58

ووعدها أبو زيد مطمئنا بمناصرتها وإرجاع حقها، على أن تترك لهم مي الحزينة لترافقهم كمغنية عبر رحلتهم ومخاطرهم إلى تونس والمغرب.

ودفعت تلك الواقعة وتعهد أبي زيد للأميرة المنكوبة إلى المكوث بضعة أسابيع في حلب بانتظار لحظة تحين الانتقام لشاه الريم من الهصيص المتسلط حاكم حلب.

إلى أن حانت - حسب نص السيرة - ليلة زواجه القسري من شاه الريم وتسللهم بعد خداع الحرس إلى عرسه الماجن، لحين تحينهم للحظة غفلته، فقطعوا رأسه وهو مخمور وعادوا به إلى الأميرة الصغيرة الجميلة، التي لها كامل الحق في حكم حلب الشهباء وتخومها.

وأعجبت هي بشجاعة الهلاليين وأغدقت عليهم ثمين الهدايا، ووعدت بمناصرتهم دوما اعترافا لهم بمعروفهم، وسمحت لهم باصطحاب صديقتها المقربة «مي»، التي فرحت كثيرا باصطحابهم مودعة أميرتها باكية من رهبة الفراق.

وبعد ذلك اتخذ أبو زيد ورفاقه من شباب الأمراء ومعهم مي الحزينة طريقهم إلى تونس وبواباتها السبع.

وهناك أقاموا مضربهم بوادي الغباين المزدهر البهيج المتاخم لأحد مداخل أو بوابات قرطاج الشهيرة أياما، لتحين فرصة الانفلات والتسلل إلى داخل تونس وتحقيق مأربهم العاجل الذي تنتظره جموع الهلاليين ببالغ الصبر والثقة.

فكانوا يقدمون عروضهم وأغانيهم وأهازيجهم ليلا التي شاركت فيها مي بصوتها العذب الرخيم، الذي اجتذب حراس البوابات والمفوضين على الداخلين إليها من زائرين أجانب.

ولم تكن مي الحزينة أقل حماسا ولا إقداما بالنسبة إلى الريادة ومخاطرها، وهي التي قبلت عن طيب خاطر اصطحابهم: فأنا مثلكم هلالية.

وهكذا وثق بها أبو زيد ويونس خاصة، الذي بهرها حقا مدى فروسيته واعتداده وإقدامه وكل ما ينبض فيه من تواجد أو حضور وإيقاع متناسق: زينة الشباب.

إلا أن الانتظار الذي طال أمده على بوابات تونس لم ينس أبا زيد لحظة مهامه من حيث الإلمام به، كأمن كل مناطق القوة أو الضعف على طول القلاع الأربع عشرة التي تتبع سلطنة تونس وقرطاج.

نامعلوم صفحہ