63

وبعدما تزوجت عملت أضان «آذان» الحامل طرشا، سديت دي بطينة ودي بعجينة، والآن ليك تسعة أشهر ورجلك دي ما ختيتا في القرية، عشان كدا نحن جينا، وأقول ليك أنا ولا العيال حنرجع للقرية تاني. - وأنا كمان.

قالت زينب الزوجة الكبيرة.

كان صاحب اللوري يترجى الخير أن يدفع له ثمن الرحلة حتى يتمكن من الذهاب إلى السوق والبحث عن رزق آخر، وبعد ذلك بإمكانه مواصلة المشاجرة مع نسوانه.

قام الأطفال والمساعدون بإنزال العفش بينما ما زال الخير يجادل المرأتين، ويطلب من السائق أن ينتظر ليعدهما للقرية، وسيدفع له ثمن المشوار كاملا، خرجت نوار سعد على سماع الضجيج، ولكنها عندما تنبهت لوجودنا رحبت بنا وطلبت منا أن نتفضل بالدخول، وقبل أن يتم ذلك سلمت على المرأتين والأطفال بحميمية وجمال، وطلبت من الجميع الدخول وتناول الطعام وترك المشاجرة إلى وقت آخر، وقبل الجميع الاقتراح.

مايكل والخير والصبية ومحمد آدم قاموا بإدخال العفش، الذي لم يكن سوى أسرة من الحديد منسوجة بحبال السعف، وكثير من العناقريب والبنابر وسحارتين للعفش، وبعض ترابيز الحديد والخشب ذات الألوان البنية الداكنة نتيجة لتراكم الأوساخ عليها، أحذية قديمة، ملابس مربوطة في حزم كبيرة، جولات بها أطعمة مجففة، أدوات صناعة الكسرى والقراصة، حلل وكمش ومفاريك وملاعق، راديو ترانسستور كبير الحجم في إطار من الخشب المضغوط، مراكب قديمة، عصي، أدوات زراعة وبناء، مشلعيبات، لدايات، حطب وقود وطلح للدخان وشملات وأغطية، زجاجات سمن. ولا ينسى أحد البهائم السبع التي ربطها الخير جميعا في ركن البيت الشرقي قرب الديوان، وهو المكان الوحيد الذي يحفظ الحديقة بعيدا عن أسنان وأضراس الأغنام، كان يوثقها بالحبال وهو يسب ويسخط ويتوعد المرأتين حالفا بالأيمان الغلاظ وقبر أبيه والطلاق. - إذا لم أأدبكم أدب المدايح، يا بنات الكلب ...

كان الأطفال يحذرونه ولا يحتكون به، ويتجنبون أن تلتقي عيونهم بعينيه، كان لا يكف عن الكلام وهو يعمل هذا ويرمي ذاك ويربط تلك ويرفس ذاك. عندما صلينا صلاة المغرب في جماعة استأذنا بالذهاب إلى المحراب وخرجنا.

الحكمة: امرأتان

علي أن أتصرف بحكمة، لا أنكر أن وقع الزيارة المفاجئة كان ثقيلا، وأنه أشعل الجيرة كلها بالأسئلة، وشمت الشامتون علي ... ولكن قلت لنفسي: كوني يا نوار قوية واتجاوزي المحنة.

بعد أن ذهبت القديسة ومايكل وضيوفهما جلسنا أنا والخير و«امرأتاه»، كان الخير يصر على حل واحد لا ثاني له، وهو أن تعود المرأتان بأبنائهما، وتصر المرأتان أنهما لن تعودا، وإذا عادتا فبدون الأولاد.

المرأتان باسم واحد؛ زينب، ويفرق بينهما بزينب الكبيرة وزينب الصغيرة. زينب الكبيرة وهي الأصغر سنا، نحيفة طويلة لها سواد جميل ونعومة فائقة، وهي سكوتة أو ربما اكتفت بأن تكون زينب الصغيرة ثرثارة، وزينب الصغيرة جميلة أيضا وسمينة، طويلة لها بشرة بنية وعينان واسعتان ذكيتان عنيدتان، وتكبر زينب الأخرى بعامين، يمكنها رد أية جملة يقولها الخير بسرعة فائقة، ولها مقدرة على تفنيد آرائه ونفيها بطريقة تحسد عليها ، وهي لا تخشاه إطلاقا ولا تخاف قسمه وتهديده بالطلاق أو الضرب، كانت تصر على شيء واحد: أنا ما ماشية من العاصمة دي خطوة واحدة، ويعني ما ماشية. إذا كنت معك أو غيرك، لو طلقتني برضو حأقعد مع أولاد عمي في الثورة، أنا تاني ما ماشية للعذاب والرملة القبيحة والخرابات والخلا، عديل كدا قلت ليكم. - وأنا كمان.

نامعلوم صفحہ