1
إنها الخير الذي إذا بلغه الإنسان لم يسعه أن يصبو إلى أي شيء آخر، وهي إذن الخير المكتمل الأسمى الذي ينطوي في داخله على كل ألوان الخير؛ لأنه لو افتقر إلى أي شيء لما كان الخير الكامل، إذ يبقى هناك شيء خارجه قد يكون مرغوبا، السعادة إذن هي حالة من كمال الخير، لاحتوائها على كل ما هو خير، والتي يسعى إليها، كما قلت، جميع البشر الفانين وإن تعددت الطرق، ذلك أن الرغبة في الخير الحقيقي هي شيء متأصل بالطبيعة في نفوس البشر، وما يطيش بهم عن هذا الهدف إلا الخطأ والسير في الدروب الضالة إلى الخيرات الزائفة.
2
يرى البعض أن الخير الأسمى هو ألا يحتاج المرء إلى شيء ولا ينقصه شيء، ومن ثم فقد غذوا السير لامتلاك الثروة الوفيرة، ويرى البعض الآخر أن الخير الحقيقي هو ذلك الذي ينتزع التبجيل والتوقير، ومن ثم سعوا إلى المنصب الذي يكفل لهم احترام مواطنيهم، وقرر البعض أن أعلى خير يكمن في أعلى قوة، ومن ثم فقد سعوا إلى أن يصبحوا هم أنفسهم حكاما أو أن يكونوا على صلة بمن هو في مواقع السلطة، ويذهب آخرون إلى أن خير شيء هو الشهرة والمجد، ويكدون أنفسهم لبناء اسم كبير في دنيا الفنون - فنون السلم أو فنون الحرب.
إلا أنهم جميعا بلا استثناء يتفقون على أن الخير يقاس محصوله باللذة والمتعة التي يجلبها، وأن الإنسان الأسعد هو إنسان يتقلب في المتعة.
وهناك بعد من يخلطون بين الغايات والوسائل في هذه الأشياء، كالذي يرغب في الثروة من أجل القوة واللذة، أو يرغب في السلطة من أجل المال والمجد.
في هذه الأهداف إذن وفي أمثالها، يكمن الهدف من أفعال البشر ومهوى قلوبهم: الشهرة والشعبية التي تضفي نوعا من التميز، أو الزوجة والأبناء، وهي ما يطلبه الرجال من أجل المتعة التي تمنحها، أما عن الصداقة فإن الصنف النقي النزيه منها يعد أعلى ضروب الخير وأقدسها، وما عدا ذلك يلحق بالرغبة في القوة أو التسلية.
من الواضح أيضا أن المزايا الجسدية قد تنسب إلى ضروب الخير السابقة: فقوة الجسم وحجمه يمنح الرجل بأسا، والجمال والسرعة تمنحانه الشهرة، والصحة تمنحه المتعة.
يرى كل إنسان أن ما يرغب فيه فوق كل ما عداه هو الخير الأسمى، ولقد عرفت الخير الأسمى للتو بأنه السعادة، إذن فإن الحالة التي يرغب فيها كل إنسان فوق غيرها هي الحالة التي حكم بأنها حالة السعادة؛ الثروة، المنصب، السلطة، المجد، اللذة، وقد ذهب أبيقور
Epicurus ، بالنظر إلى هذه الحالات وحدها، وباتساق تام، إلى أن اللذة هي الخير الأسمى ما دام كل ما عداها يدخل في بابها من حيث إنه يجلب إلى النفس اللذة.
نامعلوم صفحہ