لن أكون مع وطني، ولن أكون مع محرابي، ولن أكون مع عشيرتي، في الحالة التي أفقد فيها إيماني بها أو بأحدها، أو أي أمر أو موقف أو شخص لا أجدني مضطرا لتقديره، وسأدافع عن رؤيتي حيال ذلك بالصمت، والعزلة، والإبداع.
70
إني لأعشق الحديث للصمت الذي يسمعني ولا أسمعه، لأنين الأقحوان العالق على متن غصن، لحبات الدموع المكورة على خد عجوز أكلها الكبر، لم أعد أجد لكلماتي قلبا سوى تلكم القلوب اللاهثة، اللاغبة، المتعبة، تلكم القلوب التي استلبها القدر لحاف اللذة، ومكانز الغرور، ووهبها أباريق الوجع الصافي الذي لم يختلط بشائبة، وأكرمها بنعيم الحنان الغامر، حتى اغتررت بمفاتن الفطرة التي تشوقني إليها، وطلبت المنبر كي أفرط مسبحة الحرف، ثم لذت بالصمت كطفل رأى معطف أمه في الظلام، فظنه رأس ذئب.
71
جالست ذلكم الفقير وهو يبكي من قلبي، وعيناي تنهال بدموعه السخينة، فوضعت كفي باحثا عن موضع ذلك الملح السائل من جراح الكيان فلم أجده، فتبعثرت أبحث حتى رأيت داخله، فاندفعت متشبثا بألواح روحه الساكنة، أشاهد ملامح الضوء البادي منه، وفي مخيالي عبارة العظيم «اللهم عبدا رسولا»، بها اتقدت الرؤيا وبذرت سنابل البشرى، بذلكم العظيم لاحت المشارق والمغارب من على دابته، والحجارة تضغط على بطنه وتشد على مئزره، وبينما أنا مطرق تساءلت عن سر هذا السحر في المتربين، وعن سحر راحتنا على كفوفهم اللدنة اليابسة، فوجدت أن ذلك هو القرار الذي أتينا منه، وإن شطنا فسنظل ميالين إلى قرارنا الأول الأصيل، فما أغنى حياة الفقير في البؤس، وما أشد فقرنا في الغناء!
72
هنا وطني ... ممسك بأكفانه البيضاء، والدماء تتسرب من بين أصابعه النحيلة، وفي فمه ظمأ الهواجر، وفي عيونه أرق الأبدية.
73
أريد أن أسأل:
كيف لهذا الجمال الشامخ أن يموت، بينما تقف جميع النساء في الجانب الآخر؟
نامعلوم صفحہ