السنن الاجتماعية المحتومة : وهي ما قضت به روح الاجتماع وعوامله، وهي غير عامة وغير ثابتة، بل هي متغيرة، على أن منها ما لا تمكن مخالفته؛ كسنة العرض والطلب في الأمور الاقتصادية، فهي ثابتة ما دام النظام الاجتماعي إفراديا، ولكن إذا صار النظام اشتراكيا انتفت السنة برمتها؛ إذ لا يبقى لها لزوم.
وما دامت سارية فهي جيدة للحال الاجتماعية الجارية، ولا يمكن أن تخالف أو تعصى؛ لأن تقابل العرض والطلب يحدد السعر، ومن يرم أن يرفع السعر عما حددته هذه السنة لا يستطيع أن يبيع شيئا، ومن يطلب السلعة بثمن أقل من السعر لا يستطيع أن يشتري؛ فسنة العرض والطلب وإن كانت قابلة التغير ليست قابلة المخالفة أو العصيان.
كذلك اللغة وقواعدها هي سنة تختلف باختلاف الأقوام، وقابلة التغير بتقلب الأزمان؛ فلغة اليونان اليوم غير لغتهم في قديم الزمان، ولكنها لا تخالف؛ لأن من يخالفها بتغيير قاعدة فيها، أو بتغيير معاني بعض ألفاظها يعجز عن التعبير بها، ويستحيل عليه التفاهم بواسطتها. فهو لكي يستطيع أن يتفاهم مع غيره بها مضطر أن يحافظ على معاني ألفاظها، وعلى قواعد نحوها وصرفها.
ومن السنن الاجتماعية ما تمكن مخالفته؛ كالزواج والحجاب والعادات العرفية والأزياء إلخ. (3)
السنن المدنية : أي الشرائع الأمرية، فهي غير عامة ولا ثابتة، بل هي في كل بلاد غيرها في الأخرى، وهي اليوم غيرها بالأمس. وهذه أيضا تمكن مخالفتها؛ فقد يعصاها بعض الناس سرا وجهرا إذا رضوا بتحمل العقاب. (4)
الشرائع الدينية : وهي كسابقتها غير عامة وغير ثابتة، وقابلة المخالفة، فلمن هو مستعد لتحمل عقاب الآخرة أن يعصى وصايا الإله. (1-4) طبائع السنن المختلفة
فترى مما تقدم أن السنن مختلفة الطبائع من حيث التغير والمخالفة، فمنها: (1) سنن قابلة التغير وقابلة المخالفة؛ كالسنن المدنية. (2) سنن قابلة التغير ولكنها غير قابلة المخالفة؛ كالسنن الاقتصادية. (3) سنن غير قابلة المخالفة وغير قابلة التغير؛ كالسنن الكونية بالنسبة إلينا. (4) سنن غير قابلة التغير ولكنها قابلة المخالفة؛ كالسنة الأدبية. (1-5) ثبات السنة الأدبية
إذن السنة الأدبية لا تقبل التغير؛ لأنها سنة الحق أو الصواب. والحق أمر عام وثابت في كل زمان ومكان، ولكنها تقبل المخالفة لأنها ليست وراء دائرة الذاتية الشخصية؛ كسنة الجاذبية مثلا، أو كسنة العرض والطلب، أو كسنة اللغة؛ لأن المعاملة بحسب هذه السنن لا تتم إلا بتوافق طرفين؛ أحدهما: الشخص، والآخر: السكون في الأولى، والمجتمع في الثانية، بل هي ضمن دائرة الشخصية. فللشخصية أن تتخلق بها أو أن تتجرد منها؛ ففي حالة تخلقها بها تكون شخصية كاملة متجهة إلى المثل الأعلى في الجودة، وفي حالة تجردها منها لا تبقى شخصية إنسانية أدبية؛ أي إن الذاتية تفقد حينئذ الشخصية الكاملة المشار إليها.
فالسنة الأدبية تختلف عن السنن الاجتماعية المدنية والدينية بكونها غير قابلة التغير كهذه، ولكنها تتفق معها بكونها قابلة المخالفة، على أنها تخالف السنن الدينية والمدنية بكونها غير أمرية، بل هي حتمية طوعية. وهذا القول يستلزم تفسيرا كما سترى فيما يلي: (1-6) السنة الأدبية سجية
الشرائع الدينية والمدنية أمرية؛ لأن الأولى صاغها إله، والأخرى صاغها النظام الاجتماعي بقالب «يجب أن تفعل أو لا تفعل»؛ فإن خالفت الشرائع الدينية عوقبت في الآخرة، أو إن خالفت الشرائع الدينية عوقبت في هذه الدنيا، فهي صادرة من سلطة خارجة عن ذاتية الشخصية، مصحوبة بالوعد أو الوعيد، والشخصية مطالبة بطاعتها، بيد أنها حرة في الاختيار بين الطاعة والعقاب.
نامعلوم صفحہ