عہد نو کا مختصر تعارف
عصر النهضة: مقدمة قصيرة جدا
اصناف
شكل 4-4: تلاعبت خريطة ديوجو ريبيرو لنصف الكرة الأرضية التي تعود إلى عام 1529 بالمعرفة الجغرافية؛ من أجل وضع جزر الملوك في نصف الكرة الأرضية التابع لهابسبورج.
4
تشير التقديرات المتحفظة إلى أنه من بين سكان العالم البالغ عددهم نحو 400 مليون عام 1500، كان حوالي 80 مليونا يسكنون الأمريكتين. وبحلول عام 1550، كان عدد سكان الأمريكتين 10 ملايين فقط. وفي بداية القرن السادس عشر، قدر عدد سكان المكسيك بحوالي 25 مليون نسمة. وفي عام 1600، انخفض العدد إلى مليون نسمة فقط؛ فقد قضت الأمراض الأوروبية، مثل الجدري والحصبة، على معظم السكان الأصليين، كما كانت الحرب والقتل والمعاملة البشعة مسئولة كذلك عن الكثير من القتلى. وسرعان ما تحولت القصة الشاعرية حول اكتشاف أكوام من الذهب والفضة إلى عمل قذر قاتل من التعدين والاستعباد.
كان استغلال الإسبان للأمريكتين ذا تأثير مباشر على اقتصاد أوروبا. فبصورة مبدئية، تدفق الذهب على أوروبا من هسبانيولا وأمريكا الوسطى. ولكن سرعان ما قلب غزو المكسيك وبيرو التوازن لصالح تعدين الفضة. وبين عامي 1543 و1548 وجدت مستودعات الفضة في زاكاتيكاس وجواناخواتو شمال مكسيكو سيتي؛ وفي عام 1543، اكتشف الإسبان جبل الفضة المخروطي رديء السمعة في بوتوسي في بوليفيا. ولكن جاءت الطفرة الحاسمة في عام 1555، باكتشاف عملية دمج الزئبق بمعادن أخرى؛ مما سمح بابتكار فضة أكثر نقاء من خلال صهر خام الفضة بالزئبق. وكانت النتيجة تدفق هائل للفضة إلى أوروبا. وبنهاية القرن السادس عشر، كان أكثر من 270 ألف كيلوجرام من الفضة، وتقريبا ألفا كيلوجرام من الذهب، يصل إلى أوروبا كل عام؛ مما تسبب في ارتفاع التضخم، وبالتالي أسهم فيما أطلق عليه المؤرخون الاقتصاديون «ثورة الأسعار»؛ حيث قفزت الأجور وتكلفة المعيشة، مما خلق الإطار للتطور طويل الأجل للرأسمالية الأوروبية.
كانت المناجم والمزارع الأمريكية بحاجة للعمال، ولكن سرعان ما تبين أن هلاك السكان المحليين معناه أن الإسبان كانوا بحاجة إلى مصدر آخر للعمالة. وكان الحل الذي توصلوا إليه هو العبيد. وفي عام 1510، صرح الملك فرديناند ملك قشتالة بتصدير 50 عبدا أفريقيا إلى مناجم هسبانيولا. وقد كتب ألونسو سوازو من هناك إلى تشارلز الخامس في عام 1518، معبرا عن قلقه من معدل العمل لدى الهنود، ونصح «باستيراد الزنوج، فهم مثاليون للعمل هنا، على خلاف السكان الأصليين الضعفاء، لدرجة أنهم ملائمون فقط للعمل الخفيف». وبين عامي 1529 و1537، أصدر التاج القشتالي 360 رخصة لنقل العبيد من أفريقيا إلى العالم الجديد، وهكذا بدأت واحدة من أكثر الخصائص الشائنة لعصر النهضة، حيث كان العبيد الأفارقة - الذين كانوا يختطفون أو يشترون مقابل 50 بيزو للعبد الواحد من قبل «التجار» البرتغاليين في غرب أفريقيا - يحشرون في مراكب ويشحنون إلى العالم الجديد. وهناك كانوا يباعون بضعف ثمن شرائهم، ويبدءون العمل في المناجم والمزارع. وبين عامي 1525 و1550، شحن حوالي 40 ألف عبد من أفريقيا إلى الأمريكتين، مما أدى إلى إثراء أوروبا وتدمير المجتمعات الأفريقية.
لم يكن كل الإسبان يؤيدون المذابح والقمع اللذين كانا يحدثان في الأمريكتين. فكان الفرنسيسكاني فراي موتولينيا يؤمن أنه «لو سأل أي إنسان عن سبب وجود الكثير من الشرور فسأجيبه: الجشع»، وبنفس المنطق قال بارتولومي دي لاس كاساس: «أنا لا أقول إنهم يريدون أن يقتلوهم [أي الهنود] مباشرة بدافع الكراهية التي يحملونها تجاههم؛ لكنهم يقتلونهم لأنهم يريدون أن يكونوا أغنياء، ويحصلوا على الكثير من الذهب.» ومن الناحية الفلسفية، غير اكتشاف عالم جديد من الفهم الأوروبي لسيادتها الثقافية. ففي قسم «عن آكلي لحوم البشر» من كتاب «المقالات» في عام 1580، زعم الإنساني ميشيل دي مونتين أنه تحدث بالتفصيل مع العديد من الهنود البرازيليين، واستنتج قائلا: «هذه الشعوب لا تتصف بالهمجية أو البربرية، لكن كل شخص يدعو أي شيء غير معتاد عليه بربريا.» وقد كون مونتين نهجا شديدة الشكوكية والنسبية بخصوص مفاهيم «الحضارة» و«البربرية»، مؤكدا: «يمكننا بالفعل أن نصف أولئك القوم بالبربرية حسب قواعد العقل، ولكن ليس مقارنة بأنفسنا، فنحن نفوقهم في كل صنف من صنوف البربرية.»
لقد أحدث اكتشاف أمريكا ثورة في صورة أوروبا عن العالم في عصر النهضة. فقد دحض المعتقدات الفلسفية والدينية الكلاسيكية المترسخة بعمق؛ تلك المعتقدات التي لم تستطع أن تتواءم بسهولة مع وجود الأنظمة الثقافية والعقائدية ولغات السكان الأصليين. كما أن هذا الاكتشاف كان مسئولا - بصفة جزئية - عن تحديد انتقال أوروبا من عالم العصور الوسطى إلى عالم حديث بصورة واضحة. ومن ناحية أخرى، فإن اكتشاف أمريكا ربط بين الخوف من كل ما هو جديد ومجهول؛ والرغبة في الثراء غير المحدود، الذي تجاهل المعاناة الهائلة والقمع الرهيب الذي نزل على رءوس السكان الأصليين والعبيد في الأمريكتين. ويمكن رؤية ميراثه في فقر معظم دول أمريكا الجنوبية اليوم وعدم استقرارها سياسيا، وكذلك في التفاوت في توزيع الثروات والفرص الذي يميز جانبا كبيرا من اقتصاد العالم الحديث.
هوامش
الفصل الخامس
العلم والفلسفة
نامعلوم صفحہ