ولكن لنعد إلى نزعات الناس: إن عقولهم تبدو ساعية إلى أسمى خير، وذاكرتهم تبدو كليلة، فهم أشبه برجل ثمل يريد العودة إلى بيته ولكنه لا يتذكر الطريق إليه، لا يمكن لأحد أن يقول إن من يسعون إلى سد جميع احتياجاتهم هم على خطأ، فالحق أنه ليس أدعى إلى السعادة من حالة تتوافر فيها للمرء كل الخيرات ويتحقق له فيها الاكتفاء وانتفاء الحاجة، ولا أحد يمكن أن يخطئ من يرون أن أحظى الناس بالتبجيل والتوقير هو أفضلهم، فالجلال والرفعة ليسا بالشيء الهمل وبلوغهما هو هدف يكدح إليه كل البشر تقريبا.
السلطة أيضا ينبغي أن تعد ضمن الأشياء الخيرة، فمن ذا الذي يقول إن الشيء الذي يسلم الجميع بأنه أعلى الأشياء قاطبة هو شيء هين أو واه؟
والشهرة كذلك لا يمكن إغفال قيمتها؛ لأن كل ما هو عظيم الامتياز هو أيضا عظيم الشهرة.
ومن فضول القول إن السعادة هي حالة تخلو من الهم والحزن والأسى والمعاناة، إذ إنه حتى في أصغر الأمور يسعى المرء إلى ما يبهج به ويستمتع.
تلك إذن هي الأشياء التي يتوق الناس إليها: الثروة، مناصب الشرف، الملك، المجد، المتعة، وهم يتوقون إليها لأنهم يرون أنهم من خلالها سوف يجدون الإشباع والاعتبار والسلطة والمجد والسعادة، هذا هو الخير الذي يبحث عنه الناس في مساعيهم المتنوعة، وليس من العسير أن تكشف دور الطبيعة في ذلك، فعلى الرغم من تنوع آراء الناس واختلاف مشاربهم فإنهم جميعا على اتفاق في الهدف الذي ينشدونه، وهو الخير الأسمى.
يطيب لي أن أنشد نغما شجيا على أوتار وئيدة،
كيف تمسك الطبيعة الجبارة بأزمة الأشياء؟
وبأية قوانين تحفظ العناية هذا العالم المترامي،
وتكبح الأشياء بأرسان لا تنفلت،
وتوثق كل شيء بوثاق لا انفصام له. •••
نامعلوم صفحہ