أقدمه قبلهما لأمرين:
الأول: أن الحكم على الشيء فرع تصوره، فلا يحكم على النية بصحة وفساد وإخلاص وشرك قبل معرفة الإسلام وتفسيره والتوحيد وبيان أنه الدين الذي خلقت لأجله السماوات والأرض ومن فيهن، وكلف به الإنس والجن.
الثاني: أن النية إنما تعتبر في الأعمال التي ظاهرها القبول، وهي الصادرة من عاملها بعد الإقرار بالإسلام والدخول والتحلي بمسماه والتخلي عن ضده وسواه، وتشييد أصل بنيانه، ورفع قواعده وأركانه، وإلا فمنكره الأبي عنه، لا تقبل أعماله منه؛ لأنه صار بربه كفورا، ﴿وَقَدِمْنَا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ (الفرقان:٢٣) .
فإن قيل: إن الإسلام حقيقته معلومة بالضرورة، وقواعده محققة مشهورة، يشترك في معرفتها الخاص والعام، ولا تلتبس على أحد من الأنام.
فالجواب: أن هذه دعوى يكذبها الوجدان، ويأنف منه الحس والعقل والجنان، ويحكم بفسادها المشاهدة والعيان، ولا يختلف فيها اثنان، أنها من الزور والبهتان، وعلى تقدير كون معرفته معلومة، وأصوله كما ادعى مفهومة، هل يحكم به لجميع الناس، وتخرجهم من دائرة الكفر والإبلاس.
ونقول: كلهم يشملهم مسمى الإسلام، وإن لم يقروا به، ولم يلتزموا بماله من الأحكام، فهذا لا يدعيه من انتقد، إذ لا يساعده عليه أحد، أو نقول كما هو الواقع والمشاهد الموجود أهل الإسلام قليل ماهم في الوجود، بل هم كالشامة البيضاء في الجلد الأسود، فبان بطلان ما زخرفه المنتقد وأورد، مع أن هذه الرسالة موضوعة ومصنفة ومجموعة، للراغب في الدخول والمريد، والطالب المستفيد. فلهذا اخترت تقديم رأس الأمر،
1 / 66