مقدمات
مدخل
...
1 / 5
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢] .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١] .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠، ٧١] .
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار١.
_________
١ هذه خطبة الحاجة التي كان النبي ﷺ يعلمها أصحابه.
1 / 7
مصادر ترجمة المؤلف بدر الدين الغزي:
"٩٠٤-٩٨٤هـ":
١- الحسن بن محمد البوريني "١٠٢٤هـ" تراجم الأعيان من أبناء الزمان ٢/ ٩٣-١٠٥.
٢- نجم الدين الغزي "١٠٦١هـ" الكواكب السائرة في تراجم أعيان المئة العاشرة ٣/ ٣-١٠.
٣- حاجي خليفة "١٠٦٧هـ" كشف الظنون ص١٥٣-٢٤٠-٣٨٠-٤٤٣-٤٥٤-٤٧٨-٥٩٦-٧٣٠-٧٣٥-٨٣٦-٨٥٦-١٢٦٠-١٣٣٢-١٦١٧-١٦٥١.
٤- شهاب الدين الخفاجي "١٠٦٩هـ" ريحانة الألبا وزهرة الحياة الدنيا ١/ ١٣٨-١٤٤.
٥- ابن العماد الحنبلي الدمشقي "١٠٨٩هـ" شذرات الذهب في أخبار من ذهب ١٠/ ٥٩٣-٥٩٥.
٦- محمد بن سليمان الروداني "١٠٩٤هـ" صلة الخلف بموصول السلف ص٢٦، ٢٧.
٧- محمد بن علي الشوكاني "١٢٥٠هـ" البدر الطالع ص٧٦٨-٧٦٩.
٨- جورجي زيدان "١٩١٤م" تاريخ آداب اللغة العربية ٣/ ٣٢٣.
٩- إسماعيل باشا البغدادي "١٩٢٠م" هدية العارفين ٦/ ٢٥٤.
١٠- إسماعيل باشا البغدادي "١٩٢٠م" إيضاح المكنون ١/ ٥-٣١٤-٣٤٣، ٢/ ١٠٥-٤٩٧-٦٥٨-٦٥٩.
1 / 8
١١-أديب تقي الدين الحصني "١٩٤٠م" منتخبات التواريخ لدمشق ٢/ ٥٨٩.
١٢- كارل بروكلمان "١٩٥٦م" تاريخ الأدب العربي ٢/ ٤٧٣-٤٧٤.
١٣- خير الدين الزركلي "١٩٧٦م" الأعلام ٧/ ٥٩.
١٤- د. عمر فروخ "١٩٨٧م" معالم الأدب العربي ١/ ٤٨٥-٤٨٩.
١٥- عمر رضا كحالة "١٩٨٨م" معجم المؤلفين ١١/ ٢٧٠-٢٧١.
١٦- فهرس المؤلفين بالظاهرية "الثبت" ٢٩/ ١-٣١/ ٢.
١٧- فهرس المخطوطات المصورة في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية ٢/ القسم الثاني/ ٢٤٨-٢٥٢.
١٨- الكتبخانة "فهرست الكتب العربية المحفوظة بالكتبخانة الخديوية" ٧/ ٥٣١.
1 / 9
مصادر ترجمة صاحب المختصر عبد الباسط العلموي:
"٩٨١هـ":
١- نجم الدين الغزي "١٠٦١هـ" الكواكب السائرة في تراجم المئة العاشرة ٢/ ٢٨٤.
٢- حاجي خليفة "١٠٦٧هـ" كشف الظنون ص٤٨٧.
٣- جورجي زيدان "١٩١٤م" تاريخ آداب اللغة العربية ٣/ ٣٢٣.
٤- كارل بروكلمان "١٩٥٦م" تاريخ الأدب العربي ٢/ ٣٦٠، والمستدرك ص٤٨٨.
٥- خير الدين الزركلي "١٩٧٦م" الأعلام ٣/ ٢٧٠-٢٧١.
٦- عمر رضا كحالة "١٩٨٨م" معجم المؤلفين ٥/ ٦٩-٧٠.
٤- فهرس المؤلفين بالظاهرية.
٨- فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية: التاريخ وملحقاته ٢/ ٤٢١.
٩- فهرس المخطوطات المصورة في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية ٢/ ٢٣٧.
1 / 10
رضي الدين أبو الفضل الغزي:
١- هو رضي الدين أبو الفضل محمد بن رضي الدين١ محمد بن أحمد بن عبد الله الغزي، ولد في عاشر ذي القعدة من سنة ٨٦٢ "١٩/ ٩/ ١٤٥٨م" في دمشق ونشأ فيها.
يَتِمَ رضي الدين أبو الفضل الغزي من أبيه وعمره نحو سنتين، فتولى تربيته زين الدين خطاب بن عمر بن مهنا الغزاوي بوصية من والد رضي الدين، فعُنِي برضي الدين عناية فائقة، ثم زوجه بابنة له.
أخذ رضي الدين العلم عن نفر كثيرين، منهم: محمد بن أبي بكر بن قاضي شهبة "ت ٨٧٤هـ"، وبرهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي "ت ٨٨٥هـ"، وعن أبي العون الغزي، وعن برهان الدين الباعوني "ت ٨٧٠هـ"، ومحمد البصروي، وأحمد بن برهان الدين الزرعي، ومحمد بن حامد الصفدي، وعن أبي بكر بن عبد الله بن قاضي عجلوان "ت ٩٢٨هـ".
وقضى رضي الدين هذا نحو أربع سنوات في مصر "٩١٧-٩٢١هـ" وجلس للتدريس فيها "الكواكب السائرة ١/ ٢٤٨، ٢/ ١٩٤، ٤١٣". وقد تولى التدريس في دمشق أيضا كما تولى القضاء فيها نيابة، ثم تقلده أصالة وكانت وفاته في دمشق في الرابع عشر من شوال من سنة ٩٣٥ "٢٤/ ٦/ ١٥٢٩م".
٢- كان رضي الدين الغزي محدِّثا وفقيها ثم مشاركا في عدد من فنون العلم من النحو والبلاغة والمنطق والفلك والطب والملاحة والفلاحة. وكان أيضا متصوفا، ومعظم كتبه شروح على كتب للمتقدمين أو نظم لها شعرا، له:
_________
١ مصادر ترجمته: الكواكب السائرة ٢/ ٣-٦، وشذرات الذهب ١/ ٢٩٢، والأعلام ٧/ ٥٦، ومجلة مجمع اللغة العربية بدمشق ٨/ ٣٦.
1 / 11
شرح أرجوزة البارزي في المعاني والبيان، شرح عقيدة جمع الجوامع في الفقه لتاج الدين عبد الوهاب السبكي "ت ٧٧١هـ"، نظم عقائد "؟ " الغزالي "ت ٥٠٥هـ"، نظم عقائد لبعض الفقهاء الحنفية، نظم نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر "في الحديث" لابن حجر العسقلاني "ت ٨٥٢هـ"، نظم قلائد العقيان في مورِّثات الفقر والنسيان لإبراهيم الناحي، نظم رسالة السيد بن الشريف "محمد بن علي الجرجاني المتوفى سنة ٨٣٨ للهجرة" في علمي المنطق والجدل، شرح على نظم هذه الرسالة، الإفصاح عن لب الفوائد والتلخيص والمصباح "في المعاني والبيان" شرح على الإفصاح ... إلخ، الجوهر الفريد
في أدب الصوفي والمريد "ألفية"، ألفية في اللغة "نظم فيها "فصيح" ثعلب"، ألفية في علم الهيئة "الفلك"، ألفية في الطب، منظومة في علم الخط، كتاب في الملاحة، كتاب في الفلاحة.
وكان له نظم أكثره في الحقائق "التصوف" وفي الحِكَم والنصائح، وهنالك جانب كبير منه في نظم قواعد عدد من العلوم.
٣- مختارات من شعره:
- قال رضي الدين الغزي في موقف الجهال من العلوم "شذرات الذهب ١٠/ ٢٩٤":
ما كان بكر علومي قط يخطبها ... إلا ذوو جدة بالفضل أكفاء١
وغض منه ذوو جهل معاذرة ... والجاهلون لأهل العلم أعداء٢
_________
١ بكر علومي: "العلوم التي لا يعرفها أحد غيري". الجدة بالضم أو بالكسر: الرأي والمكانة ... راجع القاموس المحيط ١/ ٣٨١. أكفاء: مساوون "أهل لأن يتلقوا عني هذه العلوم".
٢ غض "من علومي" خفض منزلتها، حقرها، معاذرة "لتعذر فهمها عليهم: عجزهم عن فهمها".
1 / 12
وله في مثل ذلك:
يا طالب العلم حقا ... اخرج إلى الله عنكا١
وإن خرجت فناد ... أستغفر الله منكا
يا جاهلا وهو لأهـ ... ـل العلم لا يسلم٢
ارجع إلى الحق وإن ... سئلت قل لا أعلم
- وأرسل محمد بن جمعة المصري "ت ٩١٤هـ" لغزا إلى رضي الدين الغزي "الكواكب السائرة ١/ ٣٦، ٣٧" فأجاب رضي الدين بقصيدة أولها:
يا سيدا حاز الفضائل وانفرد ... بمعارف قد جد فيها واجتهد
ما زلت تبدي كل حين تحفة ... بعجائب من بحر عرفان تمد٣
أرسلت لي لغزا بديعا وصفه ... عقدته بنوادر لا تنتقد
في اسم تركب من حروف أربع ... معلومة مثل الطبائع في العدد٤
_________
١ اخرج إلى الله عنك "سلم أمرك لله، افعل ذلك، أي طلب العلم، في سبيل الله".
٢ لأهل العلم لا يسلم "لا يقر بفضلهم عليه".
٣ بعجائب ... تمد "تأتيه مددا، متوالية".
٤ الطبائع الأربع "في الطب القديم" الدم والبلغم والسوداء والصفراء.
1 / 13
فردين مع زوجين..... ... .....................
- وله قصيدة في التوسل جاء فيها "الكواكب السائرة ١/ ٣٥":
إلهي، إن أسأت بغير علم ... فإني فيك قد أحسنت ظني
إلهي، إنني أخشى وأرجو ... أمانا منك فامنن لي بأمن
إلهي، غير بابك في أموري ... إذا ما ضقت ذرعا لم يسعني١
إلهي، مثلما أحسنت بدءا ... ففي العقبى بحقك لا تسئني
إلهي، من يعين إلى وصولي ... إلى ما ترتضى إن لم تعني
_________
١ الذرع: المقدار، القياس، ضاق فلان بالأمر ذرعا "طاقه: عجز على احتماله".
1 / 14
محمد بدر الدين الغزي:
١- هو محمد بدر الدين بن محمد بن محمد بن عبد الله بن بدر الدين بن عثمان بن جابر الغزي، ولد في الرابع عشر من شهر ذي القعدة من سنة ٩٠٤ "٢٣/ ٦/ ١٤٥٩م".
بدأ محمد بدر الدين الغزي تلقي العلم على والده، ثم على نفر من العلماء في دمشق وفي مصر في أثناء رحلة إليها رافق فيها أباه "نحو ٩١٦-٩٢١هـ"، وبرع في فنون العلوم وهو صغير، فلما عاد إلى دمشق تصدر فيها للتدريس وعمره فيما قال ابنه نجم الدين: سبع عشرة سنة، وقد أصبح أيضا شيخ القراء في الجامع الأموي في دمشق، وتولى إمامة المقصورة، وأخيرا تولى إفتاء الشافعية بدمشق.
وحج محمد بدر الدين الغزي سنة ٩٥٢ للهجرة "١٥٤٦م" من طريق القاهرة "الكواكب السائرة ٣/ ٤٥، ٦٢، ٦٧"، وقد اتفق له أن شُرد عن دمشق مدة لا تعرف زمنها ولا مداها.
وفي مطلع شهر شوال من سنة ٩٨٤ نزل به مرض فمات به في السادس عشر من ذلك الشهر "٢٧/ ١٢/ ١٥٧٦م".
٢- كان بدر الدين الغزي عفيف النفس لا يأخذ شيئا على الفتاوى "احتياطا من أن تشتبه الهدية بالرشوة" كما كان كريما محسنا إلى تلاميذه، ثم إنه لزم العزلة في آخر أيامه؛ إذ كان -منذ أول عصره- ميالا إلى الصوفية "وقد بلغ في التصوف درجة علية ولبس الخرقة".
وبدر الدين الغزي مشارك في عدد كبير من فنون العلم: في التفسير والحديث والفقه واللغة والنحو والبلاغة، وهو ناظم كثير النظم ومصنف كثير التصنيف، قيل: زادت مصنفاته على مائة "وأكثرها منظومات وشروح وحواشٍ".
1 / 15
فمن تصانيفه: منظومة في خصائص النبي ﷺ فتح المغلق في تصحيح ما في الروضة١ من الخلاف المطلق - منظومة في شرح الخصائص يوم الجمعة وشرحها - جواهر الذخائر في الكبائر والصغائر "منظومة" - منهل الوُرَّاد في قراءة الأوراد وتحفة الملوك لمن أراد تحرير السلوك في "التقوى وطلب رضا الله" - شرح التوضيح "في النحو" لابن هشام الأنصاري٢ - ثلاثة شروح على الألفية٣ - نظم الآجرومية لابن آجروم "وهي أول تآليفه" - شرح شواهد التلخيص "تلخيص المفتاح لجلال الدين القزويني المتوفى سنة ٧٣٩ للهجرة في المعاني والبيان، وقد لخص فيه شرح عبد الرحيم العباسي المتوفى سنة ٩٦٣ للهجرة" - منظومة في موافقات سيدنا عمر "ابن الخطاب" للقرآن العظيم وشرحها - المطالع البدرية في المنازل الرومية "ترجمة حياته" - التنقيب عن ابن النقيب - الدر النضيد في أدب المفيد والمستفيد٤ - أسباب النجاح في آداب النكاح - فضل الخطاب في وصل الأحباب - المراح في المزاح - المنظوم الكبير في مائة ألف وثمانين ألف بيت من الشعر "راجع: الكواكب السائرة ٣/ ٦ السطر الخامس عشر" - شرح الصدور بشرح الشذور٥ - تفاسير الثلاثة: المنظومان الكبير والصغير٦.
_________
١ ... "؟ " يبدو أن هذا الكتاب في الفقه.
٢ ابن هشام الأنصاري النحوي عبد الله بن يوسف "ت ٧٦١هـ" لعل التوضيح "في النحو" هو كتاب "أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك".
٣ الألفية "أرجوزة في النحو" لابن مالك الطائي النحوي "ت ٦٧٢هـ".
٤ يوجد منه نسخة في الظاهرية برقم "عام - ٨١٨٤" وأخرى في مصر في المكتبة الأزهرية، وثالثة في بيروت في الجامعة الأمريكية.
وقد حصلنا على نسخ مصورة منه، وسوف نعمل على تحقيقها وطبعها بمشيئة الله.
٥ لعله "شذور الذهب" لابن هشام الأنصاري الذي ورد ذكره في الحاشية التي قبل السابقة.
٦ يوجد في المكتبة الظاهرية بدمشق الجزء الثالث من التفسير المنظومي الكبير برقم "عام - ٤٦٩٨" وقطع من هذا التفسير المسمى: تيسير البيان في تفسير القرآن برقم "عام - ٦٩٤٢"، وأما التفسير المنظومي الصغير فيوجد منه نسخة برقم "عام - ٤٦٩٩".
1 / 16
٣- مختارات من آثاره:
- قال محمد بدر الدين الغزي مقاطع من الشعر منها:
بالخط والجاه، لا بفضل ... في دهرنا المال يستفاد
كم من جواد بلا حمار ... وكم حمار له جواد١
من رام أن يبلغ أقصى المنى ... في الحشر مع تقصيره في القرب٢
فليخلص الحب لمولى الورى ... والمصطفى فالمرء مع من أحب٣
- كان بين بدر الدين الغزي وعبد الرحيم العباسي "ت ٩٦٣هـ" إخوانيات "مراسلة بالشعر"؛ من ذلك أن عبد الرحيم العباسي كتب إليه يشكو الزمان "تراجم الأعيان ٢/ ١٠٠":
أرى الدهر يسعف جهاله ... فأوفر حظ به الجاهل
وأنظر حظي به ناقصا ... أيحسبني أنني الفاضل
_________
١ كم من جواد "رجل كريم" بلا حمار "حيوان يستخدمه في تنقله" ومن حمار "رجل لا فهم له" له جواد "حيوان كبير القيمة، وسيلة انتقال، ثروة كبيرة".
٢- الحشر: يوم القيامة، القرب جمع قربة "بالضم" العمل الصالح يتقرب به المسلم إلى الله.
٣ مولى "سيد" الورى "مجموع الناس": الله تعالى، المصطفى: محمد رسول الله "المرء مع من أحب" "حديث مروي عن رسول الله؟ ".
1 / 17
فكتب إليه بدر الدين الغزي مجيبا:
أعبد الرحيم سليل العلا ... ويا فاضلا دونه الفاضل١
أتعتب دهرا غدا موقنا ... بأنك في أهله الكامل٢
لو أبصروني راعيا وجه من ... أهوى، ودمعي جاريا سيلا٣
لشاهدوا المجنون من عامر ... يرعى صباحا راجيا ليلى٤
- وقال في آداب العشرة "آداب العشرة، ص١١-١٧":
... اعلم أيها الأخ الصالح -أصلح الله شأننا- أن لأدب الصحبة وحسن العشرة أوجهًا، وأنا مبين منها ما يدل على أخلاق المؤمنين وآداب الصالحين ... فمن آداب العشرة: حسن الخلق مع الإخوان والأقران٥ والأصحاب، اقتداء برسول الله ﷺ فإنه قال -وقد قيل له: ما خير ما أعطي المرء؟: "حسن الخلق"، ومنها: تحسين ما يعاينه من عيوب إخوانه٦ ... ومنها: معاشرة الموثوق بدينه وأمانته ظاهرا وباطنا ...
_________
١ في هذا البيت تورية المعنى القريب هنا: أنت أفضل من كل فاضل "كل رجل فاضل أقل منك فضلا ومكانة" والمعنى البعيد المقصود: أنت "يا عبد الرحيم العباسي أفضل من عبد الرحيم بن علي" "ت ٥٩٦هـ" والذي كان يعرف بلقب "القاضي الفاضل"، وكان القاضي الفاضل بارعا في النثر خاصة وفي الإتيان في نثره بوجوه البلاغة.
٢ أتعتب دهرا خطا "هنا" في الاستعمال المقصود "أتعتب على دهر" "أتلوم دهرا؟ ".
٣ راعيا: ناظرا يديم النظر، مجنون بني عامر: مجنون ليلى "رجل جن -بالضم- في حب ليلى العامرية" قيس بن الملوح.
٤ يرعى "ينتظر مجيء ... " راجيا" على "أمل أن يرى" ليلى "إذا طلع الصباح".
٥ الأقران: المساوون "للشخص" في العمر أو المكانة ...
٦ ومنها: تحسين التماس العذر لما يراه من أخطاء أصحابه.
1 / 18
ترجمة مؤلف المختصر:
اسمه ونسبه: هو الشيخ عبد الباسط بن الشيخ شرف الدين موسى بن محمد بن إسماعيل العلموي الشافعي، ثم الموقت، رئيس المؤذنين في جامع دمشق الأموي، وكبير الوعاظ فيه.
ولادته وأسرته وحياته: ولد سنة سبع وتسعمائة هجرية "٧٠٩هـ"، وكان والده أحد الشهود القدماء المعدلين في دمشق، وخطيب جامع الحاجب١ بسوق صاروجا في دمشق.
قال العلموي في مختصر تنبيه الطالب له: وبعده "أي بعد ابن قاضي عجلون٢" خطب برهان الدين السوبيني٣، ثم فرغ السوبيني لوالدي المرحوم شرف الدين موسى العلموي، أحد السادة الشهود المعدلين في دمشق سنة ٨٥٧هـ، ثم استمر خطيبا به إلى سنة ٩٢١هـ، واختارني يومئذ، وكان سني أربع عشرة سنة "أي سنة ٩٢١هـ" خطيبا في الجامع المذكور فخطبت خطبة أملاها عليّ المرحوم محمد الضرير، الخطيب، الفصيح، الرجيح الدَّيِّن، المبارك المأنوس، فكتبتها منه، ثم خطبت بها يوم الجمعة من محرم بحضور
_________
١ جامع الحاجب: أحد الجوامع القديمة في سوق صاروجا "ثمار المقاصد ص١٢٠، ١٩٦، ٢٠٨"، وقال النعيمي: جامع الحاجب بسويقة صاروجا.
٢ هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد، الزين العجلوني الزرعي الدمشقي الشافعي، عالم بالحديث والفقه، وكان قاضيا على عجلون بعد والده مدة وعزل عنها، ثم لما خرجت عجلون قدم دمشق، وباشر عمالة وقف الحرمين فيها، ونظر الأيتام والأوصياء، فحمدت سيرته، توفي في دمشق سنة ٨٣٧هـ. القبس الحاوي ١/ ٣٦٧.
٣ هو إبراهيم بن عمر بن إبراهيم السوبيني الحموي ثم الطرابلسي، برهان الدين: قاض، من فقهاء الشافعية، نسبته إلى "سوبين" من قرى حماة، ولي القضاء بمكة وحلب وطرابلس، ومات بدمشق سنة ٨٥٨هـ. القبس الحاوي ١/ ٧٥، والأعلام ١/ ٥٦.
1 / 19
المملي والوالد وجماعة من أمراء المحلة، وحصل لي في ذلك اليوم خلعة صوف بلخشي، وأوصلني بعض الحاضرين ذهبا، والبعض دراهم، وحرصوني على ملازمة الخطبة، فما كان إلا القليل حتى وقعت الفتنة بين الجراكسة والعثمانية، فوصلت مع والدتي وابنتها وبعلها عبد الله القرعوني إلى القرعون، ومكثت هناك ثمانية أشهر في خلال ذلك أخطب إلى أن رجعت معهم سنة ٩٢٣هـ، ثم استمريت إلى أن وخطتني اللحية وتكاملت في سنة ٩٢٥هـ وخطبت بالجامع المذكور واستقليت به نزولا وفراغا من الوالد.
إذن فالمؤلف العلموي استقل بالخطابة في جامع الحاجب بسوق صاروجا في دمشق نزولا وفراغا من والده؛ لذلك شملته بركة نصيحة العباد مع الوعظ لهم، فصار ذلك فيه حالا وحرفة -كما يقول هو عن نفسه- ثم تولى رئاسة المؤذنين في جامع دمشق الأموي بعد أبي البقاء ابن عفلقون في سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة.
قال النجم الغزي١: كان له فضل في علم الميقات، وعلم النغمة والتلحين، وله إنشاءات وعظية يستعملها رؤساء المولد، وكان يعظ الناس يوم الخميس في رجب وشعبان ورمضان في "الجامع" الأموي.
وقرأ على الوالد شيخ الإسلام أبي البركات بدر الدين الغزي، وعلى الوفائي.
وفاة والده: "قال النجم الغزي"٢ توفي والده بغتة سنة أربعين وتسعمائة هجرية.
محنته: "قال النجم الغزي"٣ احترقت داره وفيها أسبابه وكتبه سنة ستين وتسعمائة، وأخرجت عنه رئاسة المؤذنين للجلال الرملي قبل موته بمدة قريبة.
_________
١ الكواكب السائرة ٢/ ١٦٢-١٦٣.
٢ الكواكب السائرة ٢/ ١٦٣.
٣ الكواكب السائرة ٢/ ١٦٣.
1 / 20
وفاته: توفي سنة إحدى وثمانين وتسعمائة هجرية في دمشق.
"قال النجم الغزي"١ توفي سنة إحدى وثمانين وتسعمائة، وصلى عليه شيخ الإسلام والوالد "بدر الدين الغزي" إماما، ودفن بباب الفراديس.
مصنفاته ومؤلفاته: لم يخلف العلموي كتبا كثيرة، على حد علمنا، والذي خلفه منها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وأغلبها اختصارا لكتب سابقيه، لكنها مفيدة في أبوابها وفنونها، وهي:
١- المعيد في أدب المفيد والمستفيد، وهو كتابنا هذا.
٢- مختصر تنبيه الطالب وإرشاد الدارس إلى أحوال دور القرآن والحديث والمدارس "والأصل للنعيمي" حققه الدكتور صلاح الدين المنجد ونشره في دمشق سنة ١٣٦٦هـ-١٩٤٧م.
٣- العقد التليد في اختصار الدر النضيد، ما زال مخطوطا في شستربتي "الرقم ٣٢١١" كما ذكر العلامة الزركلي في الأعلام ٣/ ٢٧٠-٢٧١.
٤- مختصر طبقات الحنابلة، كما ذكر العلامة أمين التراث العربي أحمد عبيد.
"قال العلامة أمين التراث العربي أحمد عبيد: ورأيت بخطه تعليقات وجيزة على مختصر طبقات الحنابلة اختصره الشمس النابلسي، وكتب في آخره ما يدل على أنه لخص هذا المختصر أيضا، كما رأيت له تعليقات أخرى على ذيل طبقات الحنابلة للحافظ ابن رجب، رحمهم الله تعالى".
_________
١ الكواكب السائرة ٢/ ١٦٣.
1 / 21
العلموي وكتابه التلخيصي:
المعيد في أدب المفيد والمستفيد:
١- النشرة القديمة لكتاب "المعيد في أدب المفيد والمستفيد":
نشر الأستاذ العلامة أمين التراث العربي أحمد عبيد في دمشق سنة ١٣٤٩هـ "١٩٣٠م" كتاب "المعيد في أدب المفيد والمستفيد" للشيخ عبد الباسط بن موسى محمد العلموي "ت ٩٨١هـ-١٥٧٣م".
يقول الناشر: إنه عثر على نسخة وحيدة لذلك الكتاب "فألفينا فيه من الحث على العلم وبيان فضيلته وآدابه الظاهرة والخافية ما حبب إلينا نشره؛ ليطلع القراء منه على بعض ما كان للعلم وحملته عند السلف من شأن فيقدروهم حق قدرهم، وتشتد رغبتهم في السير على سنتهم ... "١.
هدف الناشر كان إذن ما رآه في الكتاب من حث على العلم٢، ثم من جهة ثانية، غرس تقدير السلف في نفوس القراء، ومن ثمة السير على السنن القديمة والمحافظة عليها ...
أما هدفنا فمختلف: نحن نهتم بالغرض الأساسي، أي لموضوعه الذي هو التربية والتعليم والتأديب، وعلى ذلك فإن نشرتنا هذه تقصد إظهار القيمة الأساسية للكتاب، والغرض الذي من أجله كُتب؛ وذلك من خلال هذه الدراسة، ومن خلال ما قدمناه من ملاحظات سوف تراها منشورة خلال هذا الكتاب.
_________
١ المعيد في أدب المفيد والمستفيد.
٢ العلم بمعناه العام أي العلوم الدينية "الشرعية" والعلوم التي لا تتعارض مع ذلك، وإن العلم بمعناه العام خاصا أو ضيقا هو المنصب على الشرعيات، انظر كتاب: الحث على حفظ العلم لابن الجوزي بتحقيقنا.
1 / 22
وهكذا سيظهر لنا أن الفكر التربوي في تاريخه الطويل عندما حافظ على وحدة واستمرارية، وتميز بشخصية تشابهت أبعادها عبر قرون مديدة وفي أماكن مختلفة، فكتاب المعيد في أدب المفيد والمستفيد، المكتوب في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، قل أن يختلف مع الكتب التي ألفها الغزالي وابن جماعة وزين الدين بن أحمد الزرنوجي وغيرهم.
ذلك أن طرائق التعليم، وبُنى العملية التربوية، وموضوعات الدراسة أو برامجها، والنظرة للمعلم ولغاية التعليم، وهي كلها موضوعات نلقاها عند المفكرين المذكورين أعلاه دون كبير تغيير أو تطور واضح.
يوفر لنا إذن كتاب العلموي فرصة لدراسة الفكر التربوي في القرن العاشر/ السادس عشر، وبذلك نقرأ أيضا فلسفة صنع الإنسان، والمطلوب من المربي، وصورة الرجل الكامل والمجتمع الفاضل بحسب تصور ذلك القرن من الزمان، وتلك القراءة مناسبة صالحة أو حقل خاص يتيح الدراسة التحليلية النقدية، والمنهج المقارن، والغايات الاستيعابية المعروفة في دراسة التاريخ والتطور ...
٢- العلموي ملخصا أو مؤلفا لكتاب "العميد":
عبد الباسط العلموي شيخ دمشقي "٩٠٧-٩٨١" كان أبوه خطيب جامع الحاجب "سوق صاروجا، دمشق" خطب عبد الباسط في ذلك الجامع في الرابعة عشرة من عمره، ترك دمشق إلى القرعون، ثم رجع إلى بلده الأصلي، وتولى رئاسة المؤذنين في جامع دمشق الأموي "٩٣٨هـ"، وكان يعظ فيه في مناسبات دينية.
العلموي فقيه دمشق الأكبر، وواعظ ذو شهرة وقدرات، ومن المعروف -حتى اليوم- أنه لم يدرس بعد.
1 / 23
ويقول الناشر عبيد: إنه رأى "تعليقات وجيزة" بخط العلموي على "مختصر طبقات الحنابلة الذي اختصره الشمس النابلسي، وكتب في آخره ما يدل على أنه لخص هذا المختصر أيضا، كما رأيت له تعليقات أخرى على ذيل طبقات الحنابلة للحافظ ابن رجب"، وقد بينا ذلك خلال ترجمتنا له.
ليس له إذن مؤلفات معروفة، ولا كثيرة، أما كتابه "المعيد" فهو تلخيص، بحسب ما ينبئنا، ثم بمعرفة بحسب ما يقول، ثم وبحسب معرفة صاحب الكتاب الموسع أو الأصلي الذي يحمل اسم: الدر النضيد للبدر الغزي.
٣- البدر الغزي وملخصه العلموي:
كتاب العلموي تلخيص لكتاب الغزي، وهذا الأخير فقيه وأصولي وعالم في الحديث والتفسير، وضع كتبا كثيرة، وله مائة وبضعة عشر كتابا، بحسب قول الزركلي في "الأعلام"، ثم إن بدر الدين الغزي الدمشقي "٩٠٤-٩٨٤" هو والد المؤرخ نجم الدين الغزي "صاحب الكواكب السائرة"، وكان قد خصص لتلامذته في دمشق رواتب وأكسية.
كتاب "الدر النضيد" هو إذن أصل الكتاب الذي ندرسه هنا ونقدمه بنصه، وفي رأينا أن العلموي حتى وإن لخص فهو صاحب الآراء التي يقدمها، أو هو الموافق عليها والمتبني لها، سواء أطُبع الأصل أم لم يطبع، فالمهم هو الأفكار أو النظرية الواحدة الشاملة، وفي جميع الأحوال فإننا ننسب الأفكار، في دراستنا هذه إلى الملخص "العلموي" لا الغزي، هذا مع الإقرار للغزي بالفضل، وكثرة التآليف، والصبغة الزهدية الصوفية في أعماله المطبوعة النافعة، وفي الواقع فإن العلموي وإن لم يشر في تضاعيف كتابه إلا قليلا إلى كتاب "الدر النضيد"، فإنه قد جعل من العنوان "الذي هو المعيد" ما يدل على أنه يكرر
1 / 24
ويلخص، وذاك عنوان يذكر بكتاب زين الدين بن علي بن أحمد العاملي "الشهيد الثاني ٩٦٦هـ" منية المريد في آداب المفيد والمستفيد١.
٤- المخطوط وطبعته القديمة:
قلنا: إن النشرة الأولى لكتاب المعيد قامت على نسخة وحيدة، كانت موجودة في حلب، ومكتوبة بخط العلموي نفسه "بقلم دقيق وكتب على هامش كثير من الصفحات عناوين لبعض المطالب ... ".
ويقول الناشر: إنه اكتفى "في التصحيح بإثبات ما رأيناه صوابا دون الإشارة إلى الخطأ؛ لأننا رجعنا في ذلك إلى الأصول، التي نقل عنها مؤلف الأصل ... ". أما الحواشي فبعضها موجود في المخطوط، وبعضها الآخر والقليل أضافه السيد عبيد
، وهي كلها حواشٍ ذات نفع طفيف.
_________
١ انظر: هدية العارفين ٢/ ٥٩٧، والأعلام ٣/ ٦٤.
وقد طبع كتابه مرتين في النجف ١٩٣٩ و١٩٥١م.
1 / 25