Characteristics of the Victorious Sect and Its Concepts

Adnan Al-Arur d. Unknown

Characteristics of the Victorious Sect and Its Concepts

صفات الطائفة المنصورة ومفاهمها

ناشر

مؤسسة قرطبة للطباعة والنشر والتوزيع

ایڈیشن نمبر

الثانية

اشاعت کا سال

١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م

پبلشر کا مقام

الجيزة - مصر

اصناف

السبيل إلى منهج الطائفة المنصورة (٥) صفات الطائفة المنصورة ومفاهمها بقلم عدنان بن محمد آل عرعور مؤسسة قرطبة طباعة - نشر - توزيع ت: ٥٣٥٠٢٧

1 / 1

السبيل إلى منهج الطائفة المنصورة (٥) صفات الطائفة المنصورة ومفاهيمها القسم الخامس بقلم عدنان بن محمد آل عرعور

1 / 2

حقوق الطبع محفوظة الطبعة الثانية المزيدة والمنقحة ١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م مؤسسة منارة قرطبة للجمع التصويري وتجهيزات الطباعة ٦٤ ش الخليفة * مدينة الأندلس * الهرم * الجيزة

1 / 3

بسم الله الرحمن الرحيم

1 / 4

مقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عَبْدُهُ ورسولُهُ. أما بعد: وإنَّ كُلَّ مُنْصِفٍ واعٍ يَطَّلِعُ على هذا الواقع التعيس، ويتدبر ما قُدِّمَ في كتاب «السبيل» هذا من تحليلات شرعية لهذا الواقع يدرك أنه لا شفاء لهذه الأمة من أمراضها، ولا نجاة لها من مصائبها، ولا نصر لها على عدوها، ولا تمكين لها في أرض الله جميعًا إلا بالرجوع إلى دينها، شريطة التزام الضابط الذي يضبط لها الفهم الصحيح، والمنهج الذي ينير لها الدرب .. وحينئذ يوحَّد الفهم، ويتَّحد الطريق، فيكون الخير والفلاح. وأَنَّ الله ﷿ لم يَدَعِ الأمر هملًا، كل يفهم دينه كما يرى، وكل يسير كما يجتهد، بل بَيَّنَ هذا الضابطَ بنفسه، ووضع هذا الميزان في كتابه؛ كي تقام الحجة، ويوحَّد المنهج. وقد ثبت بالأدلة القطعية من الكتاب والسنة، وكلام الأئمة، والعقل

1 / 5

السليم، والواقع المدروس على ضوء الكتاب والسنة وتحليلهما للأحداث؛ أن ضابط الفهم، وميزان العمل هو: ما كان عليه الصحابة -رضوان الله عليهم- ومن تبعهم بإحسان في العقيدة، والمنهج، والشريعة، والسلوك، وأنهم الطائفة المنصورة، والفرقة الناجية. وأن لهذه الطائفة الوحيدة أصولًا، وقواعدَ، ومنهجًا، ومفاهيمَ، وأسسًا، وصفاتٍ تتميز بها عن الطوائف المخطئة، والفرق المنحرفة. وأن كل من خرج عن هذه المفاهيم والأصول فقد أبعد الفهم، وضل السبيل، كذلك كانت الطوائف مِنْ قَبْلُ، وكذلك ستكون الطوائف مِنْ بَعْدُ، مهما كانت نِيَّاتُهُمْ، ومهما كانت تضحياتهم، ومهما كانت أدلتهم، وستبقى هذه الجماعات تعيش في تمزقها، وَتَرْسُفُ (١) في ضعفها، وتراوح في مكانها .. تلهث ولا تسير، تسقط ولا تنهض، تصرخ ولا تعمل .. تقوم من مصيبة لتقع في كارثة .. وتخرج من كيد لتسقط في فخ، وستبقى هكذا حتى تدرك هذا المنهج، وتسلك هذا السبيل، سبيلَ الطائفة المنصورة ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ﴾. وإلا فستظل هذه الْفِرَقُ تتخبط في تِيهِهَا مهما بذلت، ومهما اجتهدت ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ﴾ .. إلى أن تدرك هذه الحقيقة، حقيقة اتباع منهج الفرقة الناجية، وعندئذ يتحقق وعد الله، ويتنزل نصره. ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾.

(١) رَسَفَ يَرْسُفُ ويَرْسِفُ: مَشَى مَشْيَ الْمُقَيَّدِ إِذا جاءَ يَتَحَامَلُ برِجْلِهِ مَعَ القَيْدِ. [هذه الحاشية في النسخة الإلكترونية فقط وليست بالمطبوع (مُعِدُّه للشاملة)]

1 / 6

وبناء على هذا؛ فاعلم أنه لا هداية للعبد دون السير على طريق أهل السنة والجماعة، وأنه لا سير صحيحًا إلا بعد معرفة «السبيل». وأنه لا سبيل لتوحيد الأمة الإسلامية وتمكينها إلا بمعرفة معالم الطائفة المنصورة، والالتزام بها. وفضلًا عَمَّا سبق فإنه لا نجاة للعبد من عذاب الله يوم القيامة، ولا فَوْزَ بالجنة إلا باعتقاد عقيدة الفرقة الناجية، والسير على منهاجها .. وهاك «السبيل» بأجزائه خطوة جادة عملية وشرعية واقعية لرسم الطريق الأقوم لنهوض هذه الأمة من كبوتها، واستفاقتها من غفوتها؛ لتكون الأمة التي أرادها الله تعالى. فليس المقصود بهذا الكتاب رجلًا معينًا، ولا جماعة مخصوصة، بقدر ما هو تشخيص حقيقي لواقع مؤلم، ومعالجة صحيحة لهذا الواقع، فضلًا عن أنه سَعْيٌ صادق، وخطوة منضبطة لتوجيه هذه الصحوة، وتأصيلها، وتوعية أفرادها، وتثبيتهم على الحق والمنهج المثمر، لا تربيتهم على العاطفة الجيَّاشة، والحماسة المؤقتة، اللتين تزولان بصيحة، وتنطفئان بنفخة ... وهذا هو الذي يُفْرِحُ أعداءهم، إذ إليه يَصْبُونَ، ومنه يخترقون .. وبتأصيلهم وحسن تربيتهم يبقون ما بقي الحق، ويصمدون كما صمد الأنبياء، فينالون ما نالوا من التوفيق في الدنيا، والفوز في الآخرة. ويكفينا عبرة ما حل بنا من كوارث، وما نصبت لنا من أفخاخ، وآن لنا أن ندرك الطريق المستقيم، ونسلك المحجة الواضحة. وقد ذُكِرَ في الجزء الأول منه: الواقع المضطرب الذي يعيشه العالم، والحال المؤلمة التي يعيش فيها عالمنا الإسلامي، وَبُيِّنَ فيه الأسباب الحقيقية الكامنة

1 / 7

وراء هذا الضعف .. من جهل بحقيقة هذا الدين وأهدافه، وتفرق مُخْزٍ، وفقدان للإخلاص والذات، فضلًا عَمَّا يكيده أعداء الله بهذه الأمة، وما يتربصون بها. كما ذُكِرَ فيه أخطاء التشخيص والمعالجة المرتجلة، وصور مؤلمة من صور التربية التي تمارسها بعض الجماعات الإسلامية، ثم ذُكِرَ طريق العلاج، وسبيل النجاة، وعواصم الحفظ. وَوُضِّحَ في الجزء الثاني منه السبيل الأمثل والوحيد لضبط فهم الكتاب والسنة، والذي به يزول الخلاف، وتتوحد الأمة، وهو أصل أصول الطائفة المنصورة، ثم ذُكِرَ فيه أصلان من أصولها. وَعُرِّجَ في الجزء الثالث على أصلٍ عظيمٍ من أصولِ الطائفةِ المنصورةِ، وسبيلٍ قَوِيمٍ من سُبُلِهَا يُبَيِّنُ سببَ الانحرافِ وَخُطُورَتَهُ، ومعنى الاتباع ووجوبه، ومعنى الابتداع وحرمته، وعلامات كل من أصحاب الطريقين، ثم خُتِمَ ببعض قواعد الإنصاف التي تضبط المسلم على الصراط، وَتَقِيهِ من الانحراف، مِنْ غَيْرِ جَفَاءٍ مُنَفِّرٍ، وَلَا غُلُوٍّ مَقِيتٍ، وَلَا تَسَاهُلٍ مُشِينٍ. وفي الجزء الرابع: عُرِضَ الأصل الرابع: السمع والطاعة وحدودهما، وحال المسلمين منهما. وَفُصِّلَ في الأصل الخامس موقفُ العقل من الشرع، وحكم تعارضهما، وموقف الطوائف الأخرى من هذا الأصل العظيم. وَبُيِّنَ فيه أيضًا الأصلُ السادس: التوفيق بين النصوص، وطرقه، ووجوهه، وهذا الأصل هو فَصْلُ الخطاب بين الطائفة المنصورة وطوائف الضلال الذين يضربون النصوص بَعْضَهَا ببعض، فلا يدركون توفيقًا، ولا يحسنون جمعًا. وَذُكِرَ فيه أمثلة مفيدة من الكتاب والسنة على ذلك، تُنِيرُ لطالب العلم

1 / 8

سبيلَ هذا الأصل، وَتُبَيِّنُ له أن أصل ضلال الطوائف الأخرى هو إعراضهم عن هذا الأصل العظيم. وفي هذا الجزء: ذُكِرَ ثلاث صفات من صفات الطائفة المنصورة، والتي يمكن للمرء أن يميز بها طائفة الحق عن طوائف الضلالة، وَضُرِبَتْ أمثلة واقعية؛ لتوضيح هذه الصفات، وفهمها. كما ذُكِرَ ثلاثة مفاهيم من مفاهيم هذه الطائفة، تُجَلِّي حقيقةَ واقع المسلمين، والأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا الضعف الذي كان وراء هذا الذل الذي تعيشه أمتنا الإسلامية. ثُمَّ ذُكِرَ إشكالات مهمة لبعض الجماعات الإسلامية، وَأَجَبْتُ عنها، مثل: «إلى متى نُرَبِّي؟»، «نحن نُرَبِّي وهم يهدمون»، إلى غير ذلك من حديث الصحوة الإسلامية. وسيتتابع السبيل -إن شاء الله- في أجزائه القادمة على ذِكْرِ بقية أصول الطائفة الناجية التي بالتزامها يزول الخلاف، وعلى ذِكْرِ صفاتها التي بها تتميز عن الطوائف الأخرى، ومفاهيمها التي بها يُوَضَّحُ طريقُ تَشْخِيصِ أمراضِ الأمةِ، وَسُبُلُ معالجتها، ثُمَّ النهوضِ بها. وَمَنْ رَأَى فِي هَذَا الْكِتَابِ شَيْئًا فَلْيَتَدَبَّرْ قَبْلَ أَنْ يَتَعَجَّلَ، وَلْيَسْتَفْصِلْ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ، وَلْيَنْصَحْ قَبْلَ أَنْ يَفْضَحَ، وَمَنْ خَالَفَ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَقَدِ اتَّصَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ. ولقد ذكرتُ سِرَّ كثرة استشهادي بأقوال الداعية سيد قطب ﵀ في الجزء الأول، فَلْتُرَاجَعْ.

1 / 9

واللهَ أسألُ أن ينفع به، وأن يجعله خالصًا لوجهه .. وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان، وما كان من صواب فمن توفيق الرحمن، وصلى الله وسلم على النبي المختار، وعلى آله وصحبه البررة الأخيار، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم القرار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وكتبه عدنان بن محمد آل عرعور

1 / 10

مباحث هذا الجزء - المقدمة. - من صفات الطائفة المنصورة. الأولى: صفة الاستمرارية. الثانية: صفة الاجتماع على التوحيد والمنهاج، والمفارقة عليها. الثالثة: صفة الشمولية. - من مفاهيم الطائفة المنصورة. الأول: كل ما أصابنا فَبِمَا كسبتْ أيدينا. الثاني: تغيير واقعنا إنما يكون بتغيير ما بنفوسنا. الثالث: تربية الفرد ووحدة الصف قبل مناجزة العدو. - خلاصة ما في الأجزاء السابقة.

1 / 11

مِنْ صِفَاتِ الطَّائِفَةِ الْمَنْصُورَةِ النَّاجِيَةِ اعلم -هداني الله وإياك- أنه كما للطائفة المنصورة أصول تتبناها، وقواعد تعمل بمقتضاها، فإن لها كذلك صفاتٍ تُعْرَفُ بها، وسماتٍ تُمَيِّزُهَا عن تلك الطوائف المنحرفة التي حَكَمَ عليها رسول الله ﷺ بالضلال في الدنيا، والعذاب بالنار يوم القيامة، أعاذنا الله وإياكم منها. وأهم هذه الصفات:

1 / 12

الصفة الأولى من صفات الطائفة المنصورة: صفة الاستمرارية اعلم أن أول صفة تتميز بها الطائفة المنصورة عن الطوائف الضالة الأخرى هي صفة «الاستمرارية». أي: إن الطائفة المنصورة مستمرة بوجودها، ومقوماتها، وأصولها، ودعوتها، ومنهجها، ورجالها، من لدن رسول الله ﷺ إلى ساعتنا هذه، بل إلى يوم القيامة (١). ودليل هذا قوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [التوبة: ١٠٠]. ففي قوله تعالى: «السابقون الأولون» إشارة إلى تاريخ بدء هذه الجماعة، وإلى أنها أُنَاسٌ، لا منهج مجرد.

(١) قد حصل بين بعض الإخوة الأفاضل خلاف في الطائفة المنصورة، هل هي منهاج وسلوك؟ أم طائفة من الناس؟ والصواب الذي لا ريب فيه هو ما ذكرناه في «السبيل»، الطبعة الأولى، منذ سنين، وقبل نشوء هذا الخلاف، أن الطائفة المنصورة هي منهاج، وأصول، ومقومات، وسلوك، وطائفة من الناس، يسيرون على هذا السبيل، ولا معنى لمنهاج بلا طائفة، ولا لطائفة بلا منهاج، فتدبر هذا؛ فهو فصل الخطاب -إن شاء الله- في هذه المسألة.

1 / 13

وفي قوله تعالى: «والذين اتبعوهم» إشارة إلى استمرارية هذا الوجود، وعموميته، وعدم انقطاعه، وأن ثمة رجالًا مستمرون على هذا السبيل، وأن قِوَامَ هذا الاستمرار هو الاتباع «اتَّبَعُوهُمْ». فإذا فُقِدَ حَمَلَة المنهج، أو انعدم شرط الاتباع، فَقَدَتِ الجماعة هذه الصفة؛ وبالتالي فليست هي الطائفة المنصورة. من السنة: ويؤيد هذا ويوضحه قوله ﷺ: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون» (١). ففي قوله ﷺ: «لا تزال» دلالة واضحة، وَبَيِّنَةٌ ناصعة، على صفة «الاستمرارية» للطائفة المنصورة. وفي قوله ﷺ: «طائفة» دليل على وجود الجماعة التي تَنْصُرُ قَتُنْصَرُ، وهي بمنزلة السند في الحديث، وهم كالسلسلة، تأخذ كلُّ حلقة بعنق أختها، بلا انقطاع زمني، ولا انفصال بشري. وفي قوله ﷺ: «ظاهرين على الحق» دليل على وجود المنهاج، والقيام بأمره، قولًا وعملًا، حركةً ورسمًا. قال شيخ الإسلام: «لَكِنَّ أهلَ السنة يَبْقَوْنَ، ويبقى ذِكْرُهُمْ، وأهل البدعة يموتون، ويموت ذكرهم» (٢).

(١) أخرجه البخاري رقم (٧٣١١، ٧٤٥٩، ...)، ومسلم (٣/ ١٥٢٣)، وغيرهما. (٢) الفتاوى (٢٨/ ٣٨).

1 / 14

وإذن؛ فالطائفة المنصورة الناجية هي منهج، ومقومات، وجماعة، ورجالات، تقوم على هذا المنهج، وتستمسك بتلك المقومات، وهي ظاهرة على هذا، عقيدةً ومسلكًا، شريعةً، وخلقًا، وجهادًا بالقول، واللسان، والعمل، والسِّنَانِ، فتارة هذا، وتارة ذاك، حسب الظروف، والأحوال، ومقتضى الشريعة الْغَرَّاءِ. وهكذا كان رسول الله ﷺ وأصحابه .. تارة يجاهدون بالقرآن: ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٢]. وتارة بالدعوة: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل: ١٢٥]. وتارة بالسِّنَانِ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣]. وبناء على هذه الصفة -صفة الاستمرارية- فإن أَيَّ جماعة نشأت بعد رسول الله ﷺ بمنهج، أو تحزب، أو سياسة، أو تَفَرُّقٍ، أو خرجت عن الجماعة الأم بعقيدة، أو فكر، أو بابتداع، أو منهج، فهي جماعة مقطوعة السند، غير ناجية المآل؛ إذ لم يتحقق فيها شروط صحة السند، وهي: «نقل العدل الضابط، عن العدل الضابط، إلى منتهاه، من غير شذوذ، ولا علة». فلا بُدَّ من أن يكون في أول السند الصحابةُ -رضوان الله عليهم- ثم في الطبقة الثانية التابعون من بعدهم، وهكذا إلى يومنا هذا .. جِيلٌ عَنْ جِيلٍ. وفي حال إنشاء جماعة جديدة، بفكر جديد، أو منهاج جديد، أو رسم جديد، فالسند -والحال هذه- مرسل، منقطع، والطائفة هذه فاقدة لصفة الاستمرارية التي هي الفارق الأكبر، والميزة العظمى، فهي-إذن- ليست منصورة، ولا ناجية. وانقطاع السند يؤدي إلى انحراف في المتن والمنهج، وهو ما يسميه

1 / 15

الْمُحَدِّثُونَ: الشذوذَ والنكارةَ. وهكذا كان شأن الطوائف التي خرجت عن الجماعة الأم، من خوارجَ، ومعتزلة، وغيرهم .. إنما ضَلُّوا لشذوذهم عن الصحابة، ولنكارة ما أحدثوه من فكر، وطرق. وَكُلَّمَا طال الزمن زاد الانحراف، وازداد الضلال، كَضِلْعَيِ الزاوية تمامًا، كُلَّمَا امتدا [ابْتَعَدَ أَحَدُهُمَا عن الآخر]، كما سبق بيانه. وكذلك كل طائفة انقرضت وانتهت، أو انقطع نَسْلُهَا، وبارت رجالها، فهي مُعَلَّقَةُ السند، وَمِنْ ثَمَّ فهي جماعة مبتورةُ الأثر، غير ناجية المآل، ولو أعاد سيرتها رجال بعد ذلك؛ لأنها فَقَدَتْ حلقاتٍ في سندها، وبذلك فَقَدَتْ صفة الاستمرارية التي هي شرطٌ في الجماعة الناجية. والحقيقة: أن هذه الصفة -صفة الاستمرارية- من أبرز صفات الطائفة المنصورة تمييزًا لها عن الطوائف الهالكة، أو الطوائف النابتة. إذ بسهولة ولأول وَهْلَةٍ يدرك المرء العاقل بهذه الصفةِ الطائفةَ الناجيةَ من غيرها، فهو يدرك أن الطائفة التي تُقِرُّ أنها تأسست منذ كذا وكذا، وأن مؤسسها فلان، هي طائفة حَكَمَتْ على نفسها، وشهدت بلسان مقالها وفعالها، أنها لا تتصف بصفة الاستمرارية التي هي من أهم صفات الطائفة المنصورة ومميزاتها على الطوائف الضالة، ذلك بأن الطائفة الناجية لا مؤسس لها إلا رسول الله ﷺ.

1 / 16

فلا تأسيس للطائفة المنصورة مُحْدَثٌ بعد التأسيس الأول، ولا فِكْرَ لها جديد، ولا عقيدة مبتدعة، ولا منهج لها مخترع. ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣]. «اتبعوا ولا تبتدعوا فَقَدْ كُفِيتُمْ، عليكم بالأمر العتيق» (١)، أي: الأول الأصيل. فاللهم هداك.

(١) من قول ابن مسعود ﵁

1 / 17

الصفة الثانية للطائفة المنصورة: الاجتماع على التوحيد والمنهاج، والمفارقة عليهما فالطائفة المنصورة لا تجتمع على أساس إلا أساس التوحيد والمنهاج، ولا تفارق الناسَ إلا عليهما. فلا يكون أُسُّ اجتماعها، ولا محور عملها، على فقه، ولا زهد، ولا سنة، ولا واجب، ولا سياسة، ولا جهاد، ولا رمز، ولا نسب، ولا تفترق لخلاف في سنة، أو واجب، أو مكروه، أو محرم، أو رجل، أو حسب، أو نزعات شخصية، أو خلافات إدارية، أو مواقف سياسية. والمقصود بالاجتماع ههنا أن لا يكون أساس اجتماعها إلا على هذا، وَإِلَّا فالاجتماع على هذه الأمور الشرعية، والتعاون عليها، واجب معروف، وإنما يكون التوحيد «العقيدة» أساسها، والمنهج محورها، والإسلام إطارها، وطريق الطائفة المنصورة طريقها. والمقصود بكون التوحيد أساسًا لها، والمنهج محورها، أي: لا تقبل في صفوفها إلا الموحدين، ولا تبدأ دعوتها إلا بالتوحيد، ولا تربي أتباعها إلا على الإيمان والتوحيد، ولا تسير إلا على منهاج عندها، فيه من الله برهان، ولا برهان إلا على منهج أصحاب رسول الله ﷺ، ومن تبعهم بإحسان. فعليهما تجتمع، وفيهما تفارق، وعليهما توالي، وفيهما تعادي.

1 / 18

هكذا فعل رسول الله ﷺ في مكة، وهكذا دعا ... دعا ثلاثة عشر عامًا إلى التوحيد، والأخلاق، وشيء من العبادة، يجمع الناس على التوحيد، ويفرقهم عليه، حتى وصفته الملائكة أنه «فرق بين الناس» (١). آصرة التجمع: قال سيد ﵀: «وَمِنْ ثَمَّ لم يكن بُدٌّ أن تتمثل القاعدة النظرية للإسلام -أي: العقيدة- (٢) في تجمع عضوي حركي منذ اللحظة الأولى، تستهدف رَدَّ الناس إلى ألوهية الله وحده ... ربوبيته، وقوامته، وحاكميته، وسلطانه، وشريعته ...». ثم قال: «وبعد: فإن الإسلام وهو يبني الأمة المسلمة على هذه القاعدة، وفق هذا المنهج ... يجعل آصرة التجمع هي العقيدة». وقال: «لأن وجود المجتمع المسلم لا يتحقق إلا بهذا» (٣). ثم ماذا؟ ثم بعد ذلك يُجْتَمَعُ على العلم، والعمل، والعبادة، والسياسة، والجهاد، والزهد، كُلٌّ حسب ترتيبه الشرعي، وكلٌّ حسب اختصاصه. فهي تعطي كل ذي حق حقه، وكل ذي حكم حكمه، من حيث الأهمية، والأولوية، والترتيب.

(١) أخرجه البخاري (٨/ ١٣٩ و١٤٠)، و(فرق) بتسكين الراء، أو تشديدها مع الفتح. (٢) هذا من كلامه ﵀، واعلم أن هذا مشروط بدفع الحزبية. (٣) المعالم (ص ٥٠).

1 / 19

ففي حديث معاذ ﵁ حين أرسله رسول الله ﷺ إلى اليمن .. أرسله داعية، ومعلمًا، وَرَتَّبَ له الأولوياتِ، وَبَيَّنَ له الطريقة الْمُثْلَى في تجميع الناس، ودعوتهم، فقال له ﷺ: «إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فَإِنْ هُمْ أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فَإِنْ هُمْ أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تُؤْخَذُ من أغنيائهم، فَتُرَدُّ في فقرائهم، فَإِنْ هُمْ أطاعوا لذلك فإياك وكرائمَ أموالهم، وَاتَّقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» (١). فجعل ﷺ الأولوية التي ليس قبلها ولا بعدها أولوية هي «التوحيد»، ثم القيام بالعبادات، وهو ما يُعَبَّرُ عنه بـ: تصحيح العقائد، وإصلاح العبادات. التوازن المطلوب: إن على المسلم العاقل المتزن أن يراعي القواعد الدينية في الإيمان، والعمل، والدعوة، والمنهج .. فلا يقدِّم الفروع عل الأصول، ولا العبادات على الإيمانيات، ولا الجزئيات على الكليات، بل يُعطى كل ذي حق حقه، حسب منهج الأنبياء في ذلك. ومعظم الناس في هذا -للأسف الشديد- على غير هُدًى: فمنهم من لا يفرق بَيْنَ أصل عقدي أو منهجي وَبَيْنَ خلاف فقهي، ولا يفرق بين ركن وسنة، ولا بين صغيرة وكبيرة، ولا كلية ولا جزئية، فمنهم من يفرط بالتوحيد على حساب التجميع، وبعضهم يتفرقون في سنة،

(١) البخاري رقم (١٤٩٦)، ومسلم (١/ ٥٠).

1 / 20