ومن ثم جر الطمع أولئك المشاغبين السفلة؛ فهاجموا الدردنيل واحتلوه رغما من مناعته، فهددوا القسطنطينية أمل الإسلام وقوته.
ولكن أبى الله إلا نصرة الإسلام على أعدائه، فقيض له من أبنائه عائلة كوبريلي الألبانية؛ فنجتها من خطر محدق بها كادت تركيا تضيع بسببه.
وكان رأس تلك العائلة كوبريلي محمد باشا، وهو رجل ولا كل الرجال له حنكة الشيوخ وهمة الشبان، ألف الدهر وعاركه.
كان في الثمانين من عمره حين قبض على أزمة الرئاسة؛ فأبدى من سياسة المحافظة على المملكة خير سياسة، فكان خير حاكم أخرج للناس في ذلك العهد، كان عادلا محبا لخير الأمة العثمانية ، ناشرا العدل والمساواة في أنحاء البلاد، متخذا الحرية قاعدة له، يسير على منهج الخلفاء الراشدين، متبعا قاعدة الشرع الشريف، يسير على طريقها القويم.
بدأ هذا الشهم حياته السياسية بتغير سياسة الدولة؛ فبدلا من اتباع سياسة سليمان القانوني والرجوع إليها في صداقة فرنسا وغيرها ابتدأ بتغير دفتها، وسار ميمما سياسة الوحدة، أي اتباع تركيا طريقا تكون فيه بعيدة عن التأثر بسياسة أي دولة من دول أوروبا.
أما سياسته الداخلية فكانت مقصورة على: تنظيم المديريات والمقاطعات، وإقامة حكام يراعون العدل في نظامهم، والتؤدة في سياستهم، والحنكة في أمورهم.
وقد باشر طرد الأسطول الفنيسي عن لمنوس وتنيدوس، فانجلوا في أقرب وقت تاركين الأوطان لأهلها، والبلاد لسكانها.
وبهمته المعهودة ضرب بيد من حديد على ثورة كان للانكشارية يد فيها؛ فأسكتهم وأمن اضطراباتهم.
وعلى كل حال؛ فإنه أحيا تركيا حياه طيبة، وألبسها ثوبا قشيبا خاطته يد الحنكة السياسية، والتدبير والعدل والروية.
ولكن هو الدهر لا يؤتمن
نامعلوم صفحہ