تابع قائلا: «ولكنني أتساءل عما إذا كان الأمر له دوافع أخرى أيضا. ربما انتابه الفضول بشأن علاقتنا، وربما يرغب في أن يتأكد مما إذا كنت قد رأيت أي شيء مثير للشك في المنزل.»
لم تكن إلينورا قد فكرت في هذا الاحتمال، بل إنها في حقيقة الأمر لم تكن قد فكرت في دوافع السلطان على الإطلاق.
تابع البك قائلا وهو يمد ذراعيه كما لو كان يدعو الجميع لتفتيشه: «أنت تعلمين أنه لا يوجد لدي ما أخفيه. لقد تناقشنا في ذلك الأمر عندما كنا في قلعة روميليا، وأرغب فقط لمصلحة كل منا أن تنتبهي جيدا لما تقولينه للسلطان غدا. لست أعني بأي حال أن تخدعي أحدا، وخاصة فخامة السلطان أو الصدر الأعظم، ولكن احترسي فحسب، وفكري كيف تؤثر كلماتك في الآخرين.»
فهزت رأسها معلنة عن فهمها. «أنت ترين بالطبع كيف ارتبطت مصائرنا.»
التقطت إلينورا شوكتها ورفعت حبة فول خضراء إلى فمها. كانت ترى بوضوح شديد كيف ارتبط مصيرها بالبك؛ فقد أصبح هو وخادمته وكبير الخدم في مقام عائلتها. كان كما تقول السيدة يونسكو عن والدها: «القلعة الحجرية التي تطل على بساتيني، والمطر الذي يغذيها، وفريق الجياد الذي يتعلق به محراثي.» كان آخر ما ترغب فيه إلينورا هو أن تأتي بأي فعل يؤثر سلبا على مصيره، ولكن من الغريب أن يشدد في التأكيد على تلك النقطة. وبالطبع بوصفه ضحية للاضطهاد السياسي ظلما في الماضي، فمن المفهوم قلقه بشأن دوافع السلطان.
بعد تناول العشاء، استأذنت إلينورا في الانصراف، وذهبت إلى غرفة نومها بالطابق الأعلى. كان الوقت مبكرا، ولم تكن تشعر بالتعب على الإطلاق، ولكنها كانت ترغب في الاختلاء بأفكارها. كانت قد اختارت بالفعل الثوب الذي سترتديه، ولكنها لم تكن واثقة من أمر الحلي. فتحت الدرج العلوي من مائدة الزينة، ونظرت إلى مجموعتها الصغيرة من الأساور والقلادات. ها هي قلادة الزمرد الكمثرية الشكل التي أهداها البك لها في يومها الثالث في إسطنبول، وها هي الأساور التي ابتاعاها من بائع الذهب المتشنج في سوق الأقمشة والمنسوجات. وبينما كانت إلينورا ترتدي الأساور، وقع بصرها على المؤشر الخشبي الذي أخذته معها من كونستانتسا، مؤشر والدتها الذي استخدمته في فتح قفل صندوق والدها. التقطته من الدرج وحملته كمرآة مكبرة، ونظرت في انعكاسها خلال الفراغات المعكوسة في الخشب.
كانت إلينورا تعلم من قراءتها لمكيافيلي أنها لا يمكنها تقديم النصيحة ما لم يطلب منها السلطان، ولكنه إذا سألها فسوف تخبره بالحقيقة قدر استطاعتها. أما بشأن كيفية التصرف فلم تكن لديها فكرة، فلا أحد من شخصيات «الساعة الرملية» قد حظي بشرف مقابلة الملك، ما عدا السيدة هولفرت التي دعيت إلى نزهة بالخيل مع أحد أمراء آل هابسبورج. ولكن تلك الواقعة انتهت نهاية كارثية - «كل ما تبقى من اليوم صندوق من الزهور البرية المجففة والدموع وخطابات لم ترسل» - رغم أنها تصلح كمثال معاكس. لم تدر كم ظلت واقفة أمام المرآة عندما فتح الباب ودخلت السيدة داماكان إلى الغرفة. لم تكن تحمل مناشف أو ملاءات، ولم تكن لديها أي ذريعة أخرى للزيارة. فوضعت إلينورا المؤشر فوق مائدة الزينة وأغلقت الدرج.
قالت السيدة داماكان وهي تضع يدها برفق على كتف إلينورا: «سوف تذهبين إلى القصر غدا، إنه لشرف عظيم.»
نظرت إلينورا إلى الخادمة العجوز ولمحت في عينيها نظرة خبيثة.
رددت السيدة داماكان: «إنه لشرف عظيم، ولكنني أعتقد أنك متوترة.» «لست أدري ...»
نامعلوم صفحہ