psycho-logic » يسير في مجراه الخاص غير المحتوم نحو غايات بعيدة تماما عن الحقيقة العلمية. وقد تقول إن هذا المنطق النفساني مغرق في الغرابة . ورد كيركجورد على ذلك هو أن هذا في الحق فضله الأعظم؛ إذ إن الوجود ذاته مغرق في غرابته، ولا يمكن الوصول إليه ذاتيا إلا بوسائل ممتنعة هي التأمل الباطن والوعي الذاتي.
على أن معارضة كيركجورد لهيجل لا تقف عند حد مسائل الديالكتيك؛ ففي رأيه أن فلسفة القانون عند هيجل إنما هي إنجيل يصلح لإنسان آلي جامد فقد أي إحساس بذاته بوصفه شخصا، وقنع بالعيش سلبيا بوصفه مجرد موظف في الدولة والكنيسة والأسرة؛ ففي رأي كيركجورد أن كل ذلك الجانب الخاص «بالروح الموضوعية» في فلسفة هيجل إنما هو بناء شامخ من التضليل الأنتولوجي يصرف أنظار الناس عن مواجهة الحقيقة الوحيدة التي يتعين عليهم مواجهتها، وهي وجودهم الواعي الخاص؛ فالروح الموضوعية عند هيجل ليست إلا مخلوقا كونه ديالكتيكه، وشبحا للفكر لا شأن له بما هو موجود وحي.
وفي رأي كيركجورد أن الحقيقة
reality
لا يتوصل إليها بتداول التصورات، وإنما بالتجربة المباشرة وحدها. ولقد كان كانت، بطريقته الخاصة، على حق؛ «فالوجود
existence »
1
ليس محمولا. ومن المحال أن يدرك المرء معنى كونه موجودا إلا بطريقة الإشارة، وبحدس مباشر لذاته.
ولقد رأى كيركجورد أن وعي المرء بوجوده يغدو أقوى ما يكون في فترات التوتر الداخلي الشديد، عندما يتجاوز القلق مرحلة الانشغال المحلي بغايات خاصة، ويصبح كليا أو «ميتافيزيقيا» إن جاز هذا التعبير. هذا القلق الكلي، غير المتعلق بموضوع محدد، لا ينشأ إلا عندما يكف المرء عن الانشغال بمشكلة الوصول إلى نتائج خاصة أو الاحتفاظ بما لديه، وعندما تغدو كل مسألة الوصول إلى نتائج أمرا لا أهمية له، ويهدد نهج حياة المرء كله بالخطر، عندئذ فقط يدرك المرء حقا المعنى الحقيقي ل «وجوده». ومن العبث أن توجه إلى كيركجورد في هذا الصدد تهمة النزعة المرضية؛ فإن رده الوحيد هو أن يهز كتفيه غير عابئ ويقول: «ولو!» فهو لا يحاول إثبات نقطة ما، وإنما يحاول التعبير عن موقف يعتقد أن له أعظم الأهمية بالنسبة إلى الشيء الوحيد الذي يستحق الاهتمام، وهو الخلاص الفردي.
وينبغي أن نشير في هذا الصدد إلى أن ولوع كيركجورد بالحياة الشاذة للوعي - وهو بهذه المناسبة ولوع يشاركه إياه فيلسوف أمريكي «سليم العقل» إلى أبعد حد، هو وليم جيمس - هو أيضا من الصفات المميزة لعدد من كبار الروائيين والشعراء في القرنين التاسع عشر والعشرين. والواقع أن كل من تلمس طريقه في عالم روايات دستويفسكي الغريب المحموم، أو فتنته ونفرته في آن واحد تلك الروايات الميتافيزيقية التي كتبها فرانتس كافكا،
نامعلوم صفحہ