226

وأضغنه عفوك، ولقلما رأينا ابن شرف لم يلق بيده متكلا على ما قدمت له أبوته، ومن أوتي حظا وكفاية وسلطانا وولاية لم يخلد إلى ما عفا له حتى يخل بمساماة ما أمامه، ثم لا نعلم سائسا استحق النجح لحسن السيرة وكف معرة الأتباع استحقاقك، وما يستجيز أحد ممن قبلنا أن يقدم عليك أحدا يهوي عند الحاقة والنازلة المعضلة، فليهنك منة الله ومزيده، ويسوغك الله هذه النعمة التي حواها لك، بالمحافظة على ما به تمت لك، من التمسك بحبل إمامك ومولاك ومولى جميع المسلمين، وملاك وإيانا العيش ببقائه، وأنت تعلم أنك لم تزل عندنا وعند من قبلنا مكرما مقدما معظما، وقد زادك الله في أعين الخاصة والعامة جلالة وبجالة، فأصبحوا يرجونك لأنفسهم، ويعدونك لأحداثهم ونوائبهم، وأرجو أن يوفقك الله لمحابه كما وفق لك صنعه وتوفيقه، فقد أحسنت جوار النعمة فلم تطغك ولم تزدد إلا تذللا وتواضعا، فالحمد لله على ما أنالك وأبلاك وأودع فيك. والسلام.

وقد خرج المأمون إلى مصر في 16 من ذي الحجة سنة 216 هجرية أثر شخوصه إلى دمشق للمرة الثانية، وكان خروجه إلى مصر، فيما يقول الرواة، لإخماد ما قام فيها من فتن واضطرابات، وذلك أن أهالي الوجه البحري خرجوا ومعهم أقباط البلاد على عيسى بن منصور عامل مصر؛ لسوء سيرته فيهم ولقبح صنيعه معهم.

ويحدثنا التاريخ أن عيسى هذا قد بذل ما في مقدوره لإخماد الفتنة والقضاء على الثورة، فلم يحالفه الظفر، وأخرجه الثوار أقبح مخرج من البلاد، فقدم القائد التركي المعروف بالأفشين وعمل على قمع الفتنة وإخماد الثورة، وقتل مقتلة ذريعة من الأهلين فسكنت الفتنة إلى حين.

ثم عادت الفتنة ثانية واندلع لهيبها واستدعت خطورتها قدوم المأمون إلى مصر، فجاء إليها ونظر في شكاة الأهلين وعمل على إنصافهم، وسخط على عيسى بن منصور ونسب إليه وإلي سيئ أعماله كل ما حدث في طول البلاد وعرضها من فتن وثورات.

ويظهر أن الثورة المصرية لم تخمد تماما، وأنها تطلبت من المأمون إلى جانب ما أظهره من رغبة في إحقاق الحق وإجراء العدل شيئا من الحزم واستعمال القوة، فجاد الثائرين القتال حتى أذعنوا أخيرا، ويقول المؤرخون: إنه لبث في مصر أربعين يوما أو يزيد؛ إذ قدمها في الخامس من محرم سنة 217ه وبقي بها إلى الثامن عشر من صفر.

ويظهر أنه قضى هذه المدة إلى جانب اشتغاله بحرب أهلها بالتنقل بين العاصمة وبعض الأعمال مثل سنجار وحلوان وغيرهما.

ومن أعماله في مصر تعمير مقياس النيل وبعض إصلاحات أخرى بالجزيرة تجاه الفسطاط. وعاد المأمون أخيرا إلى دمشق بعد أن شهد المصريين وخربهم وعدم احتمالهم ظلم الحكام والولاة.

بابك الخرمي

يخبرنا المؤرخون أن بابك الخرمي قد ظهر من كورة في شمال بلاد فارس تسمى «البذ»، وقد كان خروجه للدعوة إلى مذهبه الإباحي سنة 201ه، وكان المأمون لا يزال في «مرو» قبل أن ينتقل إلى عاصمة ملكه بغداد، وقد امتدت فتنة بابك عنيفة طوال عهد المأمون وصدرا من عهد المعتصم.

وقال أبو سعيد عبد الكريم بن محمد السمعاني المروزي في كتاب الإنساب: «الخرمي»

نامعلوم صفحہ