في آخرها - (١٣٧- ١٣٨)، والنصيحة بالتحذير من تخريب ابن عبد المنان لكتب الأئمة الرجيحة للألباني (١٩- ٢٦) .
1 / 15
بقي أمرٌ آخر يتعلق بتحرير شرط البخاري المنسوب إليه: وهو: ما هو حكم الحديث المعنعن الذي لم يتحقق فيه العلم باللقاء أو السماع عند البخاري بناءً على هذا الشرط المنسوب إليه، هل يُحكم بانقطاعه؟ أم يُكتفى بالتوقّف عن الحكم له بالاتّصال؟
لازمُ هذا الشرط المنسوب إلى البخاري، ومقتضى دليله: أنه لا يُجزم بانقطاع الإسناد الذي لا يتحقق فيه شرط العلم باللقاء، وإنّما يُكتفى بالتوقف، لأن اشتراط العلم باللقاء إنما توجَّهَ عند القائلين به لاحتمال عدم اللقاء، لا لتحقق عدم اللقاء، فإذا لم نعلم باللقاء يقينًا، يبقى احتمال اللقاء واحتمال عدمه احتمالين متساويين، فالتوقّف حينها هو الواجب (١) .
وهذا هو ما نصَّ عليه مسلم في نقله لمذهب مخالفه، حيث ذكر مذهبه في الحديث المعنعن بين المتعاصرين اللذين لم يُعلم لقاؤهما، ثم قال في حكم هذا الحديث عند ذلك المخالف: «وكان الخبر عنده موقوفًا، حتى يرد عليه سماعُه منه لشيءٍ من الحديث، قلَّ أو كَثُر..» . (٢)
وهذا هو ما نصَّ عليه ابن القطان الفاسي (ت ٦٢٨هـ) أيضًا، ونسبه إلى البخاري وعلي بن المديني، حيث قال في الحديث المعنعن الذي لم يُعلم انتفاء اللقاء بين رواته: «فإن الحكم فيه أن يُحكم له بالاتصال له عند الجمهور، وشرط البخاري وعلي بن المديني أن يُعلم اجتماعُهما ولو مَرّةً واحدة، فهما -أعني البخاري وابن المديني- إذا لم يعلما لقاء
_________
(١) انظر السنن الأبين لابن رشيد (٤٥) .
(٢) صحيح مسلم (٢٩)، وانظر السنن الأبين لابن رُشيد (٤٥) .
1 / 16
أحدهما للآخر لا يقولان في حديث أحدهما عن الآخر: منقطع، وإنما يقولان: لم يثبت سماع فلان من فلان.
فإذن ليس في حديث المتعاصرين إلا رأيان: أحدهما: هو محمول على الاتصال، والآخر: لم يُعلم اتصال ما بينهما. فأمّا الثالث: وهو منقطع، فلا. فاعلم ذلك، والله الموفّق» (١) .
أمّا الذهبي فتعقّب ابن القطان بقوله: «بل رأيهما دالٌّ على الانقطاع» (٢) .
قلت: لكن لازم المذهب، ونصّ مسلم في مقدمته، كلاهما يؤيدان ما ذكره ابن القطان، كما سبق. أمّا موقف الذهبي فغريب مضطرب، لأنّه يصحح نسبة اشتراط العلم باللقاء إلى البخاري، وهذه النسبة إنما تصح على المذهب الذي ذكره ابن القطان هنا، لا على ما اختاره الذهبي.. كما سيأتي شرحه مستقبلًا (٣) .
ثانيًا: تحرير شرط مسلم:
لقد أبان مسلمٌ عن رأيه في مقدّمة صحيحه بصراحةٍ، حيث قال: «ذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديمًا وحديثًا: أن كل رجلٍ ثقةٍ روى عن مثله حديثًا، وجائزٌ ممكنٌ له لقاؤه والسماعُ منه، لكونهما جميعًا كانا في عصرٍ واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا، ولا تشافها بكلام= فالرواية ثابتة، والحجّة بها لازمة. إلا أن يكون هناك دلالةٌ بيّنةٌ أن هذا الراوي لم يَلْقَ من روى
_________
(١) بيان الوهم والإيهام لابن القطان (٢/ ٥٧٦) .
(٢) نقد الإمام الذهبي لبيان الوهم والإيهام (٨٤ رقم١٦) .
(٣) انظر ما سيأتي (٤٢- ٤٣) .
1 / 17
عنه، أو لم يسمع منه شيئًا. فأمّا والأمرُ مُبْهَمٌ، على الإمكان الذي فسّرنا= فالرواية على السماع أبدًا، حتى تكونَ الدلالةُ التي بيّنّا» (١) .
ويقول في موطنٍ آخر: «وإنما كان تَفَقُّدُ من تَفَقَّدَ منهم سماعَ رواةِ الحديث ممن روى عنهم= إذا كان الراوي ممن عُرف بالتدليس في الحديث وشُهِر به، فحينئذٍ يبحثون عن سماعه في روايته، ويتفقّدون ذلك منه، كي تنزاح عنهم عِلّةُ التدليس. فمن ابتغى ذلك من غير مُدَلِّس، على الوجه الذي زعم من حكينا قولَه، فما سمعنا ذلك عن أحدٍ ممن سمّينا ولم نُسَمِّ من الأئمة» (٢) .
ويقول في تقديمه لمقالة صاحب المذهب المخالفِ له: «أن كل إسنادٍ لحديث فيه فلانٌ عن فلان، وقد أحاط العلم بأنهما كانا في عصر واحد، وجائزٌ أن يكون الحديثُ الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه وشافهه به. . .» (٣) .
وقال عقب ذكره لأمثلةٍ للأسانيد الصحيحة مع عدم العلم بالسماع: «إذِ السماعُ لكل واحدٍ منهم ممكنٌ من صاحبه غير مستنكر، لكونهم جميعًا كانوا في العصر الذي اتفقوا فيه» (٤) .
فمن خلال هذه النقول يتبيّن أن الإمامَ مسلمًا كان يشترطُ لقبول الحديث المعنعن ثلاثةَ شروط:
_________
(١) صحيح مسلم (٢٩- ٣٠) .
(٢) صحيح مسلم (٣٣) .
(٣) صحيح مسلم (٢٩) .
(٤) صحيح مسلم (٣٥) .
1 / 18
الأول: المعاصرة.
الثاني: أن لا يكون الراوي الذي عنعن مدلِّسًا (ممن تُرَدُّ عنعنتهم بذلك) .
الثالث: أن لا يكون هناك ما يدل على عدم السماع.
فأما الشرطان الأولان فظاهران لا خلافَ فيهما ولا غموض، وأمّا الشرط الثالث فقد وقع فيه خلاف، ويحتاج إلى بيان.
لقد صَرّح مسلمٌ بهذا الشرط عندما قال -كما سبق-: «إلا أن يكون هناك دلالة بيّنةٌ أن هذا الراوي لم يَلْقَ من روى عنه أو لم يسمع منه شيئًا» . فهذا نصٌّ صريحٌ أن المعاصرة قد تحصل بين الراويين، لكن يمنع من الحكم بالاتصال -عند مسلم- وجودُ دلالةٍ واضحةٍ تنفيه وتمنعه.
فما هو مقصود مسلم بـ (الدلالة البيّنة)؟
لا شك أن الراوي لو نَفَى عن نفسه السماعَ ممن عاصره، أو علمنا من أخبارهما أنهما لم يجتمعا في بلدٍ واحد قطّ، ولا كانت بينهما مكاتبةٌ أو إجازة= فإن هذه من أبين الدلائل على عدم الاتصال. وحينها فلن يحكم مسلم بالاتّصال، على ما يقتضيه كلامُه الصريحُ في ذلك، وعلى ما نصّ عليه ابن رُشيد السبتي أيضًا (١) . بل هذه الحالة لا تحتاج إلى تنصيص، لأن شرط الاتّصال الذي يشترطه مسلم هنا قد تيقّنا من عدم تحققه، وأصبح انتفاؤه واضحًا، لا قيمةَ معه من اشتراطِ المعاصرة وعدم التدليس.
_________
(١) السنن الأبين (٦٧- ٦٨) .
1 / 19
لكن هناك دلائل بيّنةٌ عند أهل الحديث غير تلك الدلائل اليقينيّة، مثل بُعْدِ البلدان، أو إدخال الوسائط، ونحو ذلك من القرائن التي تشهد لعدم السماع وتُغلّبُ عدمَ حصوله.
فهل هذه الدلائل تَدْخُل في (الدلالة البيّنة) التي ذكرها مسلم؟
الظاهرُ والأصل دخولها فيها، لأنها داخلةٌ في معنى ما ذكره مسلم.
ويؤكد مراعاة مسلم لهذه القرائن أمور:
الأول: صريحُ كلامه، وذلك في قوله بعد ذكره (الدلالة البيّنة):
«فأمّا والأمر مبهم، على الإمكان الذي فسّرنا، فالرواية على السماع أبدًا، حتى تكون الدلالة التي بيّنا» .
فتأمّل قوله: «والأمر مبهم»، وما تدل عليه من أن الحكم بالاتّصال بين المتعاصرين إنما يقول به مسلم عندما لا تكون هناك مرجّحات وقرائن تميل بكفّة المسألة إلى عدم السماع، إذ لو كانت هناك مثل تلك المرجحات والقرائن لم تُوصفِ المسألةُ بأن الأمر (أي أمر الاتصال) فيها مبهمٌ.
ثم يؤكّد مسلمٌ أنه كان يراعي القرائن التي تحتفُّ برواية المتعاصرين، فإما أن تؤيدَ احتمال السماع أو أن تُضْعِف احتماله، وذلك في قوله: «أن كل إسنادٍ لحديثٍ فيه فلانٌ عن فلان، وقد أحاط العلمُ بأنهما قد كانا في عصر واحد، وجائزٌ أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه وشافهه به..» .
فَتَنَبَّهْ إلى أنه ذكر المعاصرة، ثم أضاف إليها شرطًا آخر، وهو جواز السماع وإمكانه، وهو يعني عدم وجود قرائن تُبعد احتمال اللقاء.
1 / 20
نعم هناك قولان آخران لمسلم لا يدلاّن على اشتراط إمكان اللقاء، وهما مقدِّمة كلامه الأول، عندما قال: «وجائزٌ ممكن له لقاؤه والسماع منه، لكونهما جميعًا كانا في عصر واحد»، وقوله: «إذ السماع لكل واحدٍ منهم ممكن من صاحبه غير مستنكر، لكونهم جميعًا كانوا في العصر الذي اتفقوا فيه» .
لكن هذين القولين المجملين لا يقضيان على النصين المبينين السابقين، خاصة وأن أحدهما جاء استثناءً في آخر كلامه الأول، كما سبق.
الثاني: تطبيقاتٌ لمسلم تدل على مراعاته للقرائن:
ولها عِدّة أمثلة، سنُأجّلُها إلى موطنٍ لاحقٍ (١) . وسأكتفي منها هنا بمثال واحدٍ:
لقد تجنّب الإمامُ مسلم الإخراجَ للحسن البصري عن عمران بن حصين ﵁ في صحيحه خوفًا من عدم تحقق السماع بينهما، مع أن الحسن البصري وُلد سنة (٢١هـ)، وتوفي عمران بن حصين سنة (٥٢هـ أو ٥٣هـ) . فالحسن معاصرٌ لعمران زيادةً على ثلاثين عامًا، ساكنَ الحسنُ خلالها عمران بين حصين في بلد واحد (هو البصرة) خمس عشرة سنة. ثم إن عمران بين حصين ﵁ كان أحدَ فقهاء الصحابة الذين بعثهم عمر بن الخطاب ﵁ لتعليم الناس بالبصرة، فكان عمران بن حصين بذلك متصدِّرًا للتعليم في بلد الحسن البصري، ولم يكن منعزلًا أو محجوبًا بإمارة أو ولاية.
_________
(١) انظر ما يأتي (٧٣، ٧٤، ٧٥) .
1 / 21
ومع ذلك كلِّه يقول الحاكم في (المستدرك) عقب حديث للحسن عن عمران ﵁: «حديث صحيح الإسناد، ولم يُخرجاه بطوله. والذي عندي أنهما لم يُخرجا من ذلك خشية الإرسال. . .» (١) .
وقال في موطن آخر، مُصَرِّحًا بأنّ للشيخين قولًا في هذه المسألة ينقله الحاكم عنهما: «لم يُخرج محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج في هذه الترجمة حرفًا، وذكرا أن الحسن لم يسمع من عمران، والذي عندي أن الحسن سمع من عمران» (٢) .
فلمَ خشيَ مسلمٌ الإرسالَ، مع تحقق المعاصرة الطويلة؟!
الثالث: نصَّ على مراعاة مسلم للقرائن غيرُ واحدٍ من العلماء:
يقول ابن القطان الفاسي (ت ٦٣٨هـ) في (بيان الوهم والإبهام)، متحدّثًا عن أن إدخال الوسائط بين الراويين يدل على عدم السماع، عند عدم تصريح أحدهما بلقائه الآخر في رواية أخرى: «ويكون هذا (يعني: الإنقطاع) أبين في اثنين لم يُعلم سماعُ أحدهما من الآخر، وإن كان الزمانُ قد جمعهما. وعلى هذا المحدِّثون، وعليه وضعوا كتبهم: كمسلم في كتاب (التمييز)، والدارقطني في (علله)، والترمذي، وما يقع للبخاري، والنسائي، والبزار، وغيرهم ممن لا يُحصَى كثرة: تجدُهم دائبين يقضون بانقطاع الحديث المعنعن، إذا رُوي بزيادة واحدٍ بينهما» (٣) .
_________
(١) المستدرك (١/ ٢٩) .
(٢) المستدرك (٤/ ٥٦٧) .
(٣) بيان الوهم والإيهام لابن القطان (٢/ ٤١٦) .
1 / 22
ويقول العلائي في (جامع التحصيل)، في سياق ذكره لمذاهب العلماء في الحديث المعنعن: «والقول الرابع: أنه يُكتفى بمجرّد إمكان اللقاء، دون ثبوت أصله. فمتى كان الراوي بريئًا من تُهمة التدليس، وكان لقاؤه لمن روى عنه بالعنعنة ممكنًا من حيث السِّنّ والبلد= كان الحديثُ مُتّصلًا، وإن لم يأتِ أنهما اجتمعا قط. وهذا قول الإمام مسلم، والحاكم أبي عبد الله، والقاضي أبي بكر الباقلاني، والإمام أبي بكر الصيرفي من أصحابنا. وقد جعله مسلم ﵀ قولَ كافّةِ أهل الحديث» (١) .
فهذان عالمان يَنُصَّان على مراعاة الإمام مسلم للقرائن، فذكر الأولُ: قرينةَ إدخالِ للوسائط (٢)، وذكر الثاني: قرينةَ بُعْدِ البلدان بين الراويين.
ويزيد قول هذين الإمامين قوّةً أمران:
- أن ابن القطان معتمدٌ في نقله لمذهب الإمام مسلم على كتاب له قد فُقِد أغلبه، وهو كتاب (التمييز) . فعند ابن القطان زيادةُ علم، ليس لدينا منها إلا اليسير.
- وأن العلائي ممن ينصر رأي البخاري، ومع ذلك فقد أنصف مسلمًا عندما نقل هذا عنه.
ومع أني ما كنتُ أحسب أن أحدًا سيشكُ في أن إمامًا مثل مسلم (في نَقْدِه وجَهْبَذَتِه) كان مراعيًا للقرائن الشاهدة للسماع أو عدمه، لأن مراعاة هذه القرائن أمرٌ لا يخفى على طلبة الحديث في زماننا، فكيف
_________
(١) جامع التحصيل (١١٧) .
(٢) وانظر موقف الإمامين لخالد الدريس (٣٥٠- ٣٥٣) .
1 / 23