العقد المفصل في قبيلة المجد المؤثل
العقد المفصل في قبيلة المجد المؤثل
أراد الحطيئة بقوله: إن كانت أُمّك قدمت الحجاز فقد وقعت عليها وكنت منّي، وأراد الفرزدق بقوله: قدمه أبي أي وقع بأُمّك فكنت أنت أخي.
وروي عن الشعبي أنّه قال: قاتل الله أباالأسود ما كان أعفّ أطرافه وأحضر جوابه، دخل على معاوية في النخيلة، فقال له معاوية: أكنت ذكرت للحكومة؟ قال: نعم. قال: فما كنت صانعًا؟ قال: كنت أجمع ألفًا من المهاجرين وأبنائهم وألفًا من الأنصار وأبنائهم ثمّ أقول: يا معشر من حضر أرجل من المهاجرين أحقّ أم رجل من الطلقاء، فلعنه معاوية وقال: الحمد لله الذي كفاناك.
وروي أنّ أباالأسود طلب أن يكون في الحكومة وقال لأمير المؤمنين في وقت الحكمين: يا أمير المؤمنين! لا ترض لأبي موسى فإنّي قد عجمت الرجل وبلوته وحلبت أشطره فوجدته قريب القعر مع أنّه يمان وما أدري ما يبلغ نصحه فابعثني فإنّه لا يحلّ عقدة إلاّ عقدت له أشدّ منها وإنّهم قد رموك بحجر الأرض، فإن قيل إنّه لا صبحة لي فاجعلني ثاني اثنين فليس صاحبهم إلاّ من تقرّب وكان في الخلاف عليهم كالنجم، فأبى ﵇.
وروى محمّ بن يزيد النحوي أنّ أباالأسود كان نازلًا في بني قشير وكانوا يخالفونه في المذهب لأنّ أباالأسود شيعيًّا، فكانوا يرمونه بالليل فإذا أصبح شكا ذلك، فشكا مرّة فقالوا له: ما نحن نرميك ولكنّ الله يرميك. قال: كذبتم، لو كان الله يرميني ما أخطأني.
وقال عتبة بن أبي سفيان لعبد الله بن عبّاس: ما منع علي بن أبي طالب ﵇ أن يجعلك أحد الحكمين؟ قال: أما والله لو بعثني لاعترضت مدارج أنفاسه أطير إذا أسفَّ وأسفُّ إذا طار، ولعقدت له عقدًا لا تنقض مريرته ولا يدرك طرفاه ولكنّه سبق قدر ومضى أجل والآخرة خير لأمير المؤمنين ﵇ من الدّنيا.
وقال أبو جعفر محمّد بن عليّ ﵉ لكثير: امتدحت عبد الملك بن مروان؟ فقال له: لم أقل له يا إمام الهدى وإنّما قلت له: يا شجاع، والشجاع حيّة، ويا أسد، والأسد كلب، ويا غيث، والغيث موات. فتبسّم أبو جعفر من قوله.
الباب العاشر في قافية الراء
وفيها خمسة فصول
الفصل الأوّل في المديح
قلت في مدحه هذه القطعة:
أيّامنا بك بيض كلّها غرر ... وعيشنا بك غضّ مونق نضر
ووجهك المتجلّي للندى مرحًا ... من نوره تستمدّ الشمس والقمر
يا شمس دارة أُفْق المجد كم لك من ... صنايع لم تكن في العدّ تنحصر
لله كم لك من معنىً تحير في ... إدراكه العقل والأوهام والفكر
قد قلت للمبتغي جهلًا علاك لقد ... جريت لكنَّ عنها شأنك القصر
تبغي على ماجد ما رامه أحد ... إلاّ وعاد بطرف عنه ينحسر
ذاك الذي ما جرى يومًا لنيل علىً ... إلاّ وقصّر عن إدراكه البصر
كم زرته فرأيت الأرض قد جمعت ... في مجلس لفتىً فيه استوى البشر
في العسر واليسر فيه لم يخب أملٌ ... ولا تغيّر من أخلاقه الغير
كأنّما صلة الوفّاد واجبة ... عليه نصّت بها الآيات والسّور
لولاه أصبحت الدنيا بأجمعها ... ما للسماح بها عين ولا أثر
فليس في السحب من بخل إذا انقشعت ... لكنّها لحياء منه تستتر
أقول: قد اشتملت هذه المقطوعة على القسم الثاني من الإبداع، والإبداع هو أن يخترع المتكلّم معان غير مسبوق إليها.
قال عبد الحميد: خير الكلام ما كان لفظه فحلًا ومعناه بكرًا.
وهو أي الإبداع ضربان: أحدهما: ما يبتدع عند الحوادث المتجدّدة.
لمّا بنى عبد الملك بابًا للمسجد الأقصى والحجّاج آخر مثله بإزائه فاحترق باب عبد الملك بالصاعنة دونه فشقّ ذلك عليه، فكتب إليه الحجّاج: وما مثلي ومثلك إلاّ كمثل ابني آدم إذ قرّبا قربانًا فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر، فسري عنه.
ولمّا عصفت الريح بخيمة سيف الدولة وكانت خيمة كبيرة، سقطت، فتطيّر من ذلك، فقال المتنبّي من جملة قصيدة:
تضيق بشخصك أرجاؤها ... ويركض في الواحد الجحفل
ولا تنكرنَّ لها صرعةً ... فمن فرح النفس ما يقتل
ولمّا أمرت بتطنيبها ... أشيع بأنّك لا ترحل
فما اعتمد الله تقويضها ... ولكن أشار بما تفعل
أي أشار بما تفعله من الإرتحال.
1 / 140