87

ونريد بعد الذي قدمناه أن نلم بحياة الخلفاء العباسيين الذين سبقوا المأمون، لنرى كيف كانت الحياة السياسية في عهدهم الذي كان بلا شك نواة صالحة لعصر المأمون، وإنا لنرجو إذا وفقنا إلى بيان المناحي التي امتاز بها هؤلاء أن ينكشف الغطاء عن حقيقة أمرهم ومكانتهم التاريخية، كما نرجو أن نظفر من وراء تفهم أقدارهم وحقيقة عصورهم بتفهم الأصول التي كونت العصر الذي من أجله وضع هذا الكتاب.

هوامش

الفصل الرابع

أبو العباس السفاح

كان أبو العباس السفاح أول من تولى الخلافة العباسية ونقل الملك من بني أمية إلى بني العباس، وقد أجمع المؤرخون على أنه كان وافر الكرم، ظاهر المروءة، جليل الوقار، كثير الحياء، حسن الأخلاق، وصولا لذوي الأرحام.

وكان إلى جانب هذه الأخلاق السمحة الرضية يجمع قلبا ذكيا وأنفا حميا في تعقب الأمويين، وتبديد شملهم في كل بقعة يخشى أن تسمع لهم فيها كلمة، أو يطاع لهم رأي، أو يؤثر عنهم صنيع. وكانت هذه الدولة الناشئة تحتاج إلى مثل هذه القسوة من مثل أبي العباس السفاح.

ويجب أن نذكر دائما في مثل هذه الظروف أن جل الملوك الذين بعثوا لإنشاء دول جديدة، وممالك جديدة، وأسرات ملكية جديدة، مثل أبي العباس السفاح وغيره، هم مكرهون لا محالة على استعمال القسوة، وأخذ الأمور بالحزم والشدة دون إغفالهم الموادعة والملاينة فيما لا يهدد عروش ملكهم، وصروح سلطانهم.

قالوا: إنه كان في بعض أيامه جالسا في مجلس الخلافة وعنده سليمان بن هشام بن عبد الملك وقد أكرمه وتبسط معه حتى دخل عليه سديف الشاعر وأنشده:

لا يغرنك ما ترى من رجال

إن تحت الضلوع داء دويا

نامعلوم صفحہ