وهل ثمة شيء يمكن أن توقعه بأحد وأنت بمأمن ألا يقع لك يوما على يد شخص آخر؟ إننا لنذكر كيف دأب الملك المصري بوزيريس
Busiris
2
على قتل الأجانب، حتى ذاق هو نفسه الموت على يد أجنبي هو هرقل، ونذكر في الحرب البونية (= الفينيقية) الأولى القائد ريجولوس
Regulus
3
الذي وضع الأغلال في أعناق كثير من الأسرى القرطاجنيين، فما عتم بعد ذلك أن وقع أسيرا لديهم وأسلم نفسه لأغلالهم، أية سلطة هذه التي لا يأمن صاحبها أن ينزل به ما أنزله بغيره؟
لو كانت المناصب والسلطات خيرا بطبيعتها وفي ذاتها لما وقعت في أيدي الأشرار، فالأضداد لا تجتمع أبدا، والطبيعة لا تسمح للنقيض بأن يتصل بنقيضه، ومما لا شك فيه أن أسوأ الناس هم من يتولون المناصب في أغلب الأحيان، من الواضح إذن أن المناصب ليست خيرا في ذاتها؛ لأنه ليس خيرا بذاته ذلك الذي يرتبط بالأشرار ويسلم نفسه لهم.
والشيء نفسه ينسحب على ألوان الحظ الأخرى، التي تقع أكثر ما تقع في أيدي أشد الناس خبثا وشرا.
ثمة نقطة أخرى في هذا الصدد: لا شك أن الشخص يكون شجاعا إذا وجدت فيه أمارات الشجاعة، ويكون سريعا إذا تمتع بصفة السرعة، كذلك الموسيقى تجعل منه موسيقيا، والطب يجعله طبيبا، والبلاغة تجعله خطيبا؛ لأن من طبيعة كل شيء أن يؤدي الدور الملائم له، ولا يختلط بأدوار أشياء أخرى مناقضة، بل يرفض الأضداد في حقيقة الأمر، غير أن الثروة لا يمكن أن تروي غلة الجشع، والسلطة لا تجعل من المرء سيدا على نفسه إذا كان يرسف في أغلال شهواته، وعندما يوسد المنصب إلى غير أهله، فإنه لا يجعل منه أهلا على الإطلاق وإنما يفضحه لا أكثر ويكشف عجزه وتفاهته، لماذا كان ذلك؟ لأنكم تحبون أن تسموا الأشياء بأسماء زائفة لا تخصها، وسرعان ما ترفضها على المحك خصائصها الحقيقية؛ لذلك فلا الثروة ولا السلطة ولا المنصب يصح أن تسمى بهذه الأسماء، والنتيجة نفسها تنسحب على الحظ ككل، فليس فيه شيء يستحق عناء السعي، وليس فيه أي شيء من الخير الذاتي، ذلك أنه لا يئول دائما إلى الأخيار، ولا يجعل ممن يؤول إليهم أخيارا.
نامعلوم صفحہ