ملخص الحالة العامة في المدة الخراسانية
اطلعنا في دور النزاع بين الأخوين على شيء غير قليل من تصرفات الفضل بن سهل وتدبيراته، ووقفنا على أثره العظيم في الدولة، كما اطلعنا على ما كان من نجاح طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين في حروبهما للجيوش الأمينية.
ونتساءل الآن، بعد أن تم الأمر للمأمون وحزبه وخلا الجو إلى حد كبير للفضل بن سهل: أمن المعقول أن تستطيع هذه الشخصية البارزة، الفارسية المنبت والنزعة، ذات البيت الكبير والحماة والأصدقاء، والعفاة والأنصار، أن تحتمل أن يكون إلى جانبها شخصيات بارزة من العرب كهرثمة بن أعين، وأبطال من ذوي الفضل العظيم والدور الأول في النجاح كطاهر بن الحسين؟
نحن نعلم ما كان من أبي مسلم الخراساني مع أمثاله من القادة والكماة، كما نعلم ما كان نصيبه من الخليفة المنصور، نعلم ذلك كما نعلم الكثير من أمثال ذلك، وإنه ليلوح لنا من غير أن نعدو الصواب كثيرا أنه في مقدورنا أن نجيب عن تساؤلنا هذا. إن المعقول في طبيعة هذه الشخصيات الفذة في تلك الأزمان المطلقة الحكم أنها تعمل على إزالة كل الشخصيات البارزة من طريقها؛ ليكون ذلك لأطماعها ممهدا، ولخططها معبدا.
يلوح لنا أنا لا نعدو الصواب إذا قلنا ذلك؛ إذ إن هذا هو ما فعله الفضل بن سهل مع الظاهرين وأصحاب الكلمة في الدولة، فإن التاريخ ينبئنا أنه رأى مستقبله ومستقبل حزبه يكون مهددا إذا بقى طاهر وهرثمة في العراق، فاستصدر أمرين ملكيين: أولهما بتولية شقيقه الحسن بن سهل جميع ما فتح بجهود طاهر وقيادته الحكيمة وإخلاصه للقضية المأمونية. ينبئنا بأنه نصبه على كور الجبال وفارس وعلى الأهواز والبصرة، وعلى الكوفة والحجاز واليمن، كما ينبئنا بأنه ولى طاهرا الموصل والجزيرة والشام والمغرب. ولكي يتم الأمر بإبعاده كتب إليه أن يسلم الحسن بن سهل جميع ما بيده من الأعمال، وأن يبادر في الشخوص إلى الرقة لمحاربة نصر بن شبث. وثانيهما إلى هرثمة بن أعين يكلفه به أن يشخص إلى خراسان.
ولنتساءل الآن: هل كان من المصلحة السياسية هذه الصدمة العنيفة لزعيمين قويين أحسنا البلاء في الدولة، ولهما مكانتهما ولهما حزبهما؟
وهل كل من المصلحة السياسية إخلاء العراق وهو مصدر الشقاق والنفاق والعصيان والعدوان من هرثمة وطاهر؟
وهل كان من المصلحة السياسية أن يترك المأمون مسألة كمسألة تعيين الحسن بن سهل وإقصاء هرثمة وطاهر تمر هكذا؛ فيستغلها الدعاة على ملكه من بني هاشم ممن لم يكن لهم حظ في دولته، ومن غير بني هاشم ممن يودون زوال الملك الهاشمي، فيقول - فيما يقولون عنه: إنه غلب على أمره، أو أن الفرس ملكوا زمامه، أو أن الفضل بن سهل أنزله قصرا فحجبه عن رجالات دولته، وأن السلطان ومقاليد السلطان قد نزعت منه؟
نعود نتساءل: أكان ذلك كله من مصلحته السياسية؟
لم يكن ذلك من المصلحة السياسية طبعا، لا سيما أنه لم تسكن الفتن والثورات بعد في الأقطار المأمونية، ولكنا نميل إلى اعتقاد أن المأمون كان مرغما على الوقوع في هذه الغلطة السياسية وهو ذلك السياسي المحنك والداهية القدير، كما رأيت وكما سترى في موضعه؛ لأن لظروف الأحوال نصيبها في ذلك التصرف منه ومن غيره ممن يكون في مكانه، ولأنه ربما تحاشى بتصرفه ذلك خطرا أجسم، وأوسع نطاقا، وأبعد مدى؛ وهو خطر إغضاب الفضل بن سهل وجماعة الفضل بن سهل.
نامعلوم صفحہ