بمعنى أن كارثة المخدرات في لوس أنجيلوس لا تقاس أبدا بما يحدث هنا في القاهرة أو غيرها، إنها كارثة قومية بالفعل.
فكيف عالجوا، ويعالجون هذه الكارثة؟
لاحظت من طول ما شاهدت التليفزيون بمحطاته الكثيرة هناك أن لا أحد يتحدث عن «ضرر» المخدر أبدا، أو يصور الانحدار المخيف الذي يحدث للشخصية إذا تعودت عليه؛ لأن تصوير هذا الانحدار نفسه يخلق في المشاهد الصحيح الرغبة في تجربة هذا الانحدار، ففي داخل النفس البشرية قوة بانية ترغب في الحياة وتحبها، وقوة هادمة ضائقة بالحياة وتحبذ التخلص منها، وقد لاحظ العلماء أن عدد المدخنين في العالم، وبالذات من الشباب قد كثر بشكل مذهل بعد أن أرغمت الحكومات شركات السجائر على وضع شعار «التدخين ضار جدا بالصحة»، فهذا الشعار يداعب وتر الضيق من الحياة والرغبة في التخلص منها، خاصة لو كان هذا التخلص ليس بالشكل العنيف مثل قطع شريان اليد، أو الموت شنقا بكرافتة.
فهذه القوة الهادمة للحياة تغريها أي مادة تهدم الحياة وتنجذب إليها، وكأنها النداهة التي تنادي على بحارة السفن في الأساطير فيندفعون ناحيتها لتتحطم سفنهم على صخور الجزائر ويموتون غرقا، إنه نداء خفي غامض يتسرب إلى النفس في عذوبة ورقة، وكأنه نداء الشيطان المتنكر على هيئة أجمل فاتنة.
ونحن بدعايتنا الضخمة «ضد» الشيء المهلك، «نحبب» دون أن ندري هذا الشيء المهلك للشباب الغض الأغر، وحتى بالقليل نثير فيه حب الاستطلاع كما سألتني الطفلة البريئة عن ماهية شكل وطعم وحكاية الكوكايين.
إني معتقد أننا بإعلامنا المحموم هذا ضد تلك السموم قد أثرنا ملايين من هذه الأسئلة في عقول الشباب والأطفال وحتى الكبار.
وهذا ما لم يفعله الإعلام الأمريكي.
الإعلام الأمريكي أو المجتمع هناك، فعل شيئا آخر.
أولا: بنى مصحات كثيرة خاصة، ليس لمرضى الأمراض العقلية والنفسية ومعهم مدمنو العقاقير (وعلى فكرة كلمة «مدمن» لم تعد تستعمل في القاموس الطبي الحديث، إنما حلت مكانها كلمات مثل «إساءة استخدام العقار» أو التعود على استخدام العقار الضار)؛ إذ هذا هو بالضبط التعريف العلمي الدقيق فإن كلمة «المدمن» مثلها مثل كلمة المجنون، لم تعد تعني شيئا، فلم يعد هناك أناس اسمهم مجانين، إنما أصبحت أمراضا محددة، تسمى بأسماء محددة، ولها علامات محددة.
المهم بنوا المصحات أو تبرع بها أغنياؤهم، الممثل الأمريكي الذي دائما ما أنسى اسمه (وبالطبع ليس روك هدسون) ذلك الذي مات ابنه من جراء تناول جرعة زائدة من الهيروين، تبرع ببناء مصحة دفع فيها مليوني دولار وجمع الباقي من الأغنياء والأصدقاء، مصحات أهلية، ومصحات حكومية ومصحات تأمين صحي، السرية فيها مكفولة، والعلاج لا يستغرق كثيرا، وأثناء العلاج هناك رعاية اجتماعية للمريض وأسرته.
نامعلوم صفحہ