أستيقظ في الصباح، فأرى الكلام جالسا بجانب مضجعي على صفحات الرسائل والجرائد والمجلات، وهو ينظر إلي بعيون ملؤها الدهاء، والخبث، والرياء.
أغادر فراشي، وأجلس إلى جانب النافذة؛ لأزيح نقاب النوم عن بصيرتي بفنجان من القهوة، فيتبعني الكلام، وينتصب أمامي راقصا صارخا معربدا، ثم يمد يده مع يدي إلى فنجان القهوة ويرتشف منه بارتشافي، وإذا تناولت لفافة يتناولها معي، وإذا رميت بها رماها معي أيضا.
أقوم للعمل فيلحق بي الكلام موسوسا في أذني، مهمهما حول رأسي، مقرقعا في خلايا دماغي، فأحاول طرده، فيضحك مقهقها، ثم يعود إلى الوسوسة، والهمهمة، والقرقعة.
أخرج إلى الشارع فأرى الكلام واقفا في باب كل حانوت، منبسطا على جدران كل منزل، أراه في أوجه الناس وهم صامتون وفي حركاتهم وسكناتهم، وهم لا يدرون.
إن جالست صديقي يكون الكلام ثالثنا، وإن التقيت بعدوي ينتفخ الكلام إذ ذاك، ويتمدد ثم يتجزأ متحولا إلى جيش عرمرم أوله مشارق الأرض وآخره مغاربها، فإذا غادرته هاربا ظل صدى كلامه يتمايل مختبطا في باطني اختباط طعام لا تهضمه المعدة.
أذهب إلى المحاكم، والمعاهد، والمدارس؛ فأرى الكلام وأبا الكلام وأخاه وهم يلبسون الكذب رداء والاحتيال عمامة وحذاء.
ثم أسير إلى المعمل، وإلى المكتب، وإلى الإدارة، فأجد الكلام واقفا بين أمه وعمته وجدته وهو يقلب لسانه بين شفتيه الغليظتين وهن يبتسمن له ويضحكن مني.
وإذا بقى لي شيء من العزم، والتجلد، وزرت المعابد والهياكل، رأيت هناك الكلام جالسا على عرشه وهو متوج الرأس وفي يده الصولجان دقيق الصنع لطيف الجوانب ناعمها.
وعندما أعود في المساء إلى غرفتي أجد الكلام الذي سمعته سحابة نهاري متدليا كالأفاعي من سقفها، منسلا كالعقارب في قرانيها.
الكلام في الفضاء، وما وراءه، وعلى الأرض وتحتها.
نامعلوم صفحہ