[خطبة الكتاب]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي تعالى عن الضد المنادد، وتقدس عن صفة الولد والوالد، القادر العليم، السميع الحكيم، الحي القيوم، الذي لا نظير له ولا عديل، ولا شبيه ولا مثيل، تعالى عن صفات المخلوقين، واستحال عليه إدراك حواس المربوبين، يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار وهو اللطيف الخبير، العدل في أفعاله لغنائه وعلمه فلا يجوز عليه إضافة جور الجائرين، الحكيم في أفعاله فلا يوصف بسفه العابثين، الرحيم بعبيده، الصادق في وعده ووعيده، لم يطمع المصرين على عصيانه، في شريف غفرانه، فيكون مغريا لهم بعناده، ولا أبلسهم عن قبول التوبة فيحملهم على إجحاده، ولا شفع فيهم أرباب الوسائل لديه فيكون مبدلا لقوله ومساويا بينهم وبين أوداده، أزاح عنهم العلل، وأوضح السبل، وأرسل الرسل، مؤيدين بالمعجزات، مخوفين من المنجزات، ظاهرين بالآيات، قاهرين بالدلالات، مبطلين للجهالات، عليهم أفضل السلام وأزكى الصلوات، وعلى الطاهرين من ذراريهم والطاهرات، ولا إله إلا الله اعترافا بربوبيته، وإقرارا بعبوديته، الذي تقدس عن نظير، وتعالى عن وزير وظهير، وصلى الله على محمد، المبعوث من أشرف القبائل، المخصوص بأرفع المنازل(1)، الموهوب أكرم الوسائل، المؤيد بأظهر الدلائل، وعلى وصيه المعظم على سائر الأوصياء، الحائز عوالي شرائف مراتب الأولياء، المنصوص عليه حالا بعد حال، فاشترك في رواية النص عليه نقلة النساء والرجال(2)، وعلى آله المعادلين للكتاب، المؤيدين بالصواب، شموس الدين الظاهرة، وأقمار الإسلام الباهرة، ونجوم الإيمان الزاهرة، أدلة الدنيا والدين، شفعاء المرتضين في الآخرة، وسلم وكرم.
صفحہ 24
[أهمية الإمامة ومكانتها في علم أصول الدين]
أما بعد: فإن أولى ما اشتغل به فكر الناظر(1)، وكدت في إدراك مطلوبه الخواطر، علم الأصول الذي هو الأساس لسائر العلوم، إذ أكثرها يقتصر فيه على الوهوم، وهو العلم بالله تعالى وبصفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز، والعلم بأفعاله وأحكام أفعاله وما يجوز عليه وما لا يجوز، والعلم بالنبوة من جملة الأفعال، ومن نفائس حكم ذي الجلال، لأن الأنبياء عليهم السلام هم الوصلة بين الله تعالى وبين عبيده، المفصلين لمعاني وعده ووعيده، المبشرين المنذرين، الهادين المبصرين ، المؤمنين المحذرين، سلام الله عليهم أجمعين، وإذا كان ذلك كذلك فلا بد لشرعهم الذي شرعوه من حام له وداع إليه، ومبين له وحامل عليه، قال سبحانه، وهو ذو المن والإياد: {إنما أنت منذر ولكل قوم هاد}[الرعد:7]، فالنبي صلى الله عليه [وآله](2) هو المنذر، والهادي هو الإمام القائم من ذريته سلام الله عليهم [أجمعين](3)، وقد ذكرنا وذكر من تقدمنا من آبائنا عليهم السلام، وفرسان علماء أهل الإسلام، في العدل والتوحيد، وما يتبعهما من الوعد والوعيد، والنبوة والإمامة ما يشفي صدور الطالبين، وينفع غلة الراغبين، فمن طلب ذلك فهو موجود، وحوضه للراغبين طفحان مورود، لا يوجد عنه مجلأ، ولا مصدود.
صفحہ 25
[اختلاف الناس في الإمامة]
وكان اختلاف الناس في الإمامة وهي من أهم مسائل الأصول القافي مسائل العدل والتوحيد ؛ لأن الإمامة وراثة النبوة، وعليها مدار الأعمال الشرعية ؛ لأن الأئمة هم القادة إلى الله والدعاة إليه، قال الله تعالى: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم}[الإسراء:71]وقال الله تعالى في إبراهيم: {إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين}[البقرة:124]، فصحح الإمامة لمن كان غير ظالم من ذريته، وقد قال سبحانه: {وجعلها كلمة باقية في عقبه}[الزخرف:28]، وقال تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا}[السجدة:24] وقال تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}[النساء: 59]، وأولو الأمر هم الأئمة بالإتفاق، وقال تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}[المائدة: 38]، وقال تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}[النور:2]، وقد وقع الإجماع من علماء المسلمين كافة أن هذه الحدود لا يقيمها إلا الأئمة، أو النائب من قبلهم، وإن وقع الخلاف في أعيان الأئمة، وقال تعالى: {ياقومنا أجيبوا داعي الله...}[الأحقاف:31] الآية فدل على أن هناك داعيا ولا داعي تجب إجابة دعوته إلا الإمام ؛ ولأن الأمة أجمعت بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم على الفزع إلى الإمام، وإن اختلفت في عينه، فقال قائل هو علي بن أبي طالب عليه السلام بالنص، وقال قائل هو أبوبكر بن أبي قحافة بالعقد والإختيار، وقال قائل هو سعد بن عبادة بالنصرة والموالاة، ولم يوجد قائل بأنه لا حاجة إلى الإمام.
صفحہ 26
[إمامة أمير المؤمنين وولديه]
وإذ [قد](1) تقررت هذه الجملة وقد قدمنا في الدلالة على إمامة علي بن أبي طالب عليه السلام، وأنه أولى الخلق بخلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا فصل، وتراثه وعلمه ووصيته، وإن ذلك لولديه عليهما السلام على مراتبهما الحسن ثم الحسين بنص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإجماع علماء الأمة(2)، إلا من لا يعتد بخلافهم من النوابت الكفرة، والنواصب الفجرة، وجعلنا ذلك في كتب كثيرة منها (شرح الرسالة الناصحة)(3)، ومنها (الرسالة النافعة)(4)، وبسطنا في الكتاب (الشافي)(5) بسطا بليغا لا يكاد يوجد مثله في شيء من كتب الأصول، فانقطع بذلك شغب المخالفين لنا من العامة على اختلاف أقوالها، واتفاقها على خلافنا في الإمامة، وقامت لنا الحجة عليها بما ذكرناه، إذ قد احتججنا على العامة من أقوالها وروايتها التي لو شكت في سواد الليل وبياض النهار لما شكت فيها، وكيف تشك في أمر صححته ونقلته وزيلته وغربلته، فمن أراد علم شيء من ذلك فليطلبه في المواضع التي عيناها.
صفحہ 27
[الهدف من الكتاب]
فإنا قد استغنينا بما ذكرنا عن إعادته في هذا المكان ؛ ولأن
مقصودنا في هذا الكتاب إنما هو الكلام مع الشيعة في خلافها في الإمامة ؛ لأنها ادعت التميز على العامة لموالاة آل الرسول صلى الله عليه وعليهم، واعتقاد الإمامة لهم دون غيرهم، وأن الحق فيهم(1) لا يفارقهم، ولا بد إذا أردنا الكلام معهم من تبيين أقوالهم ورجالهم ؛ لأنه لا يحسن منا أن ننقض ما لا نعلم ولا نرد على من لا نعرف، وقد جرى الخلاف بيننا وبين من يدعي التشيع في علي عليه السلام، وفي أولاده صلوات الله عليهم إلى يومنا هذا، فإنما نذكره على مراتبه وننهيه إلى غايته، فإذا أتينا على آخره ذكرنا ما تعلقت به كل فرقة، وتكلمنا عليها ونقضنا مقالها ببرهان موصل إلى العلم إن شاء الله {ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم}[الأنفال:42]
[وجوه الخلاف بين الشيعة في علي عليه السلام]
فالخلاف بين الشيعة في علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام في وجوه:
- أحدها: في كيفية النص عليه عليه السلام بعد اتفاقهم على ثبوت إمامته بالنص.
- وثانيها: في حاله بعد ظهور قتله وإخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، وإخبار علي عليه السلام بذلك من بعده، وكون ذلك معلوما بالضرورة.
- وثالثها: في حكم المتقدمين عليه المخالفين له.
صفحہ 28
[الخلاف في النص]
أما الخلاف في النص: فمذهبنا أن النص عليه عليه السلام من الكتاب والسنة نص لا يعلم المراد منه بظاهره ضرورة، ولا بد من الإستدلال، وترجيح ما نقول فيه على سائر الأقوال، مع إجماعنا على أن النص في نفسه معلوم ضرورة من الله سبحانه ومن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ وإنما الخلاف في المقصود منه، والمراد به، ويخالفنا في ذلك الغلاة، والإمامية.
فأما الغلاة: فمذهبهم يخرج عن الإسلام ؛ لأنهم يفترقون على ثلاث فرق:
- فرقة زعمت أنه تعالى ظهر في الأئمة على ما لم يزل عليه في القدم.
- وفرقة زعمت أنه ظهر على صورة البشر.
- وفرقة زعمت أنه فوض إلى الأئمة الخلق والرزق، ومن قال إنه يظهر في صورة البشر قال إنه احتجب بالأئمة فعندهم علي هو الله، تعالى عما يقولون علوا كبيرا، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم عندهم رسول علي عليه السلام، فكيف ينبغي أن يذكر من هذه حاله في فرق الإسلام؟؟ ولا نرد(1) عليهم إلا ما نرد على المشبهة(2) والثنوية(3)، وإنما أضفناهم إلى التشيع للتسمية لا غير.
صفحہ 29
[السبأية والإمام علي]
صفحہ 30
وأول من أسس هذه المقالة ابن سبا(1) لعنه الله ؛ لأن عليا عليه السلام لما تجهز لغزو الشام ونهد إلى معاوية في الجنود العظيمة، فيهم أربعون ألف مستميت قد تبايعوا على الموت، وقد قدم عليه السلام كتابا إلى معاوية لعنه الله فيه قاصمة الظهر، قال في فصل منه: والله لئن جمعتني وإياك صروف الأقدار لا رجعت إلى أهل ولا مال حتى يقضي الله بيني وبينك ما هو قاض، فلما [أن](1) رأى معاوية أليته عليه السلام ضاق به أديمه، ولم يسعه مجلسه، فاستنفر علي عليه السلام الناس، فنفروا وعسكروا بالمدائن وتخلف علي عليه السلام في المصر لاستحثاث الناس ولصلاة الجمعة، فاغتاله عدو الله ابن ملجم لعنه الله، وقد خرج إلى مسجده لورد تهجده، فضربه فقتله، فبلغ الخبر إلى المدائن بقتله، فأنكر ذلك ابن سبا أشد الإنكار، فقال: ما قتل، ولا ينبغي أن يقتل، فجاءوا إليه بمن شهد أنه عليه السلام ضرب على هامته حتى وصل السيف إلى أم دماغه، وكثر الحاكي لذلك، فقال لهم: والله لو اتيتموني بدماغه في سبعين صرة ما أقررت لكم أنه مات، ولا يموت حتى يسوق العرب بعصائه إلى الحق كما يسوق الراعي غنمه إلى الماء، ولكن رفع إلى السماء كما رفع عيسى بن مريم إلى غير ذلك من الجهالات التي سردها، واتبعه على ذلك طائفة من الجهال، والجهل لا غاية له، والجهال لا سبيل إلى تعيينهم على التفصيل فهؤلآء زادوا على النص والإمامة فنقصوا بزيادتهم، وخرجوا من جملة أهل ملتهم(2).
صفحہ 31
[عقيدة الإمامية في علي عليه السلام]
صفحہ 32
وأما الإمامية: فزعموا أن النص جلي بحيث نعلم أن الجميع اضطروا إلى العلم بالمراد به، وأن الكل علم أن قصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن عليا إمام الأمة بعده بلا فصل دون أبي بكر وعمر وعثمان، وأن من تقدم عليا عليه السلام مكابر عامل بخلاف ما علم ضرورة من دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن الصحابة كابروا وباهتوا في أمره عليه السلام، ورجال الإمامية المؤسسين للكلام في الإمامة هشام بن الحكم(1) ، وهشام بن سالم(1)، وكانا يقولان بالتشبيه ذكره الحاكم(2) رحمه الله في كتابه المسمى (شرح العيون)، وذكره الشيخ العالم [الدين](3) أبوالحسن علي بن الحسين بن محمد الزيدي شياه سريجان في (المحيط بالإمامة)(4).
صفحہ 33
ومن رجالهم ابن ميثم(1)، وعلي بن منصور(2)، وشيطان الطاق(3)، وليس لهم سلف في الصحابة ولا في التابعين رضي الله عنهم.
صفحہ 34
[الرد على الإمامية في القول بالنص الجلي]
والكلام عليهم: أنا نقول: إنكم أتيتم ما لا دليل عليه، وكل مذهب لا دليل عليه فهو باطل، أما أنه لا دليل عليه ؛ فلأن الأدلة محصورة على دلالة العقل، ولا برهان في العقل يدل على ذلك، وعلى الكتاب الكريم والسنة المعلومة والإجماع الظاهر.
صفحہ 35
أما الكتاب فلا يمكن ادعاء ذلك لوقوع الاختلاف في معنى الآية، وافتقار ما تذهب إليه إلى الترجيح، وكذلك حديث الغدير والمنزلة، وما انفردت(1) بروايته الإمامية فلا تصححه الأمة فضلا من أن يقضى ببلوغه حد التواتر، وحصول العلم الضروري، ولأنا نعلم أن رجال الإمامية وعلماءهم ونحارير مقالتهم يسلكون مسلكنا في الإستدلال بخبر الغدير(2) والمنزلة(1)، وآية الزكاة في الركوع(2)، وهو معلوم في تصانيفهم وكتبهم، ويرجحون ويبالغون في الكشف والتبيين، والاستدلال إلى نهاية الإمكان في الآثار والأخبار، فلو كان المراد بها معلوما عندهم ضرورة كما زعموا لاستغنوا بذلك عن الكشف والبيان، كما فعلنا في أصول الشرائع المعلومة ضرورة، لأننا لا ننصب لأهل الإسلام الدليل على أن الصلوات خمس، وأن الزكاة مفروضة في الأموال، وأن الحج إلى بيت الله تعالى، وأن نبي هذه الأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لما كانت هذه الأمور معلومة ضرورة لم تفتقر إلى بيان ولا كشف لمن قد أظهر اعتقاد دين الإسلام بل وكلناه إلى عمله، فلما رأينا علمائهم المبرزين كالشريف المرتضى الموسوي(3) ومن تقدمه، وتأخر عنه من أهل الكلام بالغوا في تبيين معنى الآية والخبر بل الأخبار، علمنا أنهم من اعتقاد الضرورة على شفا جرف هار ؛ لأن من تحمل المشقة في إظهار الظاهر كان عابثا، وكيف يكشف المكشوف؟ أو يجتهد في صفة المشاهد المعروف؟ ولأنا قد اتفقنا نحن وإياهم ونحن الجم الغفير، والعدد المتعذر الإنحصار الكثير، فكيف لم يحصل العلم لكلنا أو بعضنا، ونحن وإياهم قد اتفقنا على أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا فصل علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وأن من تقدم عليه فقد أخطأ وعصى، فلو كان ما ذكروا من النص يوصل إلى الضرورة لوصلنا لإتفاقنا نحن وإياهم على العلم بالدليل، وكيفية ترتيب الإستدلال، فلو حصل العلم لهم لحصل لنا ضرورة، وكما لا يصح أن يدعي بعض المشاهدين العلم بالمشاهدة دون صاحبه، كذلك هذا، وكما لا يحصل العلم لبعض السامعين بمخبر الأخبار المتواترة دون بعض، فكذلك هنا.
فإن قالوا: نحن كثرة لا يجوز على مثلنا التواطئ على الكذب، وقد حكينا عن نفوسنا حصول العلم الضروري بإمامة أمير المؤمنين من طريق النص الجلي.
قلنا: فارضوا من خصومكم بمثل هذا، فإن البكرية والنوابت، لا تنحصر أعدادهم، ولا توالى بلادهم، يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نص على أبي بكر نصا جليا بلفظ الخلافة أو نصا علم منه أنه الإمام بعده ضرورة، وهو تقديمه له في الصلاة ؛ ولأن الإحالة على النفوس لا (يختص)(1) ببعض أهل المذاهب دون بعض.
ونحن نقول: نحن لا نعلم ونحن العدد الكثير الذي لا يجوز على مثلهم التواطئ على الكذب، فأي القولين يكون أولى بالتصديق على أن الإمامية قد روت الآثار الكثيرة على ان المحق منها هو العدد اليسير، وعلى أن عدة المنتظمين مع الإمام لا يتجاوزون [عدد](2) أهل بدر، وعلى أن الإمام إن لم يكن في تلك العدة لم يصح قولها.
صفحہ 37
فإن كان الحجة الخبر رجع إليه، وإن كان قول الإمام فما الطريق إليه؟ والأدلة، يجب أن تكون عامة لعموم التكليف، ولا يصح أن يدعيها البعض دون البعض، وإنما ينازع في معانيها المخالف ويصححها المؤالف، ولأن عليا عليه السلام كان ينبههم على الإستدلال، ويذكر لهم متون الأخبار كما يذكر آي الكتاب الكريم، وهو معلوم ضرورة إذا أردنا الإحتجاج على مخالفينا ذكرنا متن الخبر لنتمكن من الكلام في معانيه، وقد ذكر حديث الشورى(1) وبين فيه سبعين فضيلة دلالة على أن الإمامة لا تجوز للمفضول مع وجود الفاضل، وكذلك ما كان يحقق(2) من القرابة، وإن كان معلوما، وكذلك ما روت الإمامية والزيدية من قوله: والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا لا ترقى إلي الطير ولا غثاء السيل(3).
فإنا نقول: وكذلك الأمر ؛ لأن أبا بكر لم يكن ينكر شرف بيته ولا علو صوته، وأنه كما قال من الرئاسة بمحل القطب من الرحا، وأنه في علو شرفه بقرابة(4) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحيث لا يرقى(5) إليه الطير ولا غثاء السيل ؛ ولكن ما في هذا مما يدل على أنه علم إمامته ضرورة ؛ لأنه لم يصرح بلفظ علمه بالإمامة، وإنما ذكر أنه علم أنه محلها ومستحقها، ومن يعتذر له يقول: إنه لا يشك في ذلك، وإنما تقدم وقبل البيعة مخافة الفتنة، وأن يتراخي فتثب عليها الأنصار فتخرج عن قريش، ولهذا استقال لما استقر الأمر، وقال: (من يأخذها بما فيها)، وكذلك قوله: (وليتكم ولست بخيركم)...إلى غير ذلك.
صفحہ 38
وأما قولهم: أنهم باهتوا فمثل ذلك يقول لهم خصومهم أنكم باهتم
في الدعوى علينا بأنا علمنا ضرورة، فأي الأمرين أولى بالتصديق على أن عددنا يقولون أكثر من عددكم فهذا كما ترى.
[الكاملية ورأيها في النص الجلي]
وممن خالف في أمر علي عليه السلام الكاملية أصحاب أبي كامل،
ورأيهم رأي الإمامية في النص الجلي سواء سواء إلا أنهم يقولون أن الأمة كفرت بمنع علي حقه، وكفر علي بترك طلب حقه، وهذا قول ساقط، فتركنا الكلام عليه لظهور فساده ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبرنا أن الحق لا يخرج من أيدي الأئمة(1)، وأن الحق لا يفارق العترة، وقد ورد من الأخبار الظاهرة بعصمة علي عليه السلام كحديث الكساء وغيره ما بعضه كاف في هذا الباب، فكيف يصح أن يدعى عليه الكفر أو الكبائر مع ثبوت العصمة.
[الحكم في المتقدمين على أمير المؤمنين عند الزيدية]
وأما حكم المتقدمين على علي عليه السلام ومن شايعهم على ذلك:
فعندنا أنهم عصوا بترك الإستدلال على إمامة أمير المؤمنين، وعصوا بالتقدم عليه، وهو الفاضل المنصوص عليه، ولا نقطع على أن معصيتهم كبيرة تحبط أعمالهم لعظم الحال في ثواب مؤاساة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبذل الروح والمال دونه، ولا نقطع على أنها صغيرة ؛ لأنه لا يعلم مقادير الثواب والعقاب والصغائر بعيونها إلا الله تعالى، فنكل أمورهم(2) إلى الله تعالى.
[عند الإمامية]
وعند الإمامية أنهم خالفوا المعلوم من دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرورة في أمر علي عليه السلام فكفروا، وإن كان منهم من يتعدى أو يقول أنهم كانوا منافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نجم نفاقهم وبان شقاقهم.
صفحہ 39
[الرد على الإمامية]
والكلام عليهم في ذلك: إنا نقول: هذا قول لا دليل عليه، وما لا دليل عليه فلا يكون بالصحة أولى منه بالفساد.
فإن قالوا: الدليل على ذلك ورود الوعيد على العاصين والظالمين، كما قال تعالى: {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا}[الجن:23]، وقوله تعالى: {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع}[غافر:18]، وهذا نهاية الوعيد، وقد صح ظلم القوم لعترة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم ومعصيتهم لتقدمهم على الإمام المنصوص عليه.
قلنا: مجرد الظلم والمعصية لايدل على ما ذكرتم من استحقاق الوعيد ؛ لأن الله تعالى قد حكى المعصية والظلم من الأنبياء عليهم السلام، ولا وعيد عليهم بالإجماع، قال تعالى: {وعصى آدم ربه فغوى}[طه:121]، وقال تعالى حاكيا عن يونس: {فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}[الأنبياء:87]، وإنما يصح الوعيد متى علم أن المعصية كبيرة، أو الظلم، ولا تكون كبيرة إلا بدليل ؛ لأن مقادير الثواب والعقاب لا يعلمها إلا الله تعالى، أو من أعلمه بذلك، ولأنا نعلم أن عليا عليه السلام لم يكن يعاملهم معاملة الفاسق والمنافق، بل يعاتبهم وينعي عليهم أفعالهم، ولا يسبهم، ولا يعلم(1) منه البرآة منهم، كما كان يظهر البرآة من الفساق والمنافقين، وذلك الظاهر المعلوم من ذريته الأئمة الطاهرين، والأئمة العلماء إلى يومنا هذا، لا نجد أحدا يحكي عنهم حكاية صحيحة لسب ولا برآءة، بل وكلوا أمرهم إلى رب العالمين.
صفحہ 40
[حكم المخالفين لأمير المؤمنين]
وأما حكم المخالفين له عليه السلام، المباينين بالحرب من الناكثين وهم: طلحة والزبير وعائشة، وأتباعهم.
والقاسطين وهم: معاوية وعمرو بن العاص، والوليد بن عقبة وأتباعهم.
والمارقين وهم: عبدالله بن وهب الراسبي، وابن الكوا وحرقوص وأتباعهم فهؤلآء عند الإمامية كفار على سبيل العموم.
والكلام عليهم في ذلك: إن الكفر اسم لمعاص مخصوصة، كإنكار الباري سبحانه، أو الإلحاد في أسمائه، أو تكذيب رسله إلى غير ذلك يتبعها أحكام مخصوصة كحرمة الموارثة، والمناكحة، والدفن في مقابر المسلمين، إلى غير ذلك، ولم تكن هذه صفة القوم، وإنما نقول بكفر بعضهم لأمور ظهرت منه، كما نقول في كفر معاوية لخلافه ما علم من دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرورة من قوله: ((الولد للفراش وللعاهر الحجر))(1) فألحق الولد بالعاهر في ادعائه أخوة زياد بالزنا، وخالف المعلوم من دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكان كافرا بتكذيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي شهدت المعجزات بصدقه، وأجمعت(2) الأمة على كفر من كذبه، وقد سئل علي عليه السلام عن الخوارج أكفار هم؟ قال: من الكفر هربوا. قيل: أمؤمنون؟ قال: لو كانوا مؤمنين ما قاتلناهم، قالوا: فما هم؟ قال: إخواننا بالامس بغوا علينا فقاتلناهم حتى يفيؤا إلى أمر الله، ويقضى على عمومهم بالفسق لخروجهم على الإمام ؛ ولأن عليا عليه السلام قتلهم، ولا يحل قتل المؤمنين ولا المسلمين، وقد ورد في ذلك الوعيد العظيم.
صفحہ 41
وعلي عليه السلام ليس من أهل الوعيد لعصمته، وقد كان من أعظم المسلمين نكاية في القوم، حتى قيل: إنه قتل في ليلة الهرير خمسمائة رجل ونيف على ثلاثين رجلا، وإذا لم يكونوا مؤمنين كانوا فاسقين، إذ لا واسطة بين الفسق والإيمان في المكلفين، وإنما قد ذكرت توبة قوم فأخرجناهم عن حكمهم لأن الله تعالى يقبل توبة التائبين كالزبير، وطلحة، وعائشة، فإن توبتهم قد نقلت.
أما الزبير: فإنه لما ذكره علي عليه السلام قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((لتقاتلن عليا وأنت له ظالم))(1) ترك القتال، وقال:
نادى علي بأمر لست أنكره ... قد كان عمر أبيك الخير مذ حين
فقلت حسبك من قول أباحسن ... بعض الذي قلته في اليوم يكفيني
أخترت عارا على نار مؤججة ... أنى يقوم لها خلق من الطين
ترك الأمور التي تخشى عواقبها ... لله أجدر في الدنيا وفي الدين
ولما استأذن ابن جرموز قاتل الزبير على علي عليه السلام وألقى السيف بين يديه، اغرورقت عينا علي عليه السلام بالدموع وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((بشروا قاتل ابن صفية بالنار))(2)، أما إنك قتلته تائبا مؤمنا طال والله ما كشف به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني السيف، وهذا تصريح بتوبته.
صفحہ 42
وكذلك الحديث في طلحة: إنه لما صرع مر به رجل من أصحاب علي عليه السلام فقال [طلحة](1): أمن أصحابنا؟ أم من أصحاب أمير المؤمنين؟ فقال: بل من أصحاب أمير المؤمنين، فقال: ابسط يدك لأبايعك لأمير المؤمنين فألقى الله على بيعته، أما والله ما كفتنا آية من كتاب الله وهي قوله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}[الأنفال:25] فوالله لقد أصابت الذين ظلموا منا خاصة، وهذه توبة ظاهرة.
وأما عائشة: فكانت تبكي حتى تبل خمارها، وتقول: وددت أن لي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشرة، كلهم مثل الحرث بن هشام، وأنهم ماتوا واحدا بعد واحد، وأني لم أخرج على علي بن أبي طالب.
فأما من لم يتب منهم فإلى النار.
فهذا هو الخلاف في أمر علي عليه السلام، وأمر أتباعه، وأمر المخالفين له، والمعاندين، ذكرناه على وجه الإختصار؛ لأن الغرض التنبيه على أحوال السلف سلام الله عليهم، دون الإستقصاء في ذكر الخلاف والمخالفين، وأحكام المطيعين والمحاربين.
فإذا قد فرغنا من ذلك، فلنذكر الكلام في أولاد علي عليهم السلام، وما جرى في ذلك من قول من ينتسب إلى التشيع.
صفحہ 43
### ||| [القول في إمامة ولد علي عليه السلام]
[الزيدية والإمامية]
فالذي أجمعت الزيدية والإمامية عليه: أن الإمام بعد علي عليه السلام الحسن بن علي، ثم بعده الحسين بن علي عليهم السلام، فعند الزيدية: أنهما إمامان لنص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، وأبوهما خير منهما))(1). وبعض الإمامية تقول علي الإمام بنص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والحسن الإمام بنص علي عليه السلام، والحسين الإمام بنص الحسن عليه السلام.
والإختلاف في كيفية النص يطول شرحه، فيخرجنا عن الغرض.
صفحہ 44