أَسْلمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾ أي: فقل: أخلصت لله العبادة بأنواعها، وتبرَّأت من ملَّة الشرك واتِّباعها، وكفرت بما يعبد من أتباعها. وقد ختم هذه الآية بقوله: ﴿فَإِنْ أَسْلمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَليْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ (آل عمران: من الآية ٢٠) يعني أن الله يهدي من يشاء برحمته وفضله، ويضلُّ من يشاء بإرادته وعدله، له في ذلك الحكمة البالغة القاهرة. وقوله ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾ (آل عمران:٨٣) أنكر ﷾ على من أراد دينًا سوى دينه بعد إقامة حججه ودلائله وبراهينه، وشهادة الكتب المنزلة، وتصريح الرسل المرسلة، بل جميع من في السماوات والأرض استسلم له طوعًا، وهو المؤمن بالقلب والقالب، والكافر بالتسخير والقهر والسلطان الذي لا يغالب.
وقوله: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلنْ يُقْبَل مِنْهُ﴾ (آل عمران:٨٥) أي من سلك طريقًا غير ما شرعه الله على لسان نبيه المختار فلن يقبل منه ﴿وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ﴾ من أهل النار الذي باؤوا بالخسار، ونودي عليهم بالبوار. والحديث الصحيح شاهد على ذلك: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ" (١) .
وقوله: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ﴾ (البقرة: من الآية ١٣٠) الآية تضمنت هذه الآية وما بعدها الردَّ على الكفار فيما أحدثوه من الابتداع، وأتوه من المخالفة لملة إبراهيم وعدم الاتباع، مع أنه إمام الحنفاء، وكفى به في القدوة شرفًا، وهو الذي أخلص العبادة لمولاه ولم يتَّخذ وليًا سواه، فجرد لربه التوحيد، ولم يدع أحدًا من العبيد، ولم يشرك بربه طرفة
_________
(١) رواه مسلم ورقمه (١٧١٨) من حديث عائشة ﵂. وانظر: تفسير ابن كثير (٢/٥٨) .
1 / 35