قلت: بالصراع حول من يكون السيد؛ النظام أو الإنسان، وضحك وضحكت، ولكني أردفت: إنني أعتبر أن الإنسان إنسان بقدر تمرده على نظام وجوده وبقدر قوة تمرده تكون قوته كإنسان، صحيح أنه تمرد ميئوس منه، إلا أن الاستسلام الكامل للنظام، لأي نظام موجود، هو الاستكانة، والسكون هو الموت.
قال (وكأنما يغير مجرى الحديث): رغم أن أرسطو يقول إن الإنسان كائن سياسي، إلا أنني أعتقد أن الإنسان كائن «ذكري - أنثوي» وأنا أرى أنك لم تتحدث عن الرجل والمرأة باعتبارهما النظام الأساسي للمجتمع البشري.
قلت: لو كان الرجل والمرأة وحدهما على سطح الكرة الأرضية لأصبح هذا هو النظام الإنساني، ولكنهما لم يوجدا هكذا بمفردهما إلا في قصة آدم وحواء، هما موجودان باستمرار داخل مجتمعات مثلهما مثل أدق الكائنات.
قال: ولكن هذا كما قلت لك مجرد تصورنا نحن لوجود المادة في هذه المرحلة من إدراكنا العلمي؛ ولهذا فأنا أفضل النظرة الفلسفية لأنها تقوم على افتراض منطق للوجود، وهي في نفس الوقت ليست حقيقة علمية، إنها خيال علمي واسع مثلها مثل الروايات والمسرحيات، مجرد افتراضات، وليست حقيقة علمية ممكنا إثباتها بالميكروسكوب أو التليسكوب.
قلت: أمعنى هذا أنك لا تعتقد أن هناك حقيقة موضوعية، حقيقة، موجودة خارجنا؟
قال: هناك حقيقة - هذا لا شك فيه - ولكننا لا ندرك إلا أجزاء من تلك الحقيقة، أي تلك الأجزاء ندركها؟ هذا هو السؤال: بل إنه مهما كان تفكيرنا حتى لو كان تفكيرا عبثيا فنحن بالضرورة نمسك بجزء ولو ضئيلا من الحقيقة، بالضبط كما لو كنا نمسك ببطارية كشافة نجول بها في أنحاء غرفة مظلمة فلا نرى في المرة الواحدة إلا أجزاء من محتويات الغرفة.
قلت: أو كما يقولون عن النملة حين لا يمكنها أبدا أن ترى الفيل كله، إنها ترى نتوءات وأشياء بارزة وهضبات، إنما لا يمكن أن تدرك - أو حتى تتخيل إذا كان باستطاعتها أن تتخيل - أن هذه كلها تشكل كائنا هائل الحجم حيا اسمه الفيل.
ولهذا دعني أسألك يا أستاذ دورنمات سؤالا سوف يبدو كأسئلة اللقاءات الصحفية: ألا تعتقد أن الإنسان، كتلك النملة كما قلنا، تكتسب كل يوم بتكنولوجيتها واكتشافاتها وإدراكاتها المتقدمة قدرات أكثر بكثير من حجمها الصغير؛ بحيث إنه من الممكن لهذه النملة أن تكبر تماما ويكبر خيالها وتكبر عيونها حتى تصل إلى درجة تستطيع أن ترى الفيل فيلا فعلا؟!
قال: ممكن أن تكبر النملة فعلا وتكبر حواسها كما قلت، ولكن الفيل أيضا لن يظل كما هو، إنه هو الآخر لن يظل نفس الفيل، سيظل يكبر ويكبر.
قلت في سري وله أيضا: هكذا يجيب الأستاذ المسرحي دورنمات. وأضفت لنفسي: لا بد أن جزءا كبيرا من موهبة الكاتب المسرحي أن يعرف كيف يسأل السؤال الصحيح ويعرف أيضا كيف يجيب - حتى على نفسه - الإجابة الصحيحة.
نامعلوم صفحہ