ولقد تحدث أيكن في مقدمته عن عملية الاختيار الأولى؛ أعني اختيار الفلاسفة. وأود هنا أن أعرض بضع ملاحظات على عملية الاختيار الثانية؛ أعني اختيار النصوص؛ فمن الضروري، في كتاب كهذا، أن تتوافر في النصوص المختارة صفتان؛ الأولى: أن تكون ممثلة لتفكير الفيلسوف بإيجاز. والثانية: أن تكون دالة على اتجاهه الأيديولوجي. وأستطيع أن أقول إن المؤلف كان في معظم الأحيان موفقا فيما اختاره من النصوص، ولكني أعتقد أن التوفيق لم يحالفه في حالات قليلة، وهو أمر ينبغي، في رأيي، أن ينبه القارئ إليه حتى لا يحكم على كل الفلاسفة الذين يقرأ لهم من خلال النصوص التي تمثلهم في هذا الكتاب.
فالنص المختار من «كانت» ليس دالا على فلسفته بأسرها، بل إنه يتناول جانبا محدودا منها فحسب، ولا يكشف بوضوح عن طابعها «الأيديولوجي»، بالمعاني التي حددها المؤلف في الفصل الأول لهذا اللفظ. وكم كنت أتمنى أن يختار المؤلف نصا دقيقا، واضحا، جامعا، مثل مقدمة الطبعة الثانية لكتاب «نقد العقل الخالص»، حيث يجد القارئ تلخيصا كاملا لاتجاه «كانت» الفكري، وللدلالة الأيديولوجية لفلسفته، معروضا بلغة واضحة في صفحات قليلة نسبيا.
أما النص المختار من «فشته»، فهو في رأيي غير موفق على الإطلاق، ويبدو أن المؤلف ذاته أحس بذلك لأنه اهتم في مقدمته كثيرا بهذا النص ودافع بقوة عن اختياره له. وبغض النظر عن تبرير المؤلف لهذا الاختيار، فإن هناك ناحية أخرى كان ينبغي أن يحسب لها حسابا، وهي: إذا قدمت لقارئ «فشته» في عشر صفحات، فهل تقدمه له في صورة هذه المبادئ التي تتحدث كلها عن «الأنا» «واللاأنا» بطريقة تمثل قمة التعقيد في المثالية الألمانية؟ وهل هذا يتفق مع نفسية قارئ «النصوص الموجزة المختارة»، ويقدم إليه صورة صحيحة عن «فشته»، أم إنه ينفره منه نفورا قد يصبح فيما بعد أبديا؟
وبعد ذلك، فإن النص المختار من «جون ستيوارت مل»، وإن يكن موفقا من حيث دلالته على تفكير «مل» الهادئ المتسلسل في دقة وإحكام، فإنه لا ينطوي - في رأيي - على أية دلالة أيديولوجية، ولا يعدو أن يكون اختبارا منطقيا للمعاني المختلفة للفظ «الطبيعة».
أما النص المختار من «هربرت اسبنسر»، فهو خاتمة لأحد كتبه، تفترض مقدما إلمام القارئ بهذا الكتاب، وليست خاتمة من النوع الذي يلخص المناقشات الماضية تلخيصا يمكن أن يفهم بذاته.
وبعد هذه الانتقادات التي أرى لزاما علي أن أوجه إليها أنظار القارئ، أود أن أمتدح في المؤلف شيئين:
أولهما:
أن البعض الآخر من نصوصه كان موفقا دون شك، ولا سيما النصوص المختارة من كونت ونيتشه وكيركجورد.
وثانيهما:
أن الشروح التي سبقت كل نص، والتي تكاد تعادل النصوص ذاتها في عدد صفحاتها، هي بالفعل شروح واضحة مفيدة، تقدم إلى القارئ لمحة سريعة قيمة عن تفكير الفيلسوف موضوع البحث وعلاقته بغيره من فلاسفة الفترة نفسها، وربما غيرها من الفترات. (هذا إذا استثنينا بعض المقارنات التي لا تجدي فتيلا، مثل مقارنة فكرتي المراحل الثلاث عند كونت وعند كيركجورد!) وهكذا، فعلى حين قد يجد القارئ في نص معين غموضا أو قصورا عن شرح وجهة نظر الفيلسوف الكاملة، فإن الشرح السابق للنص - وهو دائما شرح وإيضاح لفلسفة المفكر كلها، لا النص الوارد بعدها فحسب - يفيد إلى حد بعيد في سد ثغرات الاختيار.
نامعلوم صفحہ