صلى الله عليه وسلم
أقطعها أحدهما، وحين كان يبذل المال طبقا لمناهجه السياسية. وإنا نبيح لأنفسنا حين ننظر إلى قول زين العابدين: «إن عليا كان يقاتله معاوية بذهبه»، أن نقول: «إن معاوية كان يقاتل عليا بذهبه وذهنه.»
وإنا لنظن أنا قد صورنا معاوية بما هو أهله، وأوضحنا ما كانت عليه تلك الشخصية الفذة في مسايرة الناس واحتمال الأذى منهم، والتي يقول صاحبها: «ما من شيء عندي ألذ من غيظ أتجرعه»، «وإني لا أحول بين الناس وألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا.»
والآن نستطيع بعد أن كشفنا القناع عن أخلاق معاوية ومميزاته، أن نفهم قيمة قول علي رضي الله عنه في كتابه إلى زياد بن أبيه حينما كان من ولاته يحذره من معاوية - وهو ما نختتم به كلمتنا فيه: «إني وليتك ما وليتك وأنا أراك له أهلا، وقد كانت من أبي سفيان فلتة من أماني الباطل وكذب النفس، لا توجب لك ميراثا ولا تحل له نسبا، وإن معاوية يأتي الإنسان من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، فاحذر ثم احذر، والسلام.»
هوامش
الفصل الثالث
سياسة معاوية وخلفائه
(1) توطئة
إن معاوية الذي مرن على السياسة بنشأته، وحذقها بسجيته، وأتقنها لمختلف أدوارها التي تقلب فيها، فطبع عليها وطبعت عليه، وأصبح منها وأصبحت منه، لم يكن في مقدوره إلا أن يكون سياسيا فذا موفقا، بل مصدر سياسات عبقرية طالما نشدها عصره وزمانه حتى بعث بها وبعثت له، وخلق منها وخلقت منه؛ وكانت في نفسها وجوهرها خليقة للإجلال والإكبار، كما كان صاحبها قمينا بالنجاح جديرا بالتوفيق؛ لأنه لم يكن في وسعه، بطبيعته واستعداده ومواهبه واستتمامه لأداة الحكم والسلطان، إلا أن يوفق مظفرا في مختلف خططه التي ارتسمها سديدة ناجحة؛ لأنها قطعة من نفسه، وكل ما كان من نفس معاوية فهو بمثابة أصول السياسة في تشييد الملك بمنجاة من الأعاصير التي تقتلع كل ملك قائم على غير طبيعة السنن الملكية الضرورية لها، ولضمان حياتها ودوام قوة بيوتاتها.
إن معاوية ومن ضرب على قالبه وغراره علموا الخفيات من أهواء النفوس، فتم لهم تملكها وقيادتها، وانتهجوا بها من المسالك ما أشبع نهمتهم ونهمتها، وحقق بغيتهم وبغيتها، ووحدوا بين تيار مصلحتهم السياسية ومختلف رغباتها ومصطدم منازعها، وفطنوا بثقوب بصائرهم إلى استخدام كل ما فيه القوة والحياة لملكهم من شتى العناصر: في أنفسهم وولاتهم وسائر شعبهم.
نامعلوم صفحہ