نحن أبناء الكآبة، وأنتم أولاد المسرات، وبين كآبتنا، وسروركم عقبات صعبة لمسالك ضيقة المعابر لا تجتازها خيولكم المهطمة، ولا تسير عليها مركباتكم الجميلة.
نحن نشفق على صغارتكم، وأنتم تكرهون عظمتنا، وبين شفقتنا، وكرهكم يقف الزمان محتارا بنا وبكم.
نحن ندنو منكم كالأصدقاء، وأنتم تهاجموننا كالأعداء، وبين الصداقة، والعداوة هوة عميقة مملوئة بالدموع، والدماء.
نحن نبني لكم القصور، وأنتم تحفرون لنا القبور، وبين جمال القصر، وظلمة القبر تسير الإنسانية بأقدام من حديد.
نحن نفرش سبلكم بالورود، وأنتم تغمرون مضاجعنا بالأشواك، وبين أوراق الوردة وأشواكها تنام الحقيقة نوما عميقا أبديا.
منذ البدء وأنتم تصارعون قوانا اللينة بضعفكم الخشن ... تغلبوننا ساعة، فتضجون فرحين كالضفادع، ونغلبكم دهرا، ونظل صامتين كالجبابرة، قد صلبتم الناصري، ووقفتم حوله تسخرون به وتجدفون عليه، ولكن لما انقضت تلك الساعة نزل من عن صليبه وسار كالجبال يتغلب على الأجيال بالروح، والحق، ويملأ الأرض بمجده، وجماله.
قد سممتم سقراط، ورجمتم بولس، وقتلتم غليلو، وفتكتم بعلي بن أبي طالب، وخنقتم مدحت باشا، وهؤلاء يحيون الآن كالأبطال الظافرين أمام وجه الأبدية، أما أنتم فتعيشون في ذاكرة الإنسانية كجثث فوق التراب لا تجد من يدفنها في ظلمة النسيان والعدم.
نحن أبناء الكآبة، والكآبة غيوم تمطر العالم خيرا، ومعرفة، وأنتم أبناء المسرات، ومهما تعالت مسراتكم فهي كأعمدة الدخان تهدمها الرياح، وتبددها العناصر.
أبناء الآلهة وأحفاد القرود
ما أغرب الدهر، وما أغربنا! فقد تغير الدهر وغيرنا، وسار إلى الأمام وسيرنا، وأسفر عن وجهه فأذهلنا وفرحنا.
نامعلوم صفحہ