وانفلت السلطان حسن مندفعا وهو يرمق ابنه يونس مطمئنا: طبعا أذكر، أعرف.
وكمن قرر أمرا غمغم مسرا ليونس منسحبا: والخيرة في جمع الشمل.
وتفهم يونس مغزى مقولة والده مندهشا منشرحا غير مصدق.
وعلى الفور سمعت من الخارج ضجة عالية صاحبت دخول أبي زيد منكسا مرتبكا على غير عاداته وما عرف عنه، ومن فوره تقدم جاثيا عند ركبتي الأمير طاعن السن جابر الأقرب إلى أن يصبح ضريرا، وهب الأمير جابر يمد يده عابثا في خصلات شعر أبي زيد بعنف ينبئ عن مدى تكتم ما يعتمل في أعماقه من انفعالات عنيفة متضاربة: عمي الأمير جابر، الآن تحقق حلم السنين الطوال في أن تكتحل عيناي برؤيتك ومشاهدة سماحتك.
كل هذا ودياب بن غانم يقاربهما دهشا من تصرف أبي زيد في تجاهله على هذا النحو وبعد طول افتراق وهما الصديقان القديمان اللذان وثقت الأيام والسنون بمحنها وانتصاراتها ما بينهما إلى حد يصعب تجاهله على هذا النحو.
إلا أن أبا زيد تنبه من فوره مستديرا محتضنا دياب بن غانم مقبلا طويلا: أخي وصديق عمري دياب.
متقدما لائما والده العزيز الأمير غانم، والخفاجا عامر وزيدان شيخ الشباب والقاضي بدير، والجميع في لهفة حقيقية محملة بكل تعبير الأسف العميق لتغيبه عنهم جميعا وهم ضيوفه في نجد المرية، لحين دخول السلطان حسن منشرحا قليلا معابثا أبا زيد والجميع: يبدو أن فارسنا أبا زيد يفكر أخيرا جديا في استكمال نصف دينه.
في ذات اللحظة التي أخذ فيها أبو زيد مكانه ملاصقا لعمه الأمير جابر منكسا مضطربا معانيا قليلا في صعوبة لم يعهدها قبلا قائلا: عمي الأمير جابر، أطلب مغفرتك مدى العمر!
ولعلها كانت اللحظة، ويمكن القول الحالة الوحيدة التي يشهد فيها جميع من احتواهم ذلك المجلس أبا زيد فارس الهلالية على هذا النحو من الاضطراب والحنو، وفي مثل تلك المناسبة وهو تقبل العزاء في رحيل الأميرة الأم قائدة الهلالية - الشماء - الذي امتد أياما طويلة.
ومن جديد ساد صمت عميق في المجلس، امتدت خلاله يد الأمير جابر - والد العالية - وكأنها تبحث عن جدائل شعر أبي زيد لتعمل فيها وكما لو كان أبا رحيما يداعب طفله في حنو، بينما تقاطعت دموع الأمير الشيخ على وجنتيه، وأبو زيد يجففها لائما بمنديله متحسسا بكفتيه جبهته وجفون عينيه المسبلتين الآسيتين.
نامعلوم صفحہ